عرف المشهد المعلوماتي العربي، في السنوات الأخيرة، بروز أشكال تواصلية جديدة تخوّل للفرد التعبير عن ذاته والتواصل مع الآخرين وتشكيل اجتماعيته على نحو جديد. يكفي أن يجلس المرء أمام الحاسوب و يبحر عبر الشبكة العنكبوتية لتفتح أمامه عوالم عجيبة، وليلتقي بالآخر من خلال منتديات ومواقع ومجموعات تواصلية مختلفة Face Book وTwiter. My space ومدوّنات إلى غير ذلك. ويترتّب عن تفاعل الفرد مع هذه القنوات التواصلية الجديدة تعدّد أدواره واتساع دائرة الاستهلاك. فكلّ من له إمكانية الدخول على الشبكة هو ، في نفس الوقت، مرسل ومتلقّي وقارئ ومنتج ومشارك في النقاشات المفتوحة.
لقد استأثر موضوع التدوين واستقصاء أخبار المدونين باهتمام عدد من الدارسين الغربيين والعرب على حد سواء، لاسيما وأنّه يكشف عن التحوّلات المرصودة في المجتمعات العربية المعاصرة، وبالخصوص في المجالين: الاجتماعي السياسي والإعلامي.
ويعزى الفضل في الالتفات إلى هذا النوع من التواصل إلى الثورة المعلوماتية المعاصرة التي وفّرت لكلّ متمكّن من أبجديات البحث في الشبكة العنكبوتية فرصة الخروج من الوضع السكوني والتفاعل مع الآخرين، والمشاركة في الفضاء العمومي.
وممّا لاشكّ فيه أنّ عوامل سياسية، واجتماعية وثقافية، واقتصادية وعلمية تقنية أدت إلى ظهور المدوّنات في المملكة العربية السعودية، ومصر ،والأردن، وسوريا، والمغرب،وتونس، والبحرين، وليبيا…. فشيوع القمع وضياع المصالح العامّة بسبب القرارات الاعتباطية والمتناقضة، والردود الانفعالية، والاستبدادية في الحكم، وخنق الحريات، وأهمّها حرية التعبير و حرية التفكير، واستشراء ظاهرة التكفير أفضى إلى البحث عن قنوات جديدة للتعبير عن الذات وإبداء الرأي.
ف’المدوّنات تعطي سلطة جديدة للمواطنين تساهم في توسيع قدرات الأفراد والجماعات على النقد الاجتماعي، وعلى إمكانات مشاركة المواطنين في النقاش العام.’ (الصادق الحمامي، الاتصال العمومي منظورا إليه في سياقاته، في ‘ الاتصال العمومي المقاربات والتحولات والرهانات أشغال ملتقى 2007 تونس، ص22 .)
ويلحظ المطلع على عدد من المدونات كثرة العلامات المعتمدة، والتي تستدعي من الدارس البحث والتحليل من ذلك الألوان والأشكال والصور والرموز وغيرها.فبالعود إلى قائمة أسماء المدوّنات نتبيّن وجود فئتين: فئة آثرت الإعلان عن هويتها الأصلية فحملت المدوّنات أسماء أصحابها (نبيل، سلمى،عزيز، أشرف،عبد الله…) أو اشتقاقات من الاسم كمدوّنة رزان غزاوي ‘رزانيات’ ….
وإلى جانب التعريف بالإسم واللقب (عبد الله العتيبي، ياسر الغفيلي، محمود حشمة…) حوت المدوّنات بعض المعلومات التي تعرّف بالمدوّن(ة) كتحديد المستوى التعليمي والمهنة والاهتمامات: السياسة الفنون وغيرها.
والواقع أنّ الاطلاع على ما أورده المدوّن(ة) من بيانات في خانة ‘من أنا؟’ يجعلنا ندرك الصورة التي يرغب أن يظهر عليها صاحب(ة) المدونة. فقد عرّفت رزان الغزّاوي نفسها كالآتي: ‘ مدوّنة ومصوّرة ومترجمة مقيمة في بيروت تهتمّ بالقضايا الجندريّة, العنصريات وشتى أنواع الاحتلال وتقوم حاليا بكتابة أطروحتها الماجستير حول يهود العراق.’
