ضمن سلسلة “قضايا إسلامية” التي تصدرها وزارة الأوقاف الإسلامية، تم حشد عدد من المؤلفات تعنى بفلسفة القيم. وكالعادة لن تجد فروقاً واضحة لا في الأهداف ولا في المنطلقات بين كتاب وآخر في هذه السلسلة القيمية. ربما اختلف الأسلوب بين كاتب وزميله، لكنها في النهاية تقول شيئاً واحداً تؤكد عليه دوماً، هو أن القيم لا تكون صحيحة و سليمة إلا إذا كانت في الأديان، ومن بين الأديان تسمو على الكل قيم الإسلام، وغير ذلك من فلسفات للقيم منذ سقراط وحتى اليوم هي باطل الأباطيل وقبض الريح، إن لم تكن هي الفساد نفسه.
سأعمد هنا إلى كتاب يشكل نموذجاً مثالياً لكل زملائه، وقوله فيه هو تغريدة السرب كله. وهو كتاب (القيم الدينية و ثقافة العولمة)، والذي دبجه الدكتور الصاوي الصاوي أحمد، لنناقش من خلاله ما يطرحه علينا حماة الإسلام ورعاة الدين ومفكروه.
كي يقدم الدكتور الصاوي فلسفة الإسلام في القيم، يبدأ أولاً بإدانة كل القيم في العالم غير المسلم، فيقول: “إن القيم المادية الوضعية تنزل بصاحبها إلى درجة السقوط، و ذلك يرجع إلى طبيعة مستواها المادي المحسوس، الذي يجتذب الإنسان و يحركه نحو الفساد و الطغيان لا نحو الإصلاح”. و من ثم يبني على هذه الفرضية (أو الحقيقة من وجهة نظره) استطراده وهو يقول: “وبسبب السمو الذي تتميز به القيم الدينية.. فإنها تفي بحق الإنسانية، و تخرج الإنسان الذي عانى بسبب بعده عن الدين الصحيح، من القلق و الإضطراب و التعاسة و فقدان مشاعر الأمن،.. وانتشار الجريمة والعنف والإدمان والأمراض النفسية والعصبية وزيادة نسبة الإنتحار، والطلاق والإغتصاب والقتل وسيطرة مشاعر الإغتراب والوحشة والبؤس والرعب الذي ساد معظم دول العالم المتقدم”. وتأسيساً على هذه الصورة البغيضة الذي رسمها سيادته لمجتمعات تخلت عن القيم الدينية وانغمست في قيم مادية دنيوية شريرة بالضرورة لا يبقى سوى قوله: “إن القيم الدينية.. هي من أهم القيم على الإطلاق.. وهي الأساس الذي تنطلق منه جميع القيم الحاوية لكل القيم النبيلة، فهي تفوق جميع القيم.. وترجع أهميتها إلى أن الدين هو أساس القيم و الوعي بها و الساعي دائماً إلى تدعيمها، وهي قيم روحية قادرة على هداية حقيقية لأنها من صنع الله الذي خلق النفوس وأوردها فجورها وتقواها. لقد أرسلت الأديان جميعاً وعلي رأسها الإسلام، قيماً منزهة عن كل منفعة شخصية / ص 38، و ص 35 “، تدهشك جرأة هؤلاء القوم على العلوم بكل أصنافها من الكيمياء إلى الفيزياء وإلى الطب إلى الفضاء، والفلسفة!! كل ميدان صار مستباحاً لهم إلا ميدانهم لهم وحدهم دون غيرهم، رغم أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم تكن تعرف شيئاً مما يقوله فقهاء أيامنا. وحسب الكتاب والسنة فإن ما يحرك الإنسان نحو الفساد والطغيان هو الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، ولم يقل لنا الله شيئاً عن القيم المادية الوضعية التي يبخسها مشايخنا كل التبخيس لكونها غير صادرة عن الإسلام.
وأحياناً لا تفهم سر حملتهم الشديدة على كل ما هو مادي موضوعي وضعي، رغم أن آدم حسب النظرية الدينية مخلوق مادي، والحجر الأسود مادة، والكعبة نفسها أحجار مادية وكذلك كسوتها، ومقام إبراهيم وإبليس، كلها أحجار مادية ومع ذلك هي عندنا أسمى المقدسات؟!
