“شكراً قطر”، هذا لسان حال أبناء غزّة امس وهم يستقبلون أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ليس لانه اول زعيم عربي يزور القطاع منذ العام 1967 فحسب، ولا لأنه يحمل اليهم الوعد باطلاق عمليات المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، ولا سلاحا او ذخيرة لدعم حركات المقاومة في غزة او كل فلسطين. هم يرحبون بالامير وزوجه الشيخة موزة لما يحملانه من اعلان مباشرة بتنفيذ سلسلة مشاريع اعمارية لم يسبق ان شهدتها غزّة في تاريخها، غزّة التي لم تخرج بعد من آثار الدمار الاسرائيلي الذي لحق بها في العام 2008، والمتروكة لمعاناتها وحصار الانقسام بين حركتي فتح وحماس اولا وحصار آخر اقل وطأة هو حصار العدو والشقيق.
أمير قطر اخترق الحصار بعدما أُثقلت غزّة بحصار المصادرة والتناتش والمشاريع التي نهشت من جسد الشعب وروحه وقضيته. وباعد الشرخ بين ابناء الشعب الواحد. شرخ استثمر فيه العدو والمقاوم، والنتيجة: “شكرا”، لمن يضخ شربة ماء وفسحة حياة. فمنذ تولي حركة حماس مقاليد الامور في قطاع غزة في العام 2007، احكمت اسرائيل الحصار حوله، ما انعكس سلبا على اقتصاد غزة ومجريات الحياة فيها.
حمل الامير الى غزّة المنهكة بالفقر والحصار مدينة سكنية في خان يونس تتسع لإسكان 3 الاف عائلة محتاجة وتحمل اسمه ناهيك عن مشاريع أخرى تصل كلفتها الإجمالية إلى قرابة 500 الف دولار.
ما يحمله الامير الى غزة في السياسة يوازي ما يحمله من مشاريع اعمارية، لا بل هي مشاريع في خدمة السياسة التي تقطر من قطر. سياسة تجعل الانقسام الفلسطيني بين “فتح” و”حماس” عنوانها على جدول اعمال الامير. لكنه ليس مستعجلا الآن، وان كانت هذه الزيارة تشير الى توطد في العلاقة بين حماس ودول الخليج العربي. توطد يتعزز كلما ابتعدت حماس عن ايران. فالحركة، منذ مطلع العام الحالي، نقلت قيادتها السياسية من سورية إلى مصر وقطر. على أن الابتعاد عن ايران لم يكن بالقدر الذي انفصلت فيه الحركة عن النظام السوري، منذ اعلان رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية دعمه الشعب السوري ضد نظام الرئيس بشار الاسد. وهو انفصال كانت تتحاشاه قيادة حماس لولا أن طلب النظام السوري من قيادتها، وتحديدا رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، أن يصدر مواقف مؤيدة للرئيس الاسد ومنددة ببعض قيادات دينية وسياسية عربية.
قطر التي تعمل بإيقاع بطيء على ردم الهوة بين الضفة الغربية وغزّة، تستعجل انجاز التوافق داخل قيادة حماس، التي لم تستطع انجاز انتخابات قيادتها الجديدة بسبب هذا الخلاف. فمشعل الذي صار مقرّه في الدوحة جغرافيا، والربيع العربي سياسيا، بدلا من دمشق و”الممانعة”، يواجه كتلة حماس الغزاوية التي لم تتخلّ عن علاقتها بايران، فهي تساهم بتمويل سلطة حماس في غزة بما يوازي 15 مليون دولار شهريًا.
الخطوة القطرية لم تكن لتتم في غزًة لولا وجود غطاء اميركي واسرائيلي يسمح بانتقال الامير وتنفيذ مشاريع باسمه، لذا سيكون من مهمته تعويض العون الايراني بمال قطري. مال سيساهم في دفع التسوية داخل حماس لانتخاب قيادتها الجديدة الاكثر انسجاما مع التحولات التي يدفع بها الربيع العربي.
منظمة التحرير الفلسطينية أوالسلطة الوطنية لم تعترض على الزيارة رغم انها استُبعدت عن خطوة اعمار غزّة لا بل دخلت قطر من بوابة حماس. واقصى ما عبر عنه رئيسها محمود عباس من تململ حيال تجاوز السلطة كان تشديده على “ضرورة الحفاظ على مخاطبة الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني”. هذا بعدما رحب بـ “جهود تبذلها قطر لمد يد العون للفلسطينين في القطاع المحاصر”.
وقطر تسعى الى ملء فراغ اقليمي احدثته تحولات حماس في غزة. وهي تَنفُذ من بوابة الاعمار الذي يتعطش اليه الفلسطينيون، فيما صياغة الوحدة الفلسطينية تبقى التحدي ومعيار تميّز الانجاز القطري فلسطينيا، بعدما أمعن الكثيرون في ترسيخ الشرخ الفلسطيني والاستثمار فيه باسم “الممانعة” و”الاعتدال”.
الربيع العربي هو الذي أخذ قطر الى غزة، وليست قطر هي التي تحمل نسائم الربيع الى فلسطين. قطر التي انتسبت إلى المقاومة في لحظة 2006، تعرف اليوم أنّ شرعيتها كراعٍ للربيع العربي لن تكتمل من دون مظلّة فلسطينية تأخذها من قلب العروبة الحقيقي: القدس. وطريق القدس تمرّ في غزّة.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد