من يمارس العمل الصحافي، سواء في الشأن المحلي أو الدولي، يبحث عن المعلومة الخاصة المُحكمة، إلى جانب عدم إهمال الخبر الرسمي “الروتيني”. لكن، من يتابع وكالة الأنباء الكويتية “كونا” في عمله المهني سيكتشف وبكل وضوح أنها أضحت “أسيرة” للخبر الرسمي، ليس ذلك فحسب بل إن طرحها للخبر الرسمي جعلها من أضعف الوكالات مهنيّا على صعيد الصياغة وطرح الرؤية التحليلية أو التحقيقية.
وفي إشارة إلى الجانب المحلي من الخبر، تعتمد الوكالة على الصورة النمطية التقليدية القديمة في متابعة الشؤون الرسمية، مستندة في ذلك إلى السير في طريق الخطاب العربي الرسمي المثير للشفقة، فهي توضح رغبتها الملحة في الابتعاد عن نشر الأخبار الناقدة أو المثيرة لسخط المسؤولين المحليين، بل تؤكد خشيتها الاقتراب من الشأن المحلي غير الرسمي بسبب النتائج المترتبة على ذلك، وفي مقدمتها الخوف من “زعل” المسؤول الفلاني و”عتب” المسؤول العلاني، وكأنها وكالة لا تمتلكها دولة تسعى لانتهاج الديمقراطية ولو “النسبية”. وهنا يتبدى عجز “كونا” المهني في مجاراة تنوّع الأخبار وفي ضعف مصداقيتها، والذي لا يجاري تطور الحياة على جميع الصعد، ولا يلتفت لتغير المجتمع في مختلف صوره، مما يحتم تغير الخطاب الإعلامي للوكالة وتطوره سياسيا ومهنيا وتكنولوجيا. فـ”كونا”، في خطابها وفي صياغتها للأخبار وفي رؤيتها للأحداث وفي تحليلاتها وتقاريرها، المحلية والدولية، وكأنها تنتمي إلى المجتمع شبه البوليسي، الذي يبدو حذرا جدا في خطواته، وكأنه مراقب من الشرطة السرية، وموعود إذا ما أخطأ بعقوبات تنفّذ في السراديب المظلمة. وكأنها تنتمي إلى التاريخ القديم، غير آبهة بتغيّر صور الحياة، وغير مبالية بأن الـ”تويتر” – على سبيل المثال – قد فضح عجزها.
إن الخبر الصادر عن وكالة الأنباء الكويتية بات يقدّم بصورة غير واقعية، مما جعله ضعيفا وركيكا، بعيدا عن اللغة التي نقرؤها في وكالات الأنباء الأخرى، العربية والعالمية. كما أن الخبر الذي تشترك في نشره مع وكالات أنباء أخرى عادة ما يتأخر صدوره، وهو ما يجعل الوكالة في موقع شبهة، فتبدو وكأنها لم تأت هي بالخبر بل سرقته ولعبت في صياغته ونشرته مجددا. فمتابعة متواضعة لما يصدر من نشرتها، سنكتشف بأن معظم أو جميع الأخبار العالمية المهمة المستعجلة يتأخر نشرها. كما أن التقارير والتحليلات الإخبارية التي عادة ما تميز وكالات الأنباء الأخرى، هي غائبة عنها. فالوكالات الأخرى عادة ما تعتز بأنها استطاعت أن تنشر تحليلا سياسيا محكما عن قضية معينة، لكن عند “كونا” فإما يغيب هذا النوع من التحليل أو يصدر بصورة ركيكة جدا أو أنه يعبّر عن وجهة نظر رسمية لا تفيد القارئ. فالتقارير والتحليلات في الوكالة لا تعدو كونها جملة من الفقرات المتتابعة المسترسلة التي تحتوي كثيرا على “قال” و”أضاف” و”أشار” و”من جهته” فيما يختفي أصل التقرير أو محتوى التحليل، المحكم والمتماسك، والذي يجب أن ينبني على تقديم رؤية للراهن أو نظرة للمستقبل، لكنه في “كونا” يصبح مجرد ورقة مليئة بالكلمات. لذلك، لا يمكن رؤية “التميز” في إصدار الخبر، أو الإشارة إلى الأخبار “المستعجلة”، أو قراءة “تحليل محكم” في وكالة الأنباء الكويتية. بل حتى في الأزمات السياسية “المحلية”، التي يجب أن تكون من صميم عمل الوكالة، نجد أن اعتماد الصحافي والقارئ في معرفة تطورات أي أزمة لا يتجه صوب “كونا” كلية بل يتجه صوب وكالات الأنباء العالمية.
