أصدرت المطابع في منتصف عام 2012 تقريبا كتابا فريدا من نوعه بعنوان “صدى الذاكرة” للوزير السابق ورجل الأعمال الكويتي الناجح ورئيس مجلس إدارة صحيفة القبس الوجيه “عبدالعزيز محمد حمود الشايع”.
هذا الكتاب لقي إشادة كبيرة وتلقفته الأوساط الثقافية والتجارية بالترحيب كونه يسلط الضوء على حقبة غنية من تاريخ الكويت، ويتحدث عن إسهامات رعيلها الأول من التجـّارفي المجالات التجارية والثقافية والتربوية والاجتماعية وبناء الدولة الوطنية الحديثة ذات التوجهات التنويرية، ناهيك عن أنه يوثق لما كان بين الهند وأهل الخليج عموما من روابط وإتصالات وعلاقات، بل أن أهميته تعود أيضا إلى ما اعترف به مؤلفه من أن “التكامل بين جهاز الدولة والقطاع الخاص تباطأ عندما أصبح إيراد النفط مسيطرًا على الحياة الاقتصادية، وأصبح المواطن تابعًا وليس مستقلاً، فقد تراجعت المبادرات الخاصة وبات الفرد الكويتي موظفًا ومعتمدًا في دخله على الدولة، وبالرغم من ذلك استطاعت أسر تجارية كثيرة أن تقوم بأعمال اقتصادية خارج حدود الكويت، امتدت إلى أنحاء المعمورة”.
يقول الكاتب المعروف أحمد الصراف في جريدة القبس ( 4/9/2012 ): إن “أصداء الذاكرة كتاب يستحق القراءة وفيه عبر ودروس لمن يود أن يستفيد، ولكننا شعب لا يقرأ، ولو كنا نقرأ لما واجهت الكويت أي مشكلة إقتصادية أو سياسية في تاريخها بخلاف الغزو والإحتلال”. وفي مكان آخر يقول: “كتاب الشايع كان يمكن أن يكون من ألف صفحة لو ترك الرجل لذاكرته العنان ولكنه فضل عدم نكء جراح أحد أو إقلاق راحة الغير من دون سبب، وبالذات أولئك الذين غادروا هذه الدنيا، فمشاركته السياسية والاقتصادية الفعالة في تأسيس الكويت الحديثة ، كويت ما بعد ظهور النفط مباشرة، وخلفيته الثقافية والتعليمية الغنية نسبيا والتي كونها خلال أسفاره وتعاملاته في الهند، بكل ما تضمنته تلك التجربة من زخم إنساني وبُعد في الرؤية، جعلت منه رجل أعمال نموذجيا”.
أما الدكتورة فريدة الحبيب فقد كتبت عنه قائلة: “كتاب تمتص منه رحيق الوطنية وجمال التواضع، وتلمح فيه صورا ماثلة للطموح والعطاء في كل منعطف. كتاب يبدو صغيرا في حجمه وصفحاته، ولكن النزر اليسير يدل على سبعين عاما عظاما بعيدا عن التلوين، فقد أحيا عبد العزيز محمد الشايع ذاكرته ونقلها من جوها المحدود بعائلة الشايع إلى الجو الكويتي الأصيل في “شرق” و”الجبلة” و”المرقاب”، معززا عمل الفريق في كل حروفه وكل مشاريعه غير ناكر أدوار أفراد الأسرة الحاكمة في دعم بعض مشاريعه بالتراخيص اللازمة، وغير ناقد لدورهم في دحض بعضها الآخر، فقد سرد التاريخ، وخرج من دور الجمود والتقليد في التجارة إلى دور الابتكار، سواء وجد العراقيل أو المؤازرة”. ثم تغوص الحبيب في الكتاب وتتماهى مع مضامينه بحميمية فتكتب: ” لقد استشعرت سموّ الرسالة التي يحملها عبد العزيز الشايع بسرده لذاكرته بعيدا عن الغلوّ والزهو، لينير الدياجير للسائرين على درب الطموح، فقد تمسك بالاخلاق والأمانة في سرده. إنه توثيق لحياة كريمة وأصالة عذبة أدمعت عيوني عند إنتهائها، لا لأنها رواية حزينة، بل لانني على كويتنا اليوم حزينة! فكم كويتيا آنذاك عرف قصة مرض عبد اللطيف الشايع وحاجته إلى مكيف في القيظ؟ حيث أمر الشيخ جابر العلي (وزير الكهرباء آنذاك) بتمديد أسلاك اضافية مقوية للكهرباء، ليصل إليه المكيف الذي حصلوا عليه من “محمد صالح بهبهاني”، والذي أشرف على تركيبه، ضاربين أروع الامثلة في التعامل الانساني الراقي بين الشيوخ والتجار سنة وشيعة بينما لا نسمع اليوم من صوت الانسان إلا عواءه، ولا من غناء الاطيار إلا جفاءها. فيا شباب اليوم، كما حمل عبد العزيز الشايع كيسا من القماش يضع فيه الروبيات المعدنية التي يحصّلها من «تجار التجزئة» ممن باعوا لهم البضائع المستوردة من الهند بالأجل، فليحمل هذا الجيل في جيده مسؤولية حماية الكويت من التجزئة القبلية والطائفية، والتي من خلالها تغادر النجوم في الاعالي لتختلط برماد الارض. نعم.. إنها النيازك! ربي احمنا من نارها قبل نارك!”
