لا يقوم “الشفاف” بترجمة مقابلة الأستاذ “لؤي حسين” لأنه يتبنّاها، أو لأنها تعبّر عن رأيه، بل لأنها يمكن أن تفتح نقاشاً مفيداً. ولأنه حان الوقت لفتح نقاش جدّي حول مصير الإنتفاضة السورية (كما فعل “جورج كتن” قبل أشهر). طبعاً، نحن ضد استيلاء الزعران والإسلامويين على الإنتفاضة السورية! ونحن طبعاً مع النضال السياسي، وأيضاً القانوني والدستوري…
ولكن، هنالك نقاطاً كثيرة في المقابلة أدناه لا تقنعنا! فهل سيعطي نظام الأسد مزيداً من الحريات إذا اقتنع أن أحداً لن يطيح به؟ هل أعطى الديكتاور خامنئي مزيداً من الحريات بعد قمع الإنتفاضة الخضراء في ٢٠٠٩؟ وبصورة خاصة، فإن موقف الأستاذ لؤي حسين من إصدار تقارير عن ممارسات النظام الإجرامية هو موقف “معيب”.. أخلاقياً! وهو نسخة طبق الأصل عن موقف النظام! وحتى المقارنة مع سجون “داعش” وغيرها يستهجنها من قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في سجون الأسد..!!
وهل صحيح أن “الآخرين”، أي الدول الأجنبية، هم المسؤولون عن عسكرة الثورة؟ (يلفت النظر غياب “إيران” وتوابعها عن الصورة التي يعرضها الأستاذ لؤي حسين!).أم أن اهتراء المجتمع المدني السوري، والدور المدمّر للإسلام السياسي، يتحمل مسؤولية كبرى في “العسكرة”.. وفي وضع شخصيات وهميةعلى رأس “الإئتلاف”؟
في أي حال، الإنتفاضة السورية في أزمة خطيرة، وقد تكون قاتلة! وهذه كارثة. ونحن لا نملك حلاً! لذلك وجب استعراض الآراء، والنقاش..
*
حوار أجراه مراسل “لوموند” في بيروت “بنجامان بارت”
طوال سنوات، كان “لؤي حسين”، وعمره 57 سنة، أحد رموز ما يسمّى “معارضة الداخل”- وهو تيّار ينتقد السلطة، سوى أنه ضد “عسكرة” الإنتفاضة المناوئة للأسد، وتستخدم السلطة حياله سياسة “العصا والجزرة”، حسب الظروف. غادر “لؤي حسين” سوريا للإقامة في إسبانيا في العام 2015، بعد قضاء بضعة أشهر في السجن بسبب مقال ندّد فيه بالإسىتبداد.
التقت به “لوموند”، في 10 فبراير،في بيروت، حيث أعلن عن إطلاق حركة سياسية جديدة تحت مسمّى “الكتلة الوطنية”. وكان الحوار التالي:
ما هي فرص نجاح جولة المفاوضات الجديدة التي تبتدئ في 23 فبراير في جنيف؟
الحرب انتهت في سوريا! والجماعات المسلحة هُزِمت. وتوقفت الدول التي كانت تسلّحها وتموّلها عن دعمها. وانفتحت مرحلة جديدة. وهذا حصيلة معركة “حلب” ومؤتمر الآستانة (الذي انعقد في منتصف يناير، وتم خلاله تثبيت الهدنة التي كانت أُعلنت في ديسمبر 2016). إن هذين الحدثين كانا بمثابة إعلان فشل الحرب التي كان هدفها إسقاط النظام. يعني ذلك انتهاء النضال العسكري. وعلينا الآن أن نعود إلى النضال السياسي وهذا يمرّ عبر جنيف.
نظام الأسد لم يكن يوماً قوياً بقدر قوّته الآن. ما الذي سيدفعه للبحث عن حلول وسط؟
لو كان النظام يمسك بكل الأوراق بيديه، لكان بوسعنا أن نقول أنه ربح. ولكن الحال ليس كذلك. إن روسيا هي التي انتصرت في حلب، وموقفها من النزاع يختلف عن موقف النظام.
كيف؟
تملك روسيا وسائل متعددة للتحكم بالنظام السوري. وقد شاهدنا ذلك في “آستانة”. لقد أرغم الروس النظامَ على عقد لقاءات مع مجموعات مسلحة يعتبرها النظام مجموعات “إرهابية”. كما قدّمت روسيا ضمانات لوقف إطلاق النار، الذي يبدو ساري المفعول حتى الآن.
يوم الثلاثاء في ٧ فبراير، قامت طائرات روسية بقصف مدينة “إدلب”، مما تسبب بسقوط ٣٠ قتيلاً…؟
هنالك حالات خرق للهدنة، ولكن على العموم فإن البلاد تسير نحو الإستقرار.
كيف يمكن أن تكون المرحلة الإنتقالية التي يُفترض أن يبحثها المفاوضون في جنيف؟
سقوط حلب قلَبَ المُعطيات رأساً على عقب. في السنة الماضية، (إبان المحادثات التي جرت في جنيف، في أبريل ٢٠١٦) كان ما يزال ممكناً الإصرار على تطبيق بيان “جنيف ١” (الذي وضعته الولايات المتحدة وروسيا في ٢٠١٢، وينص على إقامة جهاز حكم يملك كافة السلطات، مما كان يعني ضمنياً إبعاد بشار الأسد). أما اليوم، فمن الواضح أن النظام سيملك الحصة الكبرى في المرحلة الإنتقالية. ولم يعد ممكناً تقليص صلاحيات الرئيس، كما كان متوقعاً في العام الماضي.
