خلفية تصريحات “الخوري أبو كسم”، وتدخّل “الأمن العام” في توزيع جريدة “الكنار أنشينيه” (نفى “الأمن العام” لاحقاً أن يكون منع توزيعها) ومجلة “في إس دي”، والردود المتبادلة مع “إعلاميون ضد العنف”، هو سلسلة مقالات ظهرت في الصحافة الإيطالية أولاً، وتناقلتها كل الصحف العالمية، حول وجود “لوبي مثلي في الفاتيكان”! وحسب الصحافة الإيطالية، فإن استياء البابا بندكت من وجود هذا اللوبي كان من أسباب استقالته!
وقد تكون الرواية صحيحة، أو غير صحيحة، وإن كنا نعتقد أن هنالك مبالغة في أهميتها، إذا افترضنا صحّتها.
مع ذلك، وحسب مصادر “الشفاف”، فإن النقاش حول “زواج الكهنة” (الذي يعتبره كثيرون “الإطار” الحقيقي لتضخّم مسألة “المثليين” في الإكليروس الذي بات يعيش في مجتمعات غربية تعطي أهمية كبرى لـ”الجنس”) ليس محظوراً في الكنيسة الكاثوليكية. وقد علمنا من مصادر كنسية ذات صلة وثيقة بالفاتيكان أن البابا بندكت نفسه كان يميل إلى طرح موضوع إلغاء حظر زواج الكهنة الذي فرضته الكنيسة في قرون متأخرة لأسباب يعتقد كثيرون أنها تتعلق بإدارة شؤون الكنيسة (وراثة أملاك الكهنة) وليس بالتعاليم المسيحية وحدها. لماذا لم يطرح البابا بندكت هذا الموضوع علناً؟ ربما لأنه اعتبر أن ورشة “إصلاح الكنيسة” عبء يفوق قدراته الشخصية بعد أن بلغ عمراً متقدماً، وبسبب مرضه الذي بلغتنا إشاعات عنه قبل سنتين!
في أي حال، مبدأ عدم زواج الكهنة بدأ بعد ١٠٠٠ سنة من ظهور المسيحية، وكان بعض الرسل، و”مار بطرس” نفسه، متزوجين! وظل الصراع حول زواج الكهنة مستمراً حتى العام ١٩١٧!
وننصح القارئ بالإطلاع على مقابلة قيّمة مع الأب اليسوعي “سمير خليل” نشرتها “النهار” أولاً، وعثرنا عليها في موقع “أبرشية حلب للسريان الكاثوليك” للإطلاع على تاريخ هذه المسألة الشائلة، وأيضاً على استطلاعات الرأي في المجتمعات المسيحية الغربية التي تؤيّد جميعها إلغاء حظر زواج الكهنة لأسباب عديدة من بينها “ظاهرة المثليين”!
الموضوع، إذاً، ليس “فضيحة”! فما يصحّ على البشر، يصحّ على الكهنة (المسيح كان “إبن الإنسان”!). ويمكن للكنيسة أن تعيد النظر في القواعد التي فرضتها
بنفسها استناداً إلى قراءة معيّنة للإنجيل.
وقد سمعنا عن حالات كهنة كاثوليك متزوجين في كنائس أوروبية. ولدى السؤال تبيّن أن الكاهن الكاثوليكي الذي يحضر إلى الكنيسة مع أولاده كان ينتمي إلى كنيسة شرقية تسمح بزواج الكهنة قبل أن يغيّر مذهبه ويصبح كاثوليكياً. وقد “استوعبت” الكنيسة الكاثوليكية، ورحّب جمهور المصلّين الكاثوليك، بمثل هذه الحالات، خصوصاً مع النقص الحاد في عدد الكهنة في أوروبا الغربية عموماً.
*
وللعودة إلى تصريحات الأب أبو كسم،
قبل أشهر، استمعنا، في باريس، إلى “مطران” عراقي عظيم روى لنا قصة اختطافه في العراق على يد جماعة “تكفيرية” كانت تريد
“جزّ رأسه”! وقد أذهلنا الرجل بشجاعته، وتمسّكه بعقيدته، وإصراره على الحوار حتى مع مجانين “القاعدة” الذين لم يطلق عليهم أياً من النعوت التي يستحقونها! وقد تساءلنا أين يجد هذا الرجل هذه “القوة” للتمسك بعقيدته، وللتسامح مع زمرة من القتلة والسفّاحين،
وكيف لم يدخل قلبه الجزع وهو في أيدي مجرمين يصوّرون جرائمهم بالفيديو؟
وقبل ذلك،
استمعنا إلى “الخوري” أبو كسم في باريس محاضراً قبل زيارة البابا إلى لبنان، وكان حديثه “معقولاً” و”مهذّباً”، كما يليق بكاهن كاثوليكي “غربي”..! ولهذا السبب، فقد هالنا أن نقرأ تصريحه المنشور في “النشرة” (العونية) وفيه “اللاءات الثلاث” التي تذكّر بــ”قمة الخرطوم العربية” بعد هزيمة ١٩٦٧: “لم” نسمح، و”لا” نسمح، و”لن” نسمح!!!