أمّا الفئة الثانية من المدوّنين فإنّها حبّذت التخفّي تحت أسماء مستعارة أو كنى أو تسميات أخرى تنمّ عن توجّه أيديولوجي أو ديني أو ثقافي . نذكر في هذا الصدد مدوّنة المملكة الساحرة، مدوّنة الأفوكاتو المصري، مدوّنة ماشي صحّ، مدوّنة ملامح مصوّر، تدوينة نسوية، مدوّنة بنت اليمن، مدوّنة النهار، مدوّنة حلوة، مدوّنة فتاة الأمل،
أمّا استخدام الصور فإنّه مخبر عن ميل المدونين إلى توثيق لحظات خاصّة في حياتهم اليومية، أو إبراز هويتهم أو التعريف بأذواقهم وأحلامهم وهواماتهم …
والظاهر أنّ أغلب المدوّنين يؤثرون وضع صور تعرّف بمدونّاتهم. فنجد صور بعض الحيوانات كالحمامة، أو الفرس أو صور نساء أو مناظر طبيعيّة إلى غير ذلك. ولئن كان العزوف عن وضع الصور الشخصية لأصحاب المدوّنات أمرا مفهوما في ظلّ مجتمعات الضبط والمراقبة فإنّ اختيار عرض مشاهد من الطبيعة وغيرها يجعل هوّية صاحب(ة) المدوّنة ضبابية ولا يملك الدارس إلاّ التخمين والظنّ والحدس. وهكذا لا نعرف جنس الكاتب وإنّما أسلوب الكتابة والاختيارات الفنيّة والتوجّهات الأيديولوجية والذوق العام.
أمّا الشكل الذي تظهر عليه المدوّنة فإنّه مخبر عن شخصية صاحبها.فعبر الألوان يرغب الفرد في أن يمرّر معاني ودلالات مختلفة تتصل بالقيم والرموز والميولات وغيرها. ‘فما يأتي من العرف والدين والسياسة والأخلاق تجسّده ألوان تتمتع بكلّ هالات التقديس والرهبة.’ (سعيد بنكراد، عن السلطة وتعدد المعاني، مجلة علامات ،عدد 24 /2005) ويحيل تداخل الألوان وتمازجها ، في الغالب، على التعدّد والاختلاف كما أنّ تعدّد الأشكال وتقاطع الخطوط يحيلان على تعدّد المعاني.
ويميل أصحاب المدوّنات إلى انتقاء تصاميم معيّنة ووضع شعارات تحيل على رسالة محدّدة يروم هؤلاء تبليغها إلى المتلقّي. فمدوّنة المملكة الساحرة، رفعت شعار ‘المعرفة سرّ الحياة السعيدة’ في إشارة إلى أهميّة العلم ودوره في حياة الإنسان. أمّا مدونّة نبيل فإنّها نادت بالمساواة فكان شعارها: ‘إنسان واحد: حقوق متساوية وقوانين للجميع’.
أمّا تدوينة نسائية فقد ألّحت على مقاومة التمييز بين الجنسين فشطبت قطبي الأنثوي والذكوري وجعلت البعد الإنساني يحلّ محلهما، وغير خاف أنّ النزعة ‘الأندروجينية’ تبرز بوضوح من خلال هذا الشعار.فليست النسويّة التي تتبناها صاحبة المدوّنة نسويّة راديكالية تقوم على مبدأ الصراع بين الجنسين بل هي نسويّة تدعو إلى التكامل بين الجنسين والانسجام باعتبار أنّ الكائن الإنساني يحوي البعد الأنثوي والذكوري في نفس الوقت. ولكنّ التنشئة الاجتماعية هي التي تجعل كلّ جنس لا يعترف بوجود هذه الأبعاد فيه، ويصرّ على إبراز الذكورة الخالصة أو الأنوثة الخالصة.
وإذا كانت اللغة العربية أداة تفاهم وتواصل وتفاعل بين أغلب المدوّنين فإنّها أيضا وسيلة للتعبير عن الانتماء إلى هوية عربية إسلامية ، ولذلك يحرص عدد من المدوّنين على إبرازها. بيد أنّ المتأمّل في اللغة العربية المستعملة ينتبه إلى أنّها تستجيب لحركة التحوّلات التي تشهدها المجتمعات العربية ولخصوصيات الثقافة الرقمية. فلا نجد في الغالب، سبكا للعبارات، ومراعاة لقواعد النظم بل ميلا إلى استعمال لغة بسيطة للتخاطب الإعلامي، وهي الفصحى السهلة والمرنة والمباغتة والمتضمّنة للمصطلحات الدخيلة، وأنماط التعبير التي تعكس أذواق أصحابها وميولاتهم.