وكتب عنه ايضا الاستاذ يوسف شهاب في القبس (15/8/2012) قائلا: “من يتصفح اصداء الذاكرة، وينتقل بالأحداث التي احتوته صفحاته يشعر وكأنه أمام مائدة عامرة بالطعام لا يدري بأي صنف منها يبدأ، فالعم أبو حمد، وبالاسلوب السهل اراد ان يعطي اجيال الكويت ما بعد النفط كم هي الحياة قاسية امام رجال الأمس وكم هي مواجهة التحدي مع ظروف الزمن العصيب كانت صعبة وشاقة، لكنها ارادة الرجال حين تأتي لتصنع تاريخاً قائماً بذاته عنوانه السعي وراء لقمة العيش هنا وهناك”. ثم يواصل فيقول: “ولعل الأبرز في – اصداء الذاكرة – ان العم أبو حمد اعطانا صورة ناصعة لطبيعة الكويتيين الاوائل في بلاد الهند، وهي صورة نطقت بالبعد الاجتماعي الوثيق الذي كان يربط الكويتيين بالهند من تعاون وفزعة عند الحاجة وثقة بالبيع والشراء، أضف الى ذلك صورة الحياة اليومية العامة التي عاشها في الهند عن قرب والعلاقة التجارية التاريخية مع الكويت عبر البحر، حيث حركة السفن التجارية بين البلدين، ولئن كان كل هذا وأكثر حوته صفحات – اصداء الذاكرة – فإن الجانب الآخر كان حاضراً أيضاً وهو دور التاجر الكويتي في بناء الكويت اقتصادياً وتعليمياً وتجارياً ودوره الكبير في ارساء دعائم البلاد سواء من الجانب السياسي أو الاقتصادي مروراً بالمشروعات التجارية والاقتصادية المختلفة التي كان العم – أبو حمد – أحد اركانها او شاهداً عليها. لقد وضع، العم عبدالعزيز الشايع، كل تجربته التجارية في ـ اصداء الذاكرة ـ واعطانا نموذجاً راقياً ورائعاً لمفهوم الحياة عند الإنسان الكويتي بالأمس، وكأنه يدق الجرس في حياتنا الحاضرة منبها الى اخذ التجربة والنموذج المشرق للإنسان الكويتي الذي عاش شظف الحياة وتحدى كل صعابها من أجل بناء الذات والانتصار على التحدي الكبير الذي اوجدته ظروف الحياة العصيبة في كويت ما قبل الامس”. ويختتم يوسف شهاب مقاله بـ “نغزة” فيقول: “تاريخ الكويت، يكون مبهراً حين يأتي من رجالاته وابنائه، لكنه لا يكون كذلك حين يكتبه من ليس له علاقة مع هذا التاريخ”. ونحن نوافقه على هذه “النغزة” مائة بالمائة ونقول أن كلامه لا يقتصر على تاريخ الكويت وإنما تاريخ الخليج كله.
غير أنّ الأبلغ مما سبق هو ما كتبه محمد الشارخ في صحيفة القبس (11/7/2012) حينما قال: “جميل أنْ تكون محسوداً لا حاسداً، وفي كل العالم الأرستقراطية هي التي أنشأت الجامعات والمعاهد ورعت الفنانين والعباقرة وجمعت الآثار والمقتنيات التاريخية والفنية. جميل أنْ نعود لشرف التاجر. أنْ نعيده. هذا ما يقوله لنا عبد العزيز الشايع في “أصداء الذاكرة” الذي صدر مؤخراً عن دار ذات السلاسل. أنْ نعيد ترتيب الأمور في سياقها المحلي والعالمي. التاجر الذي يبادر ويبني. التاجر الذي يرعى التعليم. ويرعى الأخلاق. لنعيد ترتيب الأمور. رغم الفوضى وتلوث البيئة طقساً وسلوكاً وأخلاقاً لنعيد الترتيب. لنعيد الدور الأهم للأرستقراطية الكويتية. إحساسنا المرهق بتنوع المواطنة لأسباب يقبلها العقل ولأسباب لا يقبلها العقل. الذي يوحدنا هو إعادة ترتيب الأمور، ذهنياً أولاً.
