أصبح تيتشينو أول كانتون سويسري يُحظر فيه ارتداء البرقع أو النقاب في الأماكن العامة، بعد أن تحصلت مبادرة لتعديل الدستور في هذا الإتجاه على أغلبية واضحة. مع ذلك، يظل القرار النهائي رهين موافقة البرلمان الفدرالي على البُند الجديد في دستور الكانتون.
“لا يُمكن لأي شخص أن يُخفي أو يغطّي وجهه في الشوارع أو في الأماكن المفتوحة للعموم (باستثناء أماكن العبادة) أو المخصّصة لتقديم خدمة عامة”: هذه هي المادة الجديدة التي وافقت أغلبية من سكان تيتشينو يوم الأحد 22 سبتمبر 2013 على إضافتها لدستور الكانتون.
ومثلما كان مُتوقعا، أيّد 65,4% من الناخبين في الكانتون، المتحدث بالإيطالية جنوب البلاد، المبادرة الشعبية التي أطلقتها حركة “Guastafeste” للناشط السياسي جيورجيو غيرينغيللي. في المقابل، حظي المقترح البديل، الذي أعده البرلمان المحلي ونصّ على الإكتفاء بإدراج الحظر ضمن التشريع العادي الخاص بحفظ النظام العام (بدلا من الدستور)، بتأييد 60% من الناخبين.
وردّا عن السؤال التفضيلي “هل تقبل بالمبادرة الشعبية الدستورية أم بالمقترح البديل للبرلمان المحلي؟”، أيد 52,4% من الناخبين المبادرة، مقابل 36,75% أعربوا عن مساندتهم للمقترح البديل، وهو ما يعني تفوقا واضحا للمبادرة الشعبية، عِلما أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 48%.
هذه النتيجة المتوقّعة أعادت إلى الأذهان الإستفتاء الذي أجريَ في موفى نوفمبر 2009 حول حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا ووافقت عليه أغلبية الناخبين (57.5%) في الكنفدرالية. ففي تلك المناسبة، بلغت نسبة المُصوتين بـ “نعم” في كانتون تيتشينو 68,1%.
وفي هذه المرة، أعربت معظم الأحزاب السياسية، باستثناء اليسار، عن تأييدها للمقترح البديل في الحد الأدنى.
ابتهاج صاحب المبادرة
الصحفي السابق جورجيو غيرينغيلي (61 عاما)، وهو ناشط سياسي يتحرك عادة بشكل منفرد وضد التيار أحيانا، أعرب عن ابتهاجه بنتيجة التصويت. وصرح لـ swissinfo.ch في حديقة بيته في لوزون: “هكذا نكتب التاريخ”، لأن ما حدث يمثل سابقة في سويسرا أثارت اهتمام وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.
غيرينغيلي شدّد في معظم تصريحاته على الطابع الوقائي لهذا الإجراء، لأنه على وعي بأنه يندر مشاهدة نساء مُنقَّبات أو مُرتديات للبرقع في الكانتون، باستثناء عدد قليل جدا من السائحات العربيات اللواتي يتردّدن من حين لآخر على مُنتجعات تقع في جنوب تيتشينو.
إضافة إلى ذلك، يعتبر غيرينغيلي أن الوقت قد حان، من وجهة نظره، لإتخاذ موقف ضدّ من يصفهم بـ “الإسلاميين المُناضلين”، كما يأمل في أن تؤدي نتيجة التصويت في تيتشينو إلى تحرُّكات مُماثلة في كانتونات سويسرية أخرى.
خيبة أمل الرافضين
المُحامي والمُدّعي العام السابق باولو بيرناسكوني، الذي قاد حملة بصفته مُستقلا، من أجل حثّ الناخبين على التصويت بـ “لا” على المُبادرة الشعبية والمقترح البديل، لم يُخفِ خيبة أمله إثر الإعلان عن النتائج، حيث اعتبر أن المبادرة تنتهك المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، كما رأى فيها إشارة سلبية تمس من صورة كانتون تيتشينو، قائلا “هذا الحظر سخيف تماما”.
مع ذلك، لم يُفاجأ بيرناسكوني بالنتيجة وأشار إلى أن “كانتون تيتشينو ينحرف أكثر فأكثر نحو اليمين، فيما يفتقر إلى مُعارضة حقيقية”. وكان مُلفتا أنه لم تتشكّل في الكانتون لجنة من المُعارضين لحثّ الناخبين على رفض مُزدوج للمُبادرة والمقترح.