بيد أنّ هذا التوجه نحو استعمال اللغة العربية الفصحى المبسّطة لا يتفق حوله جميع المدوّنين إذ ارتأى بعضهم أن تكون العامية وسيلة للتواصل معبّرا بذلك عن موقفه من الثقافة المركزية التي أقصت ثقافة الهامش وازدرت جميع مكوّناتها بما في ذلك اللهجة العامية. وبالإضافة إلى ذلك عمد بعض أصحاب المدوّنات إلى نسج خطاب تمتزج فيه الفصحى مع العامية مع اللغة الأعجمية مع الأرقام. فكانت الرسالة تبعا لذلك شفرة تحتاج لمن يفك إلغازها. وبناء على ذلك تفاوتت الكتابات في أدبيتها حسب المستوى الثقافي لأصحاب المدونات.
أمّا أسباب إنشاء المدوّنة فإنّها تعود في الغالب، إلى الرغبة في التواصل مع الآخرين أو تشكيل مجموعة انتماء أو النقاش، وتبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا .تصرّح إحداهن بغايتها من إنشاء المدونة بقولها:’تدوينتى تدوينة نسوية اقصد منها مناقشة الدراسات النسوية ودراسات النوع الاجتماعى وقضايا تخص النساء ومن ثم تخص المجتمع ، وهى تعبير عن وجهة نظرى واجتهادى ، بالاضافة الى موضوعات اجدها مناسبة واذكر مصدرها’.( http://www.nwrcegypt.org/)
ولئن اقتصرت بعض المدونات على مناقشة قضايا محددة كالقضية الفلسطينية أو قضايا الإبداع أو العنف ضد المرأة فإنّ البعض الآخر تجرّأ على ‘هتك المحرمات’.يقول المدوّن التونسي سامي بن غربية :’ لماذا ندوّن و لماذا ندافع عن هذا الفضاء الذي أعطانا ما لم تعطه لنا أوطاننا و أهدانا ما يعمل ولاة أمرنا، بجبروتهم و عساكرهم و وشاتهم و خزينة دولة كان أولى بها أن تخدمنا، على مصادرته؟ لأننا كما كتب فؤاد و عدد “نرفض عقلية القطيع’. http;//www.kitab.nl/2007/12/25/why-bloging) )
وكثيرا ما يستخدم المدوّنون أيقونات الوجوه المبتسمة أو الحزينة لتضفي دلالة على الرسالة التواصلية كما أنّ عددا منهم يوّفر خدمة تحميل الاختيارات الموسيقية (فيروز،الأناشيد الدينية…)التي تعكس رغبات الفرد واختياراته الفنيّة، وحرصه على أن يشاركه الآخرون نفس هذه الميولات.
وغير خاف أن كلّ ما يوفّره صاحب المدوّنة من بيانات يخبر عن الصورة التي يريد من الآخرين أن يروها عنه. وليس أمام الباحث، في مثل هذه الحالة، إلاّ تقديم تمثّل عن صاحب(ة) المدوّنة مرتكز على ما يتم عرضه عبر قنوات افتراضية. ونظرا إلى أنّ الكيان المادي للشخص (كطول القامة، ولون العينين، ولون الشعر وغيرها من المعلومات التي تيسّر عملية الإدراك.)لا يعاين فإنّ التفاعل لا يكون بين الأشخاص وجها لوجه بل هو تواصل مع شخص افتراضي virtual individual))
ويمكن أن تصنّف المدونات إلى:
ـ مدوّنات سياسية
ـ مدوّنات علميّة متخصّصة، مدونة جمال الزرن التي تهتم بقضايا الإعلام العربي والدولي والصورة في زمن العولمة
ـ مدوّنات حقوقية ، تنشر ثقافة حقوق الإنسان وتدافع عن قضايا تخص حرمان الفرد من حقوقه الأساسية كالكرامة ، وحق الحياة ، وحق العمل ، وحق التعليم ، والحريات كحرية التعبير أو التفكير.
ـ مدوّنات دعوية، إذ ينصح شيوخ الإفتاء من كانت له موهبة الكتابة أن يستغلها في العمل الدعوي وأن يمارس عبر فعل الكتابة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ـ مدونات نسائية كتدوينة نسوية ، وهي مدوّنة تضمّنت روابط لأهمّ المواقع النسائية والمدوّنات النسائية المصرية، ومقالات متعدّدة وصور وأخبار متفرّقة وغيرها.
