يبدو أن الديموقراطية البرلمانية في الكويت تعيش أزمة من نوع خاص، بسبب الدور السلبي الذي يلعبه في هذا الإطار أحد المعايير الأساسية المساهمة في العملية الديموقراطية.
ونقصد من ذلك “معيار الأغلبية” ودوره في عملية صنع القرار، والذي تحوّل في الكويت إلى عملية لصنع قرارات مناهضة لقيم الديمقراطية، كان آخرها اتفاق الأغلبية النيابية على قرار تعديل المادة 79 من الدستور، والتي تقضي بعدم تشريع قانون إلا بعد موافقة الأمير ومجلس الأمة، وتم اقتراح التعديل عليها بإضافة العبارة “ويكون متوافقاً مع الشريعة الإسلامية”.
فالتعديل يعتبر دعوة لاستبدال الحكم الديموقراطي (حكم الشعب للشعب) إلى حكم فئة من رجال الدين للشعب، أي حكم الفئة التي تستند في آرائها إلى فهم ديني تاريخي خاص غير حداثي، فهم مناهض للعديد من قيم الديموقراطية، يأتي على رأسها مناهضة الاعتراف بالتعددية ورفض احترام حقوق الإنسان.
فالتعديل يساهم في إلغاء مختلف الأفهام المغايرة، الدينية وغير الدينية، مما يؤثر سلبا على حق الإنسان في اختيار رؤاه المختلفة المتباينة مع الرؤى الخاضعة للفهم الديني التاريخي الأحادي.
وعلى الرغم من أن أي إقرار لقانون أو أي تعديل لقانون من قبل الأغلبية النيابية، يعكس رغبة وإرادة أغلبية الشعب – الذين انتخبوا نواب الأغلبية – في ممارسة حقوقهم التشريعية وفي اختيار القوانين التي تروق لهم، وأنه على كامل الشعب “طاعة” تلك الإرادة، لكن ذلك لا يجب أن يسير – كما قلنا – في الضد من القيم الديموقراطية. فـ”الطاعة” فيما يتعلق بتعديل المادة 79 من الدستور، تبدو بمثابة “طاعة دينية” غير قابلة للرد، الأمر الذي يساهم في نفي أي دور للأقلية لمواجهة التعديل، باعتبار أن التعديل ينطلق من رؤية دينية نهائية “لا تجوز” معارضتها.
وفي حين أن رد التعديل هو رفض لإرادة غالبية الشعب، إلا أن الرد يصبح أمرا ضروريا إذا أصبح التعديل بمثابة تعدٍّ على القيم الديموقراطية. ولابد هنا أن نأخذ بعين الاعتبار أهمية اختلاف وجهات النظر حول طريقة رد التعديل في علاقته بالعملية الديمقراطية. كما لابد أن نقرّ بأن الرد يدلّل على عدم “تقديس” مطلب الأغلبية بربط مطلبهم بـ”الشريعة الإسلامية”، ما يعني أن مواد الدستور المنظمة للعملية الديمقراطية لا يمكن أن تتجاوز الفهم البشري سواء في تشريعها أو في تعديلها أو في رفضها، كما لا يمكن أن تعكس الصيغة “السماوية” في التعاطي مع المسائل. فالديمقراطية تتعايش مع الرؤى غير الخاضعة للخطوط الحمراء، وتنظم الأمور التي لا تعتبر نهائية التفسير، لذا لا يمكن أن تتعايش مع الصيغ “السماوية” و”المقدسة”.
وحينما يكون رأي الأغلبية النيابية مضرا بروح العدالة، وقد تلمّسنا ذلك في اقتراح تعديل المادة 79، من خلال هدف إلغاء الأفهام المغايرة لفهم الأغلبية للشريعة الإسلامية، فإنه يجب السعي بمختلف الطرق القانونية، المحلية والدولية، لمواجهة التعديل ومنعه، سعيا لوضع العدالة في موضعها الصحيح الذي يجب أن يتوافق أيضا مع روح الديمقراطية. فهدف الديمقراطية، هو الوصول إلى قرار عن طريق معيار الأغلبية دون أن يؤدي ذلك إلى مخالفة روح العدالة.
إن رد تعديل المادة 79 اعتُبر إشارة إلى الأقلية النيابية بأنها استطاعت أن تكسب المعركة مع الأغلبية النيابية، من خلال النتيجة النهائية والمتمثلة بالرد، الأمر الذي قد يدلّل بوجود خلل في الآلية الديموقراطية. فالغالبية لم تصبح غالبية إلاّ لكي يساهم ثقلها في كسب المعركة. ورغم حدوث مبادرة التعديل إلا أن النتيجة كانت “وكأن شيئا لم يكن”. فالمعركة انتهت لصالح الأقلية.
إذن، ما فائدة الآلية الديموقراطية إذا كانت نتيجتها لا تنتهي لصالح الأغلبية؟ إن القيم الديموقراطية وروح العدالة لابد أن يتضمنا، “نصا” و”روحا”، في مواد الدستور المنظّم للعملية الديمقراطية، وأي تجاوز لهاتين النقطتين هو بمثابة تجاوز للدستور مما يعتبر تجاوزا لمفهوم الديموقراطية برمّته، وأي قرار للأغلبية النيابية يتم من خلاله تجاوز مفهوم الديموقراطية، يعتبر بمثابة قرار غير ديمقراطي، أو بعبارة أخرى هو قرار يناهض الديموقراطية ولو عبّر عن الأغلبية، والذي سيفضي إلى تعريف آخر هو “استبداد الأغلبية”.
لذلك، قد تنتفي الجملة المشهور سماعها في الديموقراطية: ما تقرره الأغلبية هو الحقيقة. لأن الحقيقة لا تستند إلى رأي الأغلبية، بل الأغلبية يجب أن تبحث عن الحقيقة، بتركيزها على الدليل الصائب في ذلك، والذي لابد أن يستند إلى روح الديموقراطية.
إن قرار الأغلبية، في الديموقراطيات، لابد أن يصب في مصلحتها بما لا يتعارض مع قيم الديموقراطية. أما إذا تعارض، فسيصبح ممثّلا لقرار الأغلبية فقط، ولن يمثّل الديموقراطية. وهذا، باعتقادي، انعكس بصورة جلية في قرار الأغلبية بسعيها تعديل المادة 79، وكذلك في تبنيها إعدام المسيء لذات الرسول وزوجاته والصحابة..
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com