ثم يكتب الشارخ مضيفا: “من السهل قراءة أصداء الذاكرة كتاريخ عائلة.. سرد أحداث.. سيرة تاجر ذي حس وطني بلا تعالٍ أو ادعاء. الأهم الأصداء التي يتركها الكتاب في ضميرنا الجمعي وفكرنا.. في إحساسنا المهيض بالواقع. نريد المستقبل كما تذكارات الماضي.. نريد إعادة ترتيب الأمور. أن يعود البناءون للبناء. ذاك ليس خياراً. إنه واجب. وبغير ذلك سيتسلم أمورنا كسالى ضجرين مكدسين في المكاتب الحكومية يقبضون المرتبات ولا ينتجون. خمول العيش الآمن. أصواتهم مرتفعة وعيونهم جائعة. والتجار خبثاء إلههم المال يرشون ويتباهون. ترى لماذا يكتب التاجر؟ إنه الإحساس المرهف. نخوة داخلية. وعقل منضبط كرقاص الساعة”.
أما مجلة العربي الكويتية المعروفة فقد قدمت عرضا للكتاب بقلم الصحافي اللبناني المقيم في الكويت “حمزة العليان” الذي بدأ عرضه بالقول “بعكس الاعتقاد السائد بأن النفط وراء الازدهار الذي تعيشه الكويت، يأتي كتاب «أصداء الذاكرة» لعبدالعزيز محمد الشايع، ليصوّب هذه النظرة، بالقول إن الفضل يعود إلى الفترة التي شهدتها البلاد بعد العام 1935، وإلى الجيل الذي حفر في الصخر ليخوض غمار البحر ويهاجر إلى شواطئ وموانئ الهند، مرورًا بعمان وعدن وصولاً إلى شرق إفريقيا وزنجبار. وما جاء في عرضه أيضا “وضع الكاتب جملة من الوقائع والمعلومات لدور التجّار الوطني وللفترة التاريخية المهمة التي سبقت عصر النفط، فالمؤسسات الاقتصادية التي أقامها عدد من التجّار ربطت بين دورها الاقتصادي والجانب الوطني لجهة وعيها بضرورة قيام دولة حديثة، وكان لجهدها أهمية من الصعب إغفالها في بناء الاقتصاد الوطني.. وقد عدّد المؤلف، مبادرات القطاع الخاص وإسهاماته في هذا البناء، كإنشاء البنك الوطني وشركة ناقلات النفط والخطوط الجوية الكويتية وشركة البترول الوطنية وشركة الكيماويات، وشركة مطاحن الدقيق الكويتية وشركة السينما وشركة الفنادق وعدد كبير من المؤسسات المالية والسياحية.
لكن من هو عبدالعزيز الشايع وما هو نسبه وكيف صار من رواد الأعمال الكبار في الكويت ودول الخليج وبلدان كثيرة أخرى كثيرة كتركيا وروسيا وبولندا والتشيك ودول البلقان ومصر ولبنان؟
طبقا لموقع تاريخ الكويت الإلكتروني فإن هناك العديد من الأسر في الكويت تحمل إسم الشايع وهم يعودون إلى آل راشد من الأساعدة من الروقة من عتيبة، لكن الأسرة التي يتبعها عبدالعزيز، وهي ذرية حمود أحمد الشايع، قدمت إلى الكويت في منتصف القرن 19 من الزلفي في نجد، كالكثير من العائلات التي ترجع أصولها إلى هذه المنطقة النجدية باعتبارها الأقرب إلى حفر الباطن وبالتالي إلى الكويت. وإشتهر المكان الذي أقامت فيه أسرة حمود أحمد الشايع بـ “فريج بن حمود”. كما اشتهر المكان باسم آخر هو “خبرة بن حمود” كناية عن وجود خبرة ماء قبالة منزلهم كانت تتجمع فيه مياه الأمطار شتاء.