ـ مدوّنات جنسية، كالمدوّنة اللبنانية (sexywoman(2007 التي تقوم بعرض صور نساء عاريات.
من الواضح أنّ التدوين قد يكون وسيلة فردية للترويح عن النفس، والبوح والحكي، ونقل خواطر وسرد وقائع من الحياة اليوميّة. ويمكن أن يكون أيضا خطاب جدّ غير ممزوج بالهزل, وبذلك يشير الخطاب إلى إلتزام منتجيه بالدفاع عن القيم الإنسانية والقضايا الكبرى، وإيمان هؤلاء بأنّ التدوين ليس فعلا تواصليا ينتج في لحظات الفراغ فيكون أقرب إلى الترف الفكري بل هو انخراط في قضايا إنسانية ووسيلة للصمود والاحتجاج، والمقاومة وكسر طوق القهر والذلّ والمهانة والاستلاب. إنّه تجاوز لحدود الذات المنطوية على عالمها وعبور إلى عالم المجتمعية حيث اللقاء بالآخر عبر رسائل ذات أثر بالغ. وهكذا تتدّخل هذه النصوص المنتمية إلى الواقعية الرقمية في تشكيل الواقع الاجتماعي والوعي الإنساني.
ولئن اختلفت النظرة إلى هذه النصوص والحكم عليها فإنّ هذا الجنس من الكتابة يصنّف ضمن الانتاجات الثقافية( cultural production) التي تضمّ مختلف النصوص ويمكن أن تقرأ بوصفها جنسا أدبيا جديدا يتوسّل بالقناة الإعلامية للتعبير عن وجوده. وممّا لاشك فيه أنّ النص الذي ينتجه أصحاب المدوّنات لا يتمتّع بسلطة معرفيّة قصوى بل هو نصّ متسم بالفاعليّة ومن ثمّة فإنّ معيار النظر إليه ليس قواعد الكتابة الإبداعية وأسس الكتابة التخييلية بل النجاعة.
وهكذا فإنّ نجاح المدوّنات يقاس بمقدار الفاعليّة التي تحدثها في المجتمع، والتي تتجاوز تخوم الزمان والمكان ، فهي شكل من أشكال التعبير يتميّز بقوّة الفعل في الواقع والتأثير في المتقبّلين. أضف إلى ذلك أنّها ظاهرة مخبرة عن حاجة الشعوب المقهورة إلى البحث عن قنوات تنفيس.
* جامعية من تونس
قراءة في محتوى بعض المدوّنات العربية هامش (1) : لعشرة سنوات على التوالي اصوت لصالح فيلم (Carlito’s Way) كأفضل فيلم انتجته السينما : لم يظهر على قائمة (افضل عشر افلام) بعد , وان احتل مرة او مرتين موقعا متأخرا في (افضل مائة) .. الامر مختلف بمتعلق فيلم (Scarface) فقد احتل الموقع الأول عدة مرات وبقي في قائمة العشرة الاوائل باستمرار : http://www.youtube.com/watch?v=f7Jw2F77GCI http://www.youtube.com/watch?v=ciF2CYn36gA (Scarface) اصبح ايقونة ثقافة القاع , وكل نجم (راب) يضع بوستر الفيلم في برواز ضخم في حجرة الاستقبال ببيته , فهو اول فيلم وجد فيه عالم القاع شخصيتهم وهويتهم ولغتهم .. (Carlito’s Way) يتحدث عن حداثة هذا… قراءة المزيد ..
قراءة في محتوى بعض المدوّنات العربية المسافة بين راس الحد (عمان) وحلب (سوريا) : 2500 كم , قطع هذه المسافة بوسائل العالم القديم (الجمل : القادر على تحمل العطش (6) ايام لحين وصول الواحة التالية في هذه الصحراء التي يتوسطها ربع خالي؟!) يتطلب (100) يوم من السير المتواصل (ليل نهار) .. كيف حافظ أهل الصحراء على البقاء , وكيف انتشروا (الفتوحات الاسلامية) على مساحة تعادل اضعاف مساحة هذه الجزيرة في اقل من 8 سنوات بقي سؤالا محيرا , اذا تجاوزنا التفسيرات الاعجازية والخرافية (المتباينة والمختلف عليها) , سنجد لدى علماء الاجتماع والاركيولوجيا مقاربة ادق للأجابة على السؤال : تجمع هؤلاء… قراءة المزيد ..