هل يمكن أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في المدى المتوسط؟
نعم، ولكن أغلب أعضائها سيتم انتقائهم من جانب روسيا، ثم الولايات المتحدة والدول الأخرى. ولن تكون هنالك قوة منظمة في وجه النظام. سيكون مفروضاً على المعارضة أن تكتفي بحقائب وزارية صغرى. ولكن، لن يكون من حقّها أن تطالب بوزارات الدفاع، أو الداخلية، أو الشؤون الخارجية.
وماذا عن بشّار الأسد؟
سيظل في الحكم على الأقل حتى الإنتخابات الرئاسية المقبلة (المقرّرة في ٢٠٢١). ولكننا لا نعرف إذا كان ممكناً له أن يترشح مجدداً عندئذٍ. فهذه مسألة لم تُحسّم بعد. وهي تتوقف على الروس. وهم سيقررون في الوقت المناسب ما إذا كانت مصلحتهم تقضي بإبقائه في السلطة أم لا!
لكن يبدو لي أن اللجنة العليا للمفاوضات التي ستواجه مبعوثي النظام في جنيف لن تقبل بسهولة الخطة التي رسمت ملامحها! وبصورة خاصة، فإن أعضاء “الإئتلاف الوطني السوري” لن يقبلوا بسيناريو يأخذ طابع الإستسلام؟
لن يطلب منهم أحد أن يستسلموا! لقد هزموا، ونقطة على السطر. ووجودهم في جنيف هو من قبيل “الديكور”. والهدف منه هو إرضاء الدول “العرّابة” لهم. إن النضال السياسي هو الطريق الوحيد المتبقّي لنا. ولسوء الحظ، فإن المعارضة هي محارة فارغة على المستوى السياسي. فهي ليست موجودة إلا على شاشات التلفزيون. وهي لا تحسن القتال. ولهذا السبب، فقد شكلنا في بيروت “الكتلة الوطنية” التي تضم أحزاباً عدة، ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات. ونحن نريد سدّ الفراغ الراهن، وبناء أداة جديدة، وإثبات أن المعركة لم تنتهِ.
ماذا ستفعلون؟
ينبغي الدفع باتجاه إعطاء مزيد من الحريات. فلا أحد قادر على الإطاحة بالنظام. وإذا ما نجحنا على الأقل في إفساح المجال لإجراء انتخابات شفافة وتعددية، فسيكون ذلك بمثابة نجاح.
لديك اتصالات مع الروس، هل قدموا لك ضمانات بهذا المعنى؟
كلا. ولكن مصلحتهم تقتضي التوصل إلى اتفاق مقبول في سوريا. على نحوٍ يسمح لهم باستخدام نجاحهم الديبلوماسي في ميادين أخرى، وخصوصاً في أوروبا حيث لديهم نزاعات قديمة ينبغي تسويتها.
بكلام آخر، عدنا إلى نقطة الإنطلاق في ٢٠١١؟
نعم، وبعد سقوط مئات الألوف من القتلى. لقد توقّعت في العام ٢٠١٢ أن هذا هو ما سيحصل إذا ما استمرت “عسكرة الإنتفاضة”. لقد خاضت الدول الأجنبية الحرب على ظهرنا، بتسليح النظام أو بتسليح الجماعات المسلحة. والآن، حيث أن استمرار الحرب لم يعد في مصلحتها، فإننا تسألنا بلهجة استعلائية: “ما هو الحل؟” إن الحرب لم تُفد بشيء، سوى بمنع السوريين من خوض المعركة السياسية.
لقد دخلت أنت السجن. وأنت تعرف أن السجون مليئة بمعارضين لم يحملوا سلاحاً، ومع ذلك فقد تعرضوا للتعذيب، والتجويع، والإعدام. وقد ذكّر تقرير “العفو الدولية” الأخير عن سجن “صيدنايا” بهذه الوقائع. وبناءً عليه، أليس من السذاجة أن تدعو للعودة إلى النضال السياسي؟
أنا مطّلع على هذه الممارسات. ولم أنتظر تقرير “العفو الدولية” لأعرف ما يجري. وباستطاعتي أن أؤكد أنه حصلت إعدامات في “صيدنايا”، مع أنني أعتقد، بالمقابل، أن التقرير بعيد عن الدقة! كيف يمكن أن نضع حداً لتلك الأعمال؟ هل يحول نشر مثل تلك التقارير دون قتل المواطنين في “صيدنايا”؟ أو في سجون “جبهة النصرة” أو في سجون “أحرار الشام”، أو سجون “حيش الإسلام” أو غيرها؟ بغية وضع حد لتلك الممارسات، التي تتزايد في زمن الحرب، فإننا نعمل على المستوى السياسي!
إذا تشكلت حكومة وحدة وطنية في مستقبل ما، فهل ستكون مرشحاً لمنصب وزاري؟
لا أرغب في أن أصبح وزيراً. ولم أتصل بالنظام منذ مغادرتي سوريا. سأعود إلى دمشق حينما يتم الوصول إلى حل وسط، وحينما تتشكل سلطة مختلطة. وهذا اليوم يقترب. إن الروس والأميركيين بحاجة إلى وضع حد نهائي لهذه الحرب. فالتهديد الذي تمثّله “داعش” قوي جداً.
بنجامان بارت، مراسل “لوموند” في بيروت.