وبدون شعيرة الرجم المادي بالأحجار ترمي على إبليس الحجري المادي يفسد الحج من أصله. ناهيك عن كون القيم الإنسانية أو الوضعية أو بمسماها الفلسفي الاكسيولوجية (الحق و الخير و الجمال) تخاطب روح الإنسان لا مادته، و الأمر على العكس مما يقول فقهائنا، لأن القيم الدينية تخاطب المادة قبل الروح، فقد حارب الرسول والصحابة من أجل السيطرة و السيادة و الغنائم المادية البحت، إضافة بالطبع إلى نشر الدعوة. وحارب الصديق من أجل الزكاة، وحارب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص والقعقاع وخيرة الصحابة الأجلاء من أجل الفيئ و الجزية، بل و تصارع كبار الأجلاء منهم على عرض الدنيا المادي، كما حدث بين الزهراء و بين الصديق بشأن ميراثها، و كما حدث في حروب دموية رهيبة من أجل السيادة والجاه حتى ضرب المسلمون كعبتهم بالمنجنيق، و حتى قتلوا خليفتهم و خاضوا الفتنة الكبرى، و حتى اقتحم المسلمون مدينة رسول الله و استباحوا فروج الصحابيات بنات الصحابة، و حتى ذبح المسلمون آل بيت الرسول في عملية إفناء مخزية، و طال الإقتتال الشيعي السني حول المسلمين كميراث مادي، هل هم ميراث ولاد فاطمة وحدهم أم هم ميراث قريش على المشاع؟…. وحتي يومنا هذا !!.
فأين كانت قيم الروح والدين في كل هذا الذي حدث في تاريخنا الرهيب الملطخ بدماء الأبرياء؟ وهي مجازر لم يكن فيها مكان لحق، بعد أن زعمت كل فرقة أن حقها هو الصواب المطلق وحده وغير باطل، ولم يكن فيها أى خير بقدر ما نالت شرورها عموم الناس مسلمين وغير مسلمين، وما كان فيها أى شئ يمكنك أن تصفه بالجمال، ولم يكن فيها مكانا للدين، بعد أن فرض كل فريق وجهة نظره إسلاماً يحارب به إسلاماً مارقاً لدي الفرقة الأخرى، فضاع الإسلام و بقيت الفرق المتحاربة على عرض الدنيا فرقا إسلامية، احتاج كل منها الشرعية فظهرت الأحاديث وظهر المشايخ عند كل طرف يقدم لة الشرعية ودعم السماء.
المشكلة مع مثل هذا الخطاب الفقهي هو قلبه للحقائق عن قصد مبيت وسابق علم و ترصد، ليصور للمسلمين حالهم وكأنهم قمة البشرية وسنامها المقدس الحافظ لكل القيم الأخلاقية، لذلك ينعمون بالسعادة، وأن غيرهم يعيش البؤس و الشقاء والتعاسة. وهو لون من الكذب والغش والتدليس، مع صرف متعمد للناس عن واقعهم المهين الذي وصل إلى أقصى درجات تدنيه، صرفهم عن محاولة إصلاح هذا الواقع، إطمئناناً إلى أن أهل الغرب الطاغوتي و بقية دول العالم المتقدمة الكفرية، لا تحلم بما نحن فيه من عز ورفاة وسعادة بفضل قيمنا الأرقى، وأن قيمنا الأخلاقية هي الأصح بالمطلق لأنها صيغة ربانية كاملة المواصفات سابقة التجهيز!!
نفس الأغنية ترنمها بقية المجموعة التي تناولت فلسفة القيم في سلسلة وزارة الأوقاف، كلها تندد بأخلاق المجتمعات الغربية حتى تكاد توحي إلينا بأنه مجتمع من الحيوانات أو أدنى، بل و تصرح بذلك كتب الفقه التي يدرسها أبناؤنا في مدارسنا و تؤكد “أنها مجتمعات حيوانية أقرب إلى البهيمية”. إنه ذات الأسلوب العربي في شعر الفخر والهجاء البدوي.
ولا يقولون لنا كيف أمكن لذلك المجتمع المنحل الخرب، أن يخلص البشرية جميعاً دون تمييز بين الناس لا بحسب الدين ولا الجنس ولا الطائفة، من أمراض الطاعون و الدفتريا وشلل الأطفال والجدري والكوليرا وبقية الأمراض الوبائية الفتاكة، وهي أمراض عجزت الدنيا قبل الغرب الكافر عن مواجهتها، علماً أن هذا التاريخ كان يضم أنبياء كانت تكفي دعوة واحد منهم لرفع هذه الأوبئة، وهو ما لم يحدث و لا مرة واحدة.
