بداية، أعتقد أن عائلة يوسف أبو مرعي وزوجته كوثر وحفيدتيهما في كترمايا، في إقليم الخروب، قتلت مرتين، الأولى حين نفذت الجريمة البشعة والتي لا يمكن احتمال وحشيتها بحق الطفلتين وجديهما. والثانية حين نفذت جريمة قتل الموقوف في القضية، في جريمة سموها ثأرية، ولكن يبقى اسمها جريمة، حيث يجب أن يتأكد بعدها أي إنسان أنه لن يقع يوماً ما بالصدفة أو بالقصد في يد جهاز أمني ما ليترك بعدها لوحوش تنفس حقدها وإجرامها بحقه، حتى ولو كان ذلك باسم الحزن وغيره.
معالي الوزير، سألني أحدهم إن كنت أثق بالتحقيقات التي تقوم بها القوى الأمنية في لبنان، ضحكت للفكرة، فمعروف أن القوى الأمنية في العالم الثالث تستعمل مع أي متهم الضرب والتعذيب حتى يعترف، مما يجعل أي موقوف عرضة للانتهاك خلال التحقيق، مما يستدعي رفضي للتحقيق في مراكز القوى الأمنية، لأن الكثير من التحقيقات في المراكز الأمنية تنقض لدى قاضي التحقيق الأولي.
إذاً، لو كان لكل واحد القدرة أن لا يدخل مركزاً أمنياً للتحقيق معه لرفض اللبنانيون ومعهم سكان العالم الثالث كلهم المرور في هذه التجربة بسبب ما يعرفونه عن وحشية تعاطي القوى الأمنية مع الموقوفين، باستثناء من لديهم واسطة كبيرة. مناسبة الحديث عن التعذيب والتوقيف هي ما حصل مع المواطن المصري محمد سليم مسلم، الموقوف بقضية مقتل الضحايا الأربعة في بلدة كترمايا.
فالموقوف، ولا يمكن القول عنه “متهم”، كان أوقف قبل ساعات من نقله إلى بلدة كترمايا لتمثيل الجريمة، في وقت لم يكن هناك لا حماية كافية للعملية ولا انتباه إلى أن الضحايا الأربعة لم يتم دفنهم، والجو لا يحتمل هذا النوع من الاستعراضات، والغريب أن تمثيل الجرائم في العادة يتأخر عدة أيام، فيما هذه الجريمة كانت الأسرع تمثيلاً في العالم. غريب أن تحقيق مركز أمني يسمح باتهام الرجل، فيما لم يقم بالتحقيق معه قاضي تحقيق يؤكد توجيه الاتهام إليه، بدلاً من نقله إلى مكان الجريمة لتمثيلها في حال كان هو القاتل.
إذاً، هي شريعة غاب، جاء “الأمنيون” بالموقوف على ذمة التحقيق، وضعوه بين أيادٍ لها أنياب، وتركوه ليموت بين أبشع أنواع الإجرام، وحيداً بين قذارة الدم الجاف وعلاقات غير بشرية لا يمكن فهمها. نقل الرجل إلى المستشفى بعد حفلة الإعدام الأولى، فتبين أنه حي ولم يمت فيها، فاتصل أحد ما بأهالي البلدة وأبلغهم أن “الموقوف” لم يقتل في حفلتهم. دخل “غضب الأهالي” كما سماه الوزير بارود إلى المستشفى وسحبوا الرجل المتروك من دون حراسة، وهو الموقوف بحماية الدولة اللبنانية. قتل وشنّع بجثته، وعلّق مشنوقاً على عمود كهربائي في بلد النور والإشعاع والكهرباء المقطوعة، والأمن المضبوط.
جريمة قتل العائلة في كترمايا من أبشع جرائم الكون، ويجب معاقبة مرتكبها أو مرتكبيها، فلا أحد يوافق على القتل، والقضاء له مهمة العدل، يقبض راتبه الشهري من أجل هذه المهمة على حساب دافعي الضرائب اللبنانيين، ومهمته هي البحث عن المجرمين والتحقيق مع الموقوفين، ومن ثم محاكمتهم لإظهار الحقيقة والدوافع وراء أي جرم.
ولكن أن يترك الرجل للقتل من دون تحقيق قضائي ومن دون محاكمة، فهذا لا يمكن احتماله ومن الضروري رفضه عبر معاقبة المسؤول عنه، وكذلك معاقبة مرافقيه الذين تركوه يقتل، ومحاكمة الذين قاموا بالجريمة.. مطلوب أن يتدخل القضاء ليحمي أولادنا من هذا النوع من الجرائم التي تتراكم والعدالة التي تغيب.
قرأت يا معالي الوزير خبر اجتماعك مع المسؤولين في قوى الأمن الداخلي على موقع “النشرة” الإلكتروني، ولفتني تفهمك “لغضب الأهالي ووجعهم”، ولكن كل غضب الدنيا لم يعد يمنح الرجل حقه بالدفاع عن نفسه، أو حتى إظهار إن كان هناك من مجال لمعرفة إذا كان من محرض أو من مشارك في القتل.
جريمة أمام العيون يا معالي الوزير، خصوصاً أن المشتبه به كان أوقف لدى القوى الأمنية في أقل من 24 ساعة من حصولها، وأن التحقيقات كانت جارية معه بإشراف القضاء، ومن الخطير جداً أن استسهال إحقاق العدالة بهذه الصورة، كما قلت في بيان صدر عنك. هذه الجريمة غطت على جريمة أكبر حصلت قبلها بأربع وعشرين ساعة.
معالي الوزير، جريمة همجية موصوفة حصلت في اليوم الأول. وكذلك جريمة همجية موصوفة حصلت في اليوم الثاني. ولكن البشاعة أن بعض الإعلام سمح بعرض صور مقتلة اليوم الثاني ونقلها، وبعضه وافق على اتهام المشتبه وزاد عليه جريمة ثانية ليوافق الرأي العام على إقصاء القضاء. صور رآها الأطفال وتناقلوها، وشهدوا فيها إجرامنا ووحشيتنا.
هل نحن شعب بشع إلى هذه الدرجة، وهل يصبح القتل مادة سهلة من جديد من دون حسيب أو رقيب؟
oharkous@gmail.com
* بيروت
رسالة إلى زياد بارود وزير الداخلية والبلديات تلاعب مع الذات، تلاعب بالذات جمال — petra1973@hotmail.fr لفرط ما تلاعب الرسميون، ومن رأس الهرم ونزولاً، في إمارة الخوف المسماة، بعد، لبنان، ويستمرون في التلاعب مع الذات، وبالذات، فحتماً أنهم ما عادوا يعرفون ذاتهم ولا يتعرفون عليها. محاكاة أصبحت طبيعة. فهم، عن خوف زُرِع عمداً ومنهجياً، فنبت ونما في نفوسهم، أو عن حسابات يختلط فيها التذاكي المتداهي مع السذاجة الجاهلة قدر سذاجتها، أو عن اقتران الخوف بالتذاكي… فهم، إذاً، يتظاهرون بالحزبَلَة وبالسَورَنة (نسبة إلى “نظام” لا إلى شعب) درءاً لهاجس الخوف الممسك بخوانيقهم، ولفرط ما يعملون، فقد أصبحوا من حيث لا يدرون، متحزبلين،… قراءة المزيد ..
رسالة إلى زياد بارود وزير الداخلية والبلديات
سوري قرفان
هذه حضارتنا وثقافتنا منذ انتهاء عصر الجاهليه.