ماذا بعد اعلان الدوحة والاتفاق على اعتماد صيغة قانون العام 1960 للانتخابات النيابية المقبلة لمرة واحدة على ان يعود المجلس النيابي ليدرس قانون اللجنة الوطنية الذي اعدته لجنة الوزير السابق فؤاد بطرس؟
هل كان اعتماد قانون قانون 1960 مكسبا مسيحيا أُعطي للعماد عون في مقابل تخليه عن طموحه الرئاسي بعد ان فشل في تعطيل حل الدوحة حين قرر اجتراح انصاف حلول من نوع حكومة محايدة وتقريب موعد الانتخابات النيابية العامة وما الى ذلك؟
لا بد اولا للبنانيين من ان يفاخروا بنظامهم الديمقراطي على علاته الذي يتيح تغيير الرئيس والحكومة والمجلس النيابي بآليات ديمقراطية كل اربع سنوات. فحتى في احلك الظروف وتحت حراب الاحتلال الاسرائيلي “والوجود” السوري، كان النواب اللبنانيون ينتخبون رئيسا كل اربع سنوات. وما زال مشهد مغادرة الرئيس اميل لحود لقصر بعبدا ماثلا للعيان حتى للفراغ، وهو ما لا نشهده في العالم العربي قاطبة.
ثانيا، وبالعودة الى قانون 1960 لا بد من تسجيل عدد من الملاحظات التي لا تجعل منه القانون الافضل بل ان ما يعرف بقانون غازي كنعان قد يكون افضل حالا منه فيما لو تم العمل على تطعيمه بقانون لجنة الوزير فؤاد بطرس.
فقانون 1960 يعيد انتاج لغة العصبيات الطائفية والمناطقية بين المرشحين خصوصا في الدوائر المغلقة التي يقترع فيها ناخبو كل طائفة لمرشحيها فقط. فهذا الامر يطلق العنان للمزايدات الطائفية بين المرشحين وشد العصبيات المحلية على حساب الخطاب الوطني الذي كان على المرشحين الالتزام به ولو شكلا لكسب اصوات المحايدين والمستقلين في الدوائر المختلطة فضلا عن انه يسمح بانتاج دينامية سياسية تتجاوز حدود القضاء الى الفضاء الارحب في المحافظة المختلطة كما انه يبقي على روابط التواصل بين النواب والمرشحين الخاسرين من كل المحافظة طوال فترة ولاية المجلس وحتى الانتخابات التي تلي.
واذا كانت العقدة في ان المسلمين ينتخبون معظم نواب المسيحيين فان قانون 1960 لا يحرر جميع هؤلاء من هذه العقدة. ولكن يبدو ان تحرير بعض المقاعد المسيحية ارضاءا للعماد عون كان هدف حزب الله ولو على حساب حليفه الشيعي رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ان اعتماد قانون عام 1960 لا يسمح للمسيحيين باختيار نوابهم جميعا، بل هناك اعداد يختارها بشكل تام او يتحكم في اختيارها الناخب المسلم، وذلك في الدوائر التالية:
– في دائرة عاليه، يحدد الناخبون المسلمون النواب المسيحيين الثلاثة.
– في دائرة بعبدا، يحدد الناخبون المسلمون النواب المسيحيين الثلاثة خصوصا في حالة التحالف الدرزي – الشيعي. اما في حالة الاختلاف فإن التحالف بين احد الطرفين والطرف المسيحي الاكثري يلعب دوراً في اختيار النواب المسيحيين.
– في دائرة الشوف، يحدد الناخبون المسلمون النواب المسيحيين الاربعة.
– في دائرة الزهراني، يحدد الناخبون المسلمون النائب المسيحي.
– في دائرة مرجعيون – حاصبيا، يحدد الناخبون المسلمون النائب المسيحي.
– في دائرة عكار، يحدد الناخبون المسلمون النواب المسيحيين الثلاثة.
– في دائرة طرابلس، يحدد الناخبون المسلمون النائبين المسيحيين.
– في دائرة بعلبك – الهرمل، يحدد الناخبون المسلمون النائبين المسيحيين.