إن فقهاء زماننا لا يقولون لنا كيف تمكن أهل المجتمع الغربي الأنجاس الملاعين بقيمهم السفيهة، من توفير الطائرات التي قصرت رحلة حجنا العسيرة إلى مكة من ثلاثة أشهر نضرب فيها أكباد الإبل، إلى ساعتين من الرفاهية و المتعة و التسلية الرفيعة والمعاملة الإنسانية الكريمة. و كيف حولت الكعبة من بناء بدائي إلى بناء غاية في الفخامة بهندسة و مواد إنشاء كلها من بلاد الطاغوت.
في النهاية من تلك المجموعة من الكتابات لا يخرج المسلم سوى بحالة من الكراهية لهذا الغرب، هي كتابات تعيش حالة تحريض مستعر غير مفهومة، لنبقي مع قيمة القناعة التي هي كنز لا يفني بما لدينا من الفقر و الجهل و المرض و التخلف، حتى بتنا القاع الذي تنتهي إليه مزابل الأمم و نفاياتها، مع الحث على التمسك بقيمنا و حمايتها من أى تأثير قد يصيبها من قيم الغرب الذي نقنع أنفسنا بأنه تعيس، و دون أن يشكو لنا أحداً في هذا الغرب من أية تعاسة يعانيها.
و إذا كانت القيم الدينية وبالذات الإسلامية تفوق جميع القيم، فهل يعني ذلك أن كل الشعوب والأمم التي لم تعرف الأديان السماوية مثل (اليونان القدماء: الإغريق، والرومان والفرس والفراعنة والبابليين والآشوريين والهنود الحمر والمايا والأنكا والهند وشرق آسيا كله) كلها كانت أمماً بلا قيم؟ فهل يمكن تصور قيام تلك الحضارات الكبرى الباقية شواهدها حتى اليوم أعلاماً للعالمين، دون نظام قيمي معتبر؟
مثل هذه الرؤية العنصرية كانت سمة أوروبا في عصورها الوسطى وما بعدها بقليل، عندما أفتى رجال الدين المسيحي بأن سكان أمريكا الأصليين ليسوا من الآدميين ولا يملكون روحاً بشرية مثلنا لان ليس لديهم قيماً دينية مسيحية، ومن ثم سوغت الأخلاق المسيحية للمستوطنين المسيحيين إبادة هؤلاء الوثنيين.
كان يسكن تلك البلاد بشر لا يعرفون الله الذي نعرفه ولا القيم التي تحكمنا، وحكم عليهم صاوي مع من أبادوهم أنهم لم يكونوا بشراً لأنهم لسوء حظهم لم يظهر عندهم أنبياء ليدلوهم على القيم الدينية.
elqemany@yahoo.com
* القاهرة
قيمنا + وقيمهم!أود أن أعبر عن موافقتي الكاملة للسيد القمني، والتي ليست بسبب آراؤه المجردة, بل بسبب مطابقة أطروحاته مع ما رأيته وغفل عنه غيري، فبسبب زواجي من سيدة صينية بوذية مؤمنة، اطلعت على منطقة من العالم كأنها قد تطورت وسبقت كل أمم الأرض بسيرها على الخطا التي يراها السيد القمني، حتى بت لآ أعلم أهي من هذا أم هذا من تلك، فمن جهة تجد شعوب جنوب آسيا متمسكين بتقاليدهم القديمة، فلآ يزالون ييفترشون الأرض في جلوسهم مثل البدو كالكورييين واليابانيين, وبناءهم الأسري وعاداتهم وطقوسهم في الزواج والولادة بل حتى أساطيرهم ما زالت محافظة على نفسها وهي مأخوذة من بيئتهم… قراءة المزيد ..
النظام الداخلي للعصابات وقيم الافكار الحوارية
عصابة + سيف +رعايا (صلصال) = عصابة فقط . بالمقابل مادة(مخ) يؤدي الى فكرة +حوار يؤدي الى تحليل للواقع وتغييره للامام والاعلى = مجتمع- مسؤولية.
قيمنا… وقيمهم! يبرهن علم الاجتماع علي صحة القول بأنه مامن حضارة إلا وقامت على أساس استثمار طبقة أو أمة ( غالبة ) لطبقة – أو أمة ( مغلوبة ) وهو بالضبط ما أسست عليه الحضارة العربية الإسلامية مع بداية عصر الفتوحات الكبرى..مصر مثلا كان عدد سكانها يربو على 20 مليونا عام الغزو 641 ميلادي ، فتناقص مع الحكم العربي حتي وصل إلي مليونبن ونصف المليون عام 1800حسب التعداد الذي أجراه علماء الحملة الفرنسي، والأرقام هنا وهناك لا ُ تكذب … [ راجع كتابنا “البلطة والستبلة- إطلالة على تحولات المصريين ] فهل كان ذلك إلا بـ “فضل ” القيم الروحية الغراء… قراءة المزيد ..