نتساءل عن التطرف في بلادنا. احيانا نفسره من خلال فهمنا لواقع الظلم، والاحتلال الاجنبي وغياب العدالة والبطالة والديكتاتورية المنتشرة في الكثير من بلادنا العربية. ان التطرف في المجتمعات العربية مثل السعودية ومصر او حتى العراق(حالة متفاقمة) ومعظم الدول العربية فنجده يكتسب ابعادا دينية وثقافية تبرر استباحة الاخرين وتفجير الاماكن العامة والمدارس وتبرر القتل المفتوح والاغتيال. ان مدرسة التطرف تلك تأتي من جذور سياسية ودينية وثقافية. فمسببات العنف الراهن في المجتمعات العربية نجدها في الاقتصاد وفي الحياة العامة والسياسة. وقد اكتسى العنف طابعا دينيا لان الدين اصبح في البلاد العربية المعبر الوحيد للتعبير السياسي والانساني بل حتى والنفسي والسلوكي وطريقة في الخلاص من حالة الكبت العامة.
والاخطر اقليميا ان مدارس التطرف مهما تنوعت في ظروفها واوضاعها تتفاعل مع بعضها البعض في الممارسة والافكار. فما يقع في افغانستان يترك الاثر في الكويت وما يقع في العراق يترك الاثر في الاردن او سوريا او البحرين. هذا التفاعل حول التطرف يترك اثرا على شعوب العالم العربي كل يوم. لهذا نتسائل كيف نتعامل مع التطرف؟
أن مواجهة التطرف لا يمكن ان تتحقق بلا عدة شروط من اهمها فتح باب النقاش حول التطرف، وزيادة مساحة الحرية الثقافية والسياسية والانسانية في المجتمع. ورغم محاولات عدة للتعامل مع التطرف من خلال الدعوة للوسطية وانطلاقا من ان الاسلام دين وسط وان التطرف غريب عليه الا ان الوسطية لم تنجح. فالاطروحات الوسطية مالت للتطرف في الكثير من الابعاد الخاصة بالاخر اكان طائفة اخرى او دينا او مسلمين مختلفين الا في مسألة العنف.
وفي بلادنا العربية الكثير من الضغط على المجتمع وخاصة على الاجيال الجديدة. هذا الضغط يقع في مجال العمل والبطاله وفي مجال التعليم وضعفه وفي مجال الحياة العامة والحريات الشخصية والسياسية والابداعية. وتقل في بلادنا وسائل الترفيه الموجهة للجيل الشاب اكانت وسائل الرياضة او وسائل التسلية والهوايات، كما وتضخم حالة الفصل المصطنع بين المرأة والرجل مما يضيف على التطرف ويساهم في بناء اجيال تشعر بالكثير من الكبت والاختلاف عن الاجيال السابقة واللاحقة.
ان التطرف نظام يقوم اساسا على قمع الاخرين والاجواء البوليسية وفتح الباب الديني بصورة اساسية امامهم بصفته الباب الوحيد للتوبة والخلاص بل حتى للحياة. وبما ان الدين لا يمكن ان يكون بديلا عن الحياة بل مرادفا ومكملا لها، ينشأ التطرف في كنف جرعة المحرمات الموسعة وجرعات المنع والكبت الموسعة، هكذا تصبح الحياة غير مرغوبة والاخرة هي الحقيقة الوحيدة الممكنة. هذا العزوف عن الحياة هو الاخر يساهم بأنتشار التطرف لانه يهدي قادة المتطرفين بيئة نموذجية للاستقطاب والتجنيد.
لنأخذ مظاهر رمضان في بعض الدول العربية. فأثناء يوم الصيام يغلق كل مطعم ومقهى، ويمنع اي شخص من الديانات الاخرى من الذهاب لمقهى او لمطعم او شرب ماء او قهوة في مكان عام حتى لو كان مخفيا نسبيا عن اعين المارة. بل يمنع عن المسلم الذي لديه عذر شرعي او طبي او فئات من السكان المسلمين ممن لا يصومون لاسباب تتعلق باختياراتهم او عدم تحملهم الصيام ان يمارسوا حياة عادية او ان يلتقوا في مطعم او مقهى كما هو الامر قبل وبعد رمضان . كل شيئ يتعلق بالطعام والشراب يغلق والقانون يعاقب بالسجن او الغرامة كل من يخالف هذا. في رمضان تتوقف الحياة بالكامل لمدة شهر للصائم ولغير الصائم للمسلم ولغير المسلم ويتوقف الانتاج والعمل والنشاط. هذا الوضع يمثل احد مظاهر التطرف في جانب رئيسي. فهو يفرض على الجميع موقف محدد في مسألة تتعلق بجوهر الحرية الشخصية وفهمنا لها.
وتقع المشكلة في هذا في عدم خلق مساحة للاطراف الغير صائمة في اطار احترام الاجواء الرمضانية. فبالامكان اصدار قانون يفرض على المحلات وضع ستائر على شبابيكها بما يمنع الرؤية الى داخلها، وبالامكان منع مظاهر الاكل على ناصية الشارع وهكذا بما يحمي الاجواء الرمضانية. لكن المغالاة في قضية المنع وصولا للقمع والسجن واستقواء الدولة ضد الفئات الاخرى فيها الكثير من الاساءة للاطراف الاخرى بتنوعاتها الدينية والفؤوية والاسلامية. ان التوازن بين الحياة والدين اساسي لاستمرار الحياة، وما السعي لخلق خلل كبير في هذه التوازن في عدد من المجتمعات العربية الا مساهمة غير مقصودة منها في نشر ظاهرة التطرف.
لنأخذ مثلا اخر من خلال ما يقال في المساجد ومنها الدعوات الدائمة في خطب الجمعة على الكفار وعلى ديانات اخرى. الا يمثل هذا تطرفا في موقع عام وديني؟ ماذا عن التحريض الطائفي القائم في مجتمعاتنا الان والذي يركز على الفوارق بين الديانات والفوارق بين الطوائف؟ ماذا يخدم هذا، وكيف يتحول الدين الى دعوة للتفرقة والاساءة؟ اليس هذا شكل من اشكال التطرف؟. وماذا عن منع الاحتفالات برأس السنة والاعياد الوطنية ومنع الغناء والرقص و التعبير و النحت والاختلاط والكتب ومنع الديانات الاخرى من التعبير عن نفسها في العديد من المجتمعات الاسلامية العربية؟ اليس هذ شكل من اشكال التطرف لانه يكسر فئة من المجتمع ويقوي فئة اخرى ويرسل رسالة فيها مضامين متطرفة؟
ان البديل للتطرف في المجتمعات الاسلامية هو في بناء مساحة حرة للجميع. ان المساحة العامة في البلاد يجب ان تكون لكل انسان ولكل فرد ولكل زائر للبلاد الاسلامية مهما كان لونه ودينه وايمانه في اطار قانون ينظم هذه المساحة . ان المساحة العامة يجب ان تكون مساحة محايدة لقطاعات المجتمع كافة بحيث يجد كل فرد وانسان عندما يخرج من منزله حريته التي تتساوى وحريات الاخرين. ان بناء المساحة العامة المحايدة تمثل وسيلة لمواجهة التطرف وطريقة لبناء مجتمع حضاري.
shafgha@hotmail.com
• استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
كيف تساهم دولنا وقوانيننا بنشر التطرف؟
All in all, above is a well written article. Please allow me to introduce a pivotal factor to account for the religious violence in the middle east. It is well within the narcissistic attitude impelled by the radical interpretations of the said fabric of religion.
Best regards