إن انتخابات مجلس الأمة هي محك واضح وجلي لضعف الوكالة في تغطيتها للأخبار وفي تخلّفها بمسؤولية العمل المهني. فلا يبدو من نشاطها الخبري أنها تعمل بصورة احترافية، لأنها إما تقدم أخبارا “روتينية” لا تنفع القارئ، كما لا تنفع الصحف التي هي من ناحيتها تقدم الكثير من “الروتينيات”، وإما لا تمارس دورها الصحافي الرقابي في انتقاء الأخبار الخاصة والمثيرة مثلما تفعل جميع وكالات الأنباء العالمية. وعلى الرغم من أن “كونا” قد شكلت فرق عمل لمتابعة الانتخابات، ورصدت مبالغ مالية من أجل ذلك، إلا أننا وفق متابعتنا لها ولأخبارها المنشورة في الصحف نجد بأن تلك الفرق هي مجرد مسعى لإهدار المال العام ولتضييع الوقت من خلال نشر أخبار انتخابية ضعيفة غير مهمة، بالتالي لا يعدو نشاطها أن يكون وسيلة تنفيع مالي طالما أنها لم تقدم شيئا مميزا يعزز من مصداقيتها أمام القارئ بل وأمام الصحف المحلية.
قد تتذرع “كونا” في عجزها عن مجاراة حرفية المنافسين من الوكالات الأخرى بأنها مؤسسة حكومية، وكأنها تتساوى في ضعفها مع وكالات الأنباء الحكومية الأخرى، ومنها العربية. فمقارنة بسيطة بين عملها وبين عمل وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية المصرية نستطيع اكتشاف البون الشاسع في المهنية بينهما، على الرغم من أنه لا يمكن مقارنة مهنية الوكالة المصرية بوكالتين كبريين كوكالة الأنباء الفرنسية ووكالة رويترز البريطانية. في تقديري فإن أي تذرع لـ”كونا” بأنها مؤسسة حكومية، هو الذي تسبب في جعل أدائها ضعيفا، وذلك بسبب الخطوط الحمراء الكثيرة المسطورة، أو التي يسطرها المسؤولون فيها أمام الصحافيين والعاملين مما تساهم في تحييدهم وإحباطهم. وسواء أكانت تلك الخطوط الحمراء من خارج الوكالة أو من داخلها فإنها تساهم في إضعاف العمل المهني وفي إهدار الأموال العامة وفي ضعف أداء العاملين الإداريين أيضا، بل قد تصبح الوكالة مكانا مريحا للموظفين الهاربين من مسؤوليات العمل ممن يتم تعيينهم عن طريق الواسطات.
وحينما نتحدث مع بعض العاملين في “كونا” من محررين وموظفين ونستفسر عن المستوى الإداري والمهني للمسؤولين فيها، وحينما نراقب الأداء الصحافي والمقالي لبعض المسؤولين الخارجين عنها الذي نجد أسماءهم في بعض الصحف، سنكتشف بأنه يستحيل أن تتطور الوكالة في ظل هذا الضعف المهني والإداري لمسؤوليها. بعبارة أخرى، فإن أحد أسباب ضعف الأداء المهني لوكالة الأنباء الكويتية قد يرتبط بضعف البنية الإدارية المسؤولة عن عملها. فعلى سبيل المثال، هناك قسم في الوكالة بمسمى “قسم الأبحاث والدراسات”، غير أنني لم أجد حتى الآن بحثا أو دراسة مهنية يمكن أن تشكل مرجعا مهما للباحثين والمتخصصين.
إن ما أقترحه هنا هو: تشكيل لجنة لتقييم ما تنتجه نشرة “كونا” من أخبار وتقارير وتحليلات، حتى تتم الاستفادة المهنية من هذه الوكالة الوطنية بشكل سليم، ويعالج الخلل الإداري والمالي والمهني فيها، ولا يؤخذ الغث من السمين ويضيع حق المجتهد والجاد وصاحب الملكة فيما يتقدم ويصعد ويبرز صاحب الأداء الضعيف التافه.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com