في الأثناء، يرفض المُدعي العام السابق الإستسلام، حيث يعتبر أن المقترح الذي حظي بالقبول، يُشكل انتهاكا للحرية الدينية وممارسة الشعائر التي يضمنها الدستور الفدرالي، ويرى أنه يتعيّن على البرلمان الفدرالي اعتباره غير دستوريا.
أما في صورة اتخاذ البرلمان الفدرالي لقرار مغاير، فقد أعلن بيرناسكوني منذ الآن أنه سيرفع اعتراضا أمام المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا) بعد فرض أول غرامة على سيدة منقبة والذهاب في آخر المطاف إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، التي لم تحسم بعدُ في الشكاوى المرفوعة لديها ضد قوانين مُماثلة سنّتها فرنسا.
نقاشٌ انطلق متأخرا
في الواقع، لم ينطلق النقاش في صفوف الرأي العام حول إيجابيات وسلبيات حظر للنقاب والبرقع في الأماكن العامة في تيتشينو، إلا في وقت متأخر جدا من الحملة الإنتخابية. ويُعزى ذلك إلى العُطلة السياسية الصّيفية الطويلة، إضافة إلى عدم طرح معظم الأحزاب لأفكار عملية في سياق المُقترح البديل.
المُبادرة قُوبلت بالرفض أيضا من طرف فرعي منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش في سويسرا. وترى المنظمتان الحقوقيتنان (نشرتا العديد من الإعلانات في الجرائد المحلية لحث الناخبين على مُعارضة المبادرة والمُقترح)، أن تغطية الوجه لأسباب ودوافع دينية لا يمثل بأي حال من الأحوال خطرا على النظام العام والأمن.
وفي الأسبوع الماضي، نظمت “رابطة مسلمي أوروبا” بالإشتراك مع “مجلس الشورى الإسلامي بسويسرا” ندوة صحفية في لوغانو، أعربا فيها عن مُعارضتهما لـحظر ارتداء النقاب أو البرقع، ووصفا المُبادرة بـ “التمييزية”. كما قامت نساءٌ مُحجبات بتوزيع مناشير ضد الحظر على المارة في شوارع المدينة.
رأي البرلمان الفدرالي
رغم نتيجة الإستفتاء، فإن المسألة لم تُحسم بعدُ، لأن الأمر يتعلق بتحوير في دستور الكانتون، وهو ما يستدعي أخذ رأي البرلمان الفدرالي بغُـرفتيه، حول مدى ملاءمة المادة الدستورية الجديدة في دستور كانتون تيتشينو لمقتضيات الدستور الفدرالي.
وإلى حد الآن، أبدى البرلمان السويسري ترددا فيما يتعلق بسنّ تشريعات بهذا الخصوص. ففي سبتمبر 2012، رفض مجلس النواب (الغرفة السفلى) بـ 93 صوتا مقابل 87، مبادرة تقدم بها كانتون آرغاو تدعو إلى إقرار حظر لتغطية الوجه في الأماكن العامة. وحينها، كشف النقاش أن أغلبية النواب توصلت إلى خلاصة مفادها أن مسألة النقاب أو البرقع لا تمثل مشكلة في سويسرا، لذلك فلا يُوجد مبرر لتدخل المشرع في الموضوع.
تأثير محدود على السياحة
على صعيد آخر، تعني المُصادقة على هذه المبادرة أن السائحات المُرتديات للنقاب أو للبرقع لن يُسمح لهن بوضع هذا اللِّباس في أراضي الكانتون. في الأثناء، لا يُتوقع أن تكون للقرار تأثيرات ملموسة على القطاع السياحي، لأن الحريفات المتنقبات يمثلن استثناء في الوقت الحاضر.
أخيرا، لم تتضح بعدُ كيفية تطبيق منع تغطية الوجه في الأماكن العامة عمليّا من طرف قوات الأمن، في صورة حدوث خرق له، كما لم يتم بعدُ تحديد العقوبات المفروضة على من ينتهك الحظر. وعلى عكس ما ورد في المقترح البديل، الذي أشار إلى غرامات مالية يمكن أن تصل قيمتها إلى 10000 فرنك سويسري، فقد نصّت المبادرة على أن يتم تحديد قيمة الغرامات في القانون التطبيقي مستقبلا.