قبل.. الإنترنت والكمبيوترات و«اللابتوبات» كان الناس يعيشون بشكل طبيعي، يأكلون ويشربون ويلعبون وينامون، يتزاورون ويتحاورون. الآن.. (ولا أستثني نفسي) صار الناس منكسي الرؤوس، موصولين بـ«كيبل» وهمي بكمبيوتراتهم، الكبيرة منها والصغيرة، الذكية منها والأقل ذكاء.
قبل.. الإنترنت، كان الحديث يجري بين المحبين وجهاً لوجه، فيرى الواحد فيهم عيون الآخر ويسمع دقات قلبه، ويشعر بخلجات نفسه. بعد.. الإنترنت تولد العلاقات وتموت من وراء الشاشات الباردة.
قبل.. الإنترنت كان الأطفال ينزلون إلى الشارع، الفريج، الحارة، يلعبون مع أولاد الجيران يركضون، يشوطون الكرة، ينطون على الحبل، يتعاركون. بعد.. الإنترنت التصقوا بكراسيهم أمام أجهزتهم، لا يتحرك منهم إلا أصابعهم، يعركون عيونهم، ويربون الشحم حول بطونهم ولا يعرفون اسم ابن الجيران.
قبل.. الإنترنت كان الناس يتبادلون الزيارات للتهنئة بالأعياد والمناسبات السعيدة والحزينة. بعد.. الإنترنت أصبحوا يكتفون بإرسال رسائل هاتفية سريعة.
قبل.. الإنترنت كانت العائلة بأكملها تجلس مساء لمشاهدة ما يعرضه التلفزيون (أيا كان). بعد.. الإنترنت أصبح كل واحد فيهم يشاهد فيلمه الخاص على كمبيوتره.
قبل.. الإنترنت كان الأصدقاء يتحادثون ويتناقشون، يتخانقون ويتصالحون فيما بينهم. بعد.. الإنترنت صاروا يكتفون بالـ«الشات» على الشاشات.
قبل.. الإنترنت كان الناس يقرأون الصحف صباحا مع فنجان القهوة. بعد الإنترنت أصبحوا يقرأونها إلكترونيا بكبسة زر.
قبل.. الإنترنت كان الناس يصحون من نومهم، يقبّلون صغارهم ويفتحون الراديو ليسمعوا الأخبار. بعد.. الإنترنت يفتحون أعينهم على «تويتر» ومن دون قُبُلات.
قبل.. الإنترنت كانوا يخرجون آخر الأسبوع خصيصاً للاستمتاع بالموسيقى والمسرح والسينما. بعد.. الإنترنت أصبحوا ينزلون الأغاني والمسرحيات والأفلام على الكمبيوتر.
قبل.. الإنترنت كنا نتذكّر أعياد ميلاد الأصدقاء والأحبة ونخطط للحفلة التي نقيمها، وللهدية التي سنحضرها. بعد.. الإنترنت لم نعد نتذكّر شيئاً، الفيسبوك سيذكّرنا، وأسهل خطوة هي إرسال رسالة تهنئة «فيسبوكية».
قبل.. الإنترنت كان عقاب الأطفال أن يذهبوا لغرفهم الخالية ليمكثوا فيها لفترة، عقابا لهم. بعد.. الإنترنت أصبح الذهاب للغرفة مكافأة بصحبة الكمبيوتر.
قبل..الإنترنت كان الآباء والأمهات يحاولون إيجاد أجوبة عن أسئلة الطفل البسيطة منها والمعقدة، الآن أسهل جواب يجده الأبوان هو «ابحث عنه في غوغل».
قبل.. الإنترنت كان المحبون يكتبون رسائل الحب بخط اليد، لتحمل عطرهم ودموعهم وخلجات قلوبهم. بعد.. الإنترنت أصبحت الرسائل عبارة عن كلمات مصفوفة بلا مشاعر على صفحات الإيميل الباردة.
• ملاحظة:
وأنا أكتب هذا المقال، وصلتني رسالة إلكترونية عاجلة على كمبيوتري الشخصي: «أنا جوعان شنو العشا؟».. من زوجي الجالس على بعد نصف متر منّي!
d.moufti@gmail.com
كاتبة كويتية