– في دائرة البقاع الغربي – راشيا، يحدد الناخبون المسلمون النائبين المسيحيين.
وهكذا نرى ان قانون 1960 لا يحرر النواب المسيحيين بل يحرر بعضا منهم. فما زال الناخبون المسلمون يختارون 27 نائباً مسيحياً، من بينهم ستة نواب مسيحيين في بيروت في حين يختار الناخبون المسيحيون 3 نواب مسلمين (نائب شيعي في جبيل، ونائب شيعي في زحلة، ونائب سني في زحلة).
وبالمقارنة مع القانون السابق حيث كان الناخبون المسلمون يختارون 105 نواب في مقابل 23 نائبا يختارهم المسيحيون فان القانون الذي سيعتمد في الانتخابات المقبلة يعطي الناخب المسلم افضلية اختيار 88 نائبا بينما يختار الناخبون المسيحيون 42 نائباً.
إن المطالبة باعتماد فنون 1960 كانت متسرعة من قبل الزعماء المسيحيين في المعارضة في الدوحة، وهي تنم عن قصر نظر وتغليب واهم للمصلحة الانتخابية الآنية لكل من العماد عون والوزير السابق سليمان فرنجية. فكان الهدف تحرير عدد من مقاعد بيروت وبعض مقاعد الشمال وجزين للنواب المسيحيين وإعطائهم الصوت الوازن في دوائر اخرى. ولكن ما لم يدر في خلد عون وفرنجية ان العماد ميشال سليمان تكرس رئيسا للجمهورية باجماع غير مسبوق لبنانيا وعربيا ودوليا ومن حقه ان يبدأ اعتبارا من اليوم الاول لتسلمه مهامه ان يتحرر من المزايدات في الشأنين المسيحي والوطني عبر السعي الى إنشاء كتلته النيابية بعدما عابت عليه المعارضة اخذ الارجحية الضامنة في مجلس الوزراء. وهو حتى موعد الانتخابات المقبلة يكون قد امضى قرابة السنة رئيسا للجمهورية وهي ليست بالوقت القليل ليؤسس لتياره في الوسط المسيحي اولا واللبناني ثانيا وتاليا. ان فك اسر المقاعد النيابية المسيحية، وان كان من المبكر الجزم، قد يجيّـر للرئيس الجديد وليس بالضرورة للعماد عون او للوزير فرنجية..
وفي سياق متصل كان حريا بالعماد عون ومسيحيي المعارضة ان يلتفتوا الى المهاجرين وضرورة مشاركتهم في الانتخابات الامر الذي اشار اليه الرئيس سليمان في خطاب القسم حين تحدث عن حقوق المغتربين والمضي قدماً في الإجراءات الآيلة إلى تعزيز التصاقهم، وتداخلهم بالوطن، والاستعانة بقدراتهم وتوظيفها، حتى لا يبقوا في غربة عن الوطن. وإنهم الأحق بالجنسية اللبنانية من الذين حصلوا عليها من دون وجه حق، بدلا من إغفال هذا الشأن لانه يعيد التوازن الى الصوت المسيحي في الانتخابات. اذا انه ليس غافلا على احد ان المسيحيين هم الشريحة اللبنانية الاكثر تأثرا بالهجرة.
وفي المحصلة، وبما ان الانتخابات النيابية ليست داهمة بالقدر الذي تم تصويره ما قبل الدوحة وخلالها، كان الاجدى العمل على تحويل قانون لجنة الوزير فؤاد بطرس الى اللجان النيابية والزامها باجراء التعديلات المناسبة ان كان هناك من تعديلات، واعتماد قانون عصري لمرة واحدة واخيرة يراعي التغييرات الديمغرافية التي طرأت على الوضع اللبناني لجهة اعداد الناخبين من كل الطوائف واعتماد النسبية وايجاد صيغة تسمح للمهاجرين بالاقتراع حتى لو اقتضى الامر تأجيل الانتخابات حتى الوصول الى صيغة تمثيل فعلية. وبدلا من اعتماد صيغة قانون لمرة واحدة على جري العادة في عهد الوصاية يتم اعتماد صيغة نهائية واخيرة.
kricha@radiosawa.ae
* كاتب لبناني- دبي