هل الفارق هو في “المناخ” المختلف بين باريس وبيروت؟ أم أن الفارق هو “الدولة الفاشلة” في لبنان التي تفرّخ كل يوم ظاهرة “قبضاي” جديد يدافع عن “حقوق الطائفة”؟
أبو علي كسم!
ما نخشاه هو أن يكون رجال الدين المسيحيون بدأوا يعلّقون صور حسن نصرالله في غرفهم، ويقلّدونه أمام المرآة، وهو يرفع إصبعه لتهديد اللبنانيين (والسوريين): “لا تجرّبونا”!
بعد “سماحة السيّد” الذي يقود حزباً متّهماً بالإرهاب والإغتيالات، وبعد مفتي الجمهورية الذي أصدر أول “فتوى تكفيرية” في تاريخ “الجمهورية”، هل جاء دور “الإكليروس” ليهدّد وسائل الإعلام؟
بالمناسبة، لم نفهم ماذ يعني “الخوري أبو كسم” حينما يعلن: “”نعرف من وراء نشر مثل هذه المجلات في الدول الاجنبية التي يناهض البعض فيها الكنيسة”! هذا هذا تهديد لـ”الكنار أنشينيه”؟ “نوّرنا يا أبونا”!
وكلمة أخيرة للـ”بونا”: اكتسبت المسيحية “إعجاباً” واسعاً في السنوات الأخيرة، بين النُخَب في مختلف بلاد العرب، حتى في اليمن، بفضل عقلانية واعتدال تصريحات قادة الكنيسة، وبُعدِهم عن العنف اللفظي، ونَأيهم عن “التكفير” وعن “استحلال دماء المخالفين” لرأيهم! وقد سمعنا مقارنات بين الشيخ “الزنداني”، الذي يعطي نفسه حق قتل الناس لأنهم (برأيه المتواضع!) “أساؤوا للرسول”، والبطريرك صفير الذي لم يسمح لنفسه يوماً بأن يدلي بكلام من نوع “لا نسمح”.
وستظلّ الكنيسة في المشرق “محترمة” طالما تمسّكت بقيم العقلانية والإعتدال التي تبلورت بفضل الإصلاحين البروتستانتي والكاثوليكي. أما “عرض العضلات” (واختراع حصانة وهمية لـ”الكهنوت”، على طريقة حظر نشر أي كاريكاتور عن حسن نصرالله”) فسيسيء إلى “الكنيسة” وإلى “المسيحية”، مثلما يسيء الشيخ الأسير إلى “سنّة لبنان” الذين كانوا أفضل ممثّلين لـ”الإسلام الوسطي” طوال سنوات “البن لادنية” الهوجاء!
“بونا كسم”: إترك “لا تجرّبونا” للسيّد حسن! وتمسّك بقِيَم البطريرك صفير العظيم (حتى لو اختلفت معه في الرأي!)، أو بِقَيم “المطران العراقي” العظيم الذي واجه الموت بأبشع صوره (“جز الرأس”) من غير أن يتخلّى عن “قَيَمِه”!
*
في ما يلي تصريحات “الخوري عبدو أبو كسم”، وتعليقاً من “الفايس بوك” للبروفيسور أنطوان قربان، وردّ “إعلاميون ضد العنف” على تصريحات “الخوري”.
كما يجد القارئ في آخر الصفحة رابطاً لمقال لعدد مجلة “في إس دي” الفرنسية حول الفاتيكان، الذي يهدد “الأمن العام” بحظره في لبنان، وهو في الواقع “إعادة” لما ورد في صحف إيطالية محترمة!
أبو كسم لـ”النشرة”: لم نسمح.. ولن نسمح اليوم، ولا في المستقبل
أشار مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الاب عبدو أبو كسم إلى ان “بعض الجمعيات غير المعروفة والتي تحمل أسماء وشعارات “الاعلام والحريات”، أو “الحريات الاعلامية”، أو “اعلاميون بلا عنف”، دأبت على نشر بعض البيانات تدعي فيها حرصها على الحريات الاعلامية وبخاصة عندما يكون هناك مجلات ودوريات تتناول الرموز المسيحية وتشوه صورتها وتوحي بأنها رموز فاسدة على رأس المؤسسات الكنسية”.
