تشهد الحياة السياسية العراقية الحالية فترة تراجع صعبة ومتوترة، نتيجة تباين في وجهات النظر بين مكونات الائتلاف الحاكم نتيجة التمزق الذي تعاني منه الحالة الشيعية التي تولت إدارة البلاد بعد سقوط نظام البعث.
من ازمة قانون الانتخابات المحلية، والصراع على من يملك السيطرة على منابع النفط في كركوك، اضافة الى ازمة خانقين و ديالى، وخلافات الحكومة المركزية ورئاسة اقليم كردستان بشأن من سيتولى الملف الامني هناك: الجيش العراقي ام قوات حرس الحدود الكردية المعروفة بالبيشمركا.
ويضاف الى الازمات السابقة موقف حكومة نوري المالكي الملتبس من “مجالس الصحوة” والذي ينذر باعادة تفجير الاوضاع. حيث ترتفع اصوات قادة الصحوة، مطالبين بحصتهم من الدولة والنظام مقابل اسهامهم في ضرب الارهاب وتنظيم “القاعدة” ومعاملتهم اسوة بالشيعة في البلاد.
هذه الازمات المتراكمة ادت الى بروز تصدع قوي داخل الائتلاف العراقي الحاكم