ويخبرنا المرحوم “حمد السعيدان” في كتابه “الموسوعة الكويتية”، صفحة 454 ، عن هذه الخبرة فيقول: “منخفض كبير كان موجودا أمام ديوان السادة الحمود الشايع مقابل (دائرة السلكي واللاسلكي) يمتلىء بالمياه عند نزول الامطار وقد يبقى سنة كاملة لا يجف وعندما تمتلىء الخبرة بالماء يسعد الاطفال باللهو في الماء والتخوض بالماء والوحل ويعتقدون أن مياه الامطار اذا خوض فيها تطهر الارجل من المشق كما يأتي أصحاب السيارات لغسل سياراتهم في تلك الخبرة وتشاهد خمس أو ست سيارات يغسلها أصحابها في وقت واحد وقد ردمتها البلدية عام 1954 بعد مشقة”. كما يتحدث السعيدان أيضا عن “مسجد بن حمود” فيقول: هو “مسجد في المرقاب أسسه المرحومان محمد الحمود الشايع وعبدالله سليمان النجدي سنة 1917م، وجدده رحمه الله بالاشتراك مع أخيه علي الحمود الشايع سنة 1948 واشتهر عن المرحومين تقواهما والورع لدرجة أن محمد الحمود عندما أسس المسجد بنى حوله عددا من البيوت الصغيرة للايجار وكان يشترط على المستأجر ان يصلي في المسجد”.
برزت أسرة الشايع في مجال تجارة الأقمشة والمواد الغذائية والأخشاب حيث أسس “محمد حمود الشايع” منذ ما يقارب المائة عام شركة عائلية لا تزال قائمة إلى اليوم يديرها الأبناء والأحفاد بعد أن طوروها وأضافوا إليها أعمال إستيراد وتصدير الأسمنت ومواد البناء والمواد الصحية والسيارات والعقارات والفندقة. وساعده في ذلك أخوه علي حمود الشايع الذي أوكلت إليه إدارة أعمال الشركة في الهند وخلفه في ذلك إبناه صالح وأحمد..
ندمج ما ذكره عبدالعزيز محمد الشايع في مقابلة أجرته معه مجلة “إنسايت” الصادرة عن السفارة الهندية في الكويت، وأعادت نشرها جريدة القبس في إبريل 2013 مع ما كتبه الرجل في كتابه سالف الذكر فنستخلص أن والده قرر إرساله إلى “بمبي” في الهند لإكمال دراسته وتعلم الإنجليزية لأن التعليم في الكويت في الماضي كان حتى الصف الخامس فقط، ولأن العائلة كانت تملك مؤسسة تجارية هناك هي “مؤسسة الشايع” التي أسسها “عمي علي حمود الشايع عام 1896 أي قبل 117 عاما”، وكان مقرها في شارع “ناجديفي ستريت رقم 178 ” ومكونة من مكتب وصالة وممر يؤدي إلى غرفة النوم وغرفتين للضيوف وحمام ومطبخ.
ويتحدث الشايع عن ذكرياته فيقول أنه سافر وعمه ومعهم أحمد صالح الشايع بحرا إلى “بمبي” في عام 1939 وهو في الثانية عشرة من العمر على متن الباخرة “بربيتا” التي لم تصل إلى وجهتها إلا بعد إسبوعين بسبب توقفها في موانيء البحرين والشارقة ومسقط وكراتشي وفيراول. وعن وصولهم إلى الشارقة يقول أن الباخرة توقفت هناك ليوم واحد الأمر الذي أتاح لهم فرصة إستئجار “وانيت” للسفر بها إلى دبي لملاقاة معارفهم من آل فطيم وآل العصيمي، مضيفا أنهم وجدوا دبي كما الكويت آنذاك لجهة شوارعها الترابية الضيقة والقذرة. ثم يواصل الشايع حديثه عن دراسته في “بمبي” فيقول أنه إلتحق بمدرسة “سانت جوزيف هاي سكول” لمدة عامين كان خلالهما متفوقا على كل أقرانه، وأن أشياء كثيرة في “بمبي” شدت إنتباهه وشكلت له ما يعرف بالصدمة الحضارية مثل الإزدحام والعمران والنشاط التجاري والنظام و”الترام” والحافلات ذات الطابقين، ناهيك عما كان متوفرا في الاسواق من عصائر طازجة وفواكه غريبة من كل صنف ولون، خلافا لأسواق الفاكهة في الكويت التي لم تكن تبيع في ذلك الزمن سوى “بعض العنب القادم من ايران والعراق والتفاح الأخضر الصغير والبقل والرويد والبقدونس والبمبر”.
aaaelmadani@gmail.com