ولفت في حديث لـ”النشرة” الى اننا “للأسف الشديد نتفاجأ بهكذا جمعيات تتلطى وراء شعار الحرية، في حين انها تشجع على الاساءة لكرامة وحرية الآخرين”، مذكرا بأن “الاعلامي هدفه الاول والاخير نقل الحقيقة وليس تشويهها، فالاعلامي المتمرس يزين قلمه بالاخلاق والأدب”، موضحا انه “من رسائل الاعلامي ايضا ان يحافظ على القيم وينميها ويساعد على نشرها في المجتمع وليس على نشر الدسائس والاخبار الكاذبة والمسيئة للآخرين”.
وأكد أبو كسم أننا “لم نسمح في السابق ولن نسمح اليوم، ولا في المستقبل بأن يتعدى أحد على مقدساتنا ورموزنا الدينية ويشوه صورة المسؤولين في الكنيسة”، مشددا على اننا “نحن الحريصون على الحريات الاعلامية التي تراعي وتحافظ على كرامات الناس، فحرية الشخص تنتهي عندما تمس حرية الآخرين”.
وطالب السلطة السياسية والقضائية بأن “تمارس سلطتها بما يضمن حقوق المواطنين وكرامتهم”، محملا اياها “المسؤولية الكاملة عن اعطاء أي إذن بالسماح لأي مجلة أو أي منشور يسيء إلى الكنيسة ورموزها”.
وذكر أبو كسم بأننا “نعرف من وراء نشر مثل هذه المجلات في الدول الاجنبية التي يناهض البعض فيها الكنيسة، مع العلم انه لا يمكن لأحد من اللبنانيين أن يتقبل نشرها في بلد سمّاه الطوباوي يوحنا بولس الثاني بلد الرسالة”.
تعليق من صفحة البروفيسور أنطوان قربان على الفايس: “الوجه الماروني للوهابية”!
دور الجماعة الدينية هو أن تُفرز وتُنتج المقدس. وإن أرادت أن تدافع عن الهوية الجماعية فعليها أن توسّع حلقة ما تنتجه. وهكذا تلغي الجماعة الفرد وحقوقه الأساسية وحرياته , تقيم حدود حولها لا يمكن إختراقها من الآخر أي كان , فتغذي العصبية القبلية وتطعن بشرعة حقوق الإنسان (المادة 19) وكرامته الكينية فتُخضعُه إلى سلطة المراقبة لشرطة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. تصريح الأب أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي للأعلام ليس إلاّ الوجه الماروني للوهّابية.
“إعلاميون ضد العنف” ترد على أبو كسم
تفاجأت جمعية “إعلاميون ضد العنف” بتصريح لمدير المركز الكاثوليكي للإعلام عبدو أبو كسم لموقع “النشرة” تهجم فيه على الجمعية التي تربأ بنفسها الرد عليه احتراما منها للموقع الذي يمثله، ولكن هذا لا يعني تجاهل التصريح دون توضيح حقائق عدة، هنا أهمها:
أولا، “إعلاميوم ضد العنف” لم تتبنّ يوما أي وجهة نظر طالت أي موقع من المواقع الزمنية أو الروحية، بل كل همها كان وما زال وسيبقى الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في كل زمان ومكان، وهذا تحديدا ما قامت به عبر استنكارها الشديد لمنع توزيع “VSD” و”Canard enchaîné” دون تبني ما ورد في مضمونهما من مواضيع طالت الكنيسة.
ثانيا، الجمعية لم تتلطّ وراء شعار الحرية كما ادعى أبو كسم، ويا للأسف، وهي جمعية معروفة وليست مموهة كما ادعى أيضا أبو كسم، وحرصها على الحريات ليس في حاجة لشهادة من أحد، فضلا أنه يكفي متابعة بياناتها لتبيان صدق أهدافها وتجهاتها.
ثالثا، التزمت “إعلاميون ضد العنف” التصدي لكل أنواع الإرهاب الفكري والمعنوي ووسائل المنع والقمع والرقابة الذاتية التي تبقي لبنان بمصاف الدول المتخلفة. وتجدد الجمعية اليوم وكل يوم مواصلة التزامها بهذه الأهداف حتى تحقيق الغاية المرجوة بجعل الرأي العام هو الفيصل بإعطاء الشرعية أو نزعها عن كل ما ينشر، خصوصا أن المنع في زمن الإعلام المفتوح يحول الممنوع إلى مرغوب ويُظهر من يعتمد هذه الأسليب بأنه يريد إبقاء شعبه تحت الوصاية الفكرية بإدعاء توجيهه في هذا الاتجاه أو ذاك.
رابعا، تتمنى “إعلاميون ضد العنف” على كل المرجعيات الروحية المسيحية والإسلامية أن تكون حريصة قبل أي شيء على حرية الكلمة والتعبير مهما كان ثمنها، لأنه بحرصها تقلل ولا بل تُسخِّف من كل ما يثار للإثارة والتضليل، فيما العكس يجعل المواجهة معها كونها قامعة للحريات في حين يجب أن تكون بين الرأي العام وكل من يحاول تضليله.