\الداعية وجدي غنيم الذي فرضه تلفزيون البحرين جزءاً من المقرر اليومي على المشاهدين.. هو في الواقع جزء من ظاهرة عربية فضائية عامة اختارت فيه كل فضائية عربية فرض “غنيمها” على مشاهديها يلقنهم صباحًا مساء، درس دخول الحمام والخروج منه على الطريقة الاسلامية التي اختارها “الغنيميون” الفضائيون دوناً عن كل دروس الحضارة الاسلامية الزاخرة حقيقة بدروس ابن رشد والفارابي وابن سينا والكندي وعشرات بل مئات غيرهم من اصحاب التفكير العلمي في الاسلام، والخطاب التجديدي في الثقافة الاسلامية.
ولذلك لا عجب ولا عجاب أن تكون اسئلة واستفسارات المشاهدين المأخوذين والمشدودين ببرامج “الغنيميين” في فضائياتنا العربية هي اسئلة غيبية وخيالية مستغرقة في خيالاتها الى درجة استبدلت معها حاجتها الى تفسير الواقع بطلب تفسير الاحلام على طريقة “رأيت في المنام زوجي يدخل المنزل بفردة شبشب واحدة”، لتكون نصيحة »الغنيميين “ان ادخلي الحمام سيدتي بقدمك اليسرى لتطردي الخبث والخبائث، ثم اخرجي منه بقدمك اليمنى ليعثر زوجك على فردة شبشه المفقودة فلا يتزوج بامرأة اخرى قد تكون هي التي عملت له” عملاً “حتى ينسى شبشبه الذي يرمز للمرأة في حلمك أيتها الجاهلة المخدوعة التي لا تفهم لغة الشبشب!!
ولذلك لا عجب ولا عجاب مرةً اخرى عندما نجد ان ظاهرة “فضائيات الغنيميين” قد خرّجت لنا جيلا عربيا جديدا يحفظ عن ظهر قلب دعاء الدخول الى الحمام والخروج منه، ودعاء لبس الحذاء الجديد، ودعاء النظر في المرآة، ودعاء قص الاظافر، ولكنه بالتأكيد لا يحفظ اسم العالم أحمد زويل، ولا يعرف شيئاً عن اكتشاف زويل الذي نال واستحق عليه جائزة نوبل بجدارة. وثقافة “الغنيميين” نفسها هي التي خيبت ظن شابة منقبة اتصلت بهم تطلب الفتوى وتطلب مخرجا عقلانيا متوازنا تحافظ فيه على التزامها بالزي الإسلامي، وتدخل سوق العمل لتوفر رزقها ورزق عائلتها بعد ان وافقت المؤسسة على قبولها للعمل وطلبت منها ان تكتفي بالحجاب دون النقاب.. فقال لها “الغنيميون” بشكل قاطع “لا تقبلي وظيفتهم ورزقك على الله”، وما زالت الشابة عاطلة.. فما ضرّ “الغنيميون” لو انهم أفتوا بلبس الحجاب وقبول الوظيفة، أليس حلاً وسطاً، والاسلام وسطياً، وخير الأمور أوسطها؟؟!!
وحتى نقطع الطريق على ثقافة “الغنيميين” وأشباهها التي ستدفعنا بالتهمة الجاهزة بوصفنا “علمانيين” كفرة وملحدين وضد الدين، نقول و”بالفم المليان”.. لسنا ضد البرامج وضد الثقافة الدينية والاسلامية، شريطة ان تكون ثقافة واقع لا ثقافة أوهام.. ثقافة تبصّر الشباب بقيمة العلم والعمل، وتستنهضهم للمعرفة والابداع، وتشجعهم وتدفع بهم وتغرس فيهم القيم الإسلامية الحضارية، مستفيدة في كل ذلك من رواد التفكير والابداع العلمي والفكري المعرفي في الحضارة الاسلامية طوال مسيرتها. أين أحاديثهم ومروياتهم عن التجربة العقلانية الاسلامية الحديثة في مسيرة الشيخ رفاعة الطهطاوي، وفي الطروحات الفكرية التجديدية الوسطية لجمال الدين الافغاني والكواكبي وخير الدين التونسي، وافكار محمد عبده في التعليم تحديدا وهي أفكار تحفز الشباب على التعليم والعلم والمعرفة، وهي اسلحة ما أحوج اجيالنا الجديدة اليها في عصر العلم وتفجر ثورة الاتصالات والمعرفة، هذا بالضبط ما نطلب ان تكون عليه برامجنا الوعظية والدينية والدعوية. وذلك حتى لا نظل نسأل كيف نريد لأبنائنا ان يكونوا جزءاً من الظاهرة العلمية والمعرفية العالمية ونحن نسكب الخرافة في عقولهم عبر “البرامج الغنيمية” التي تخاصم المستقبل وتعاديه؟!
sadaalesbua@alayam.com
*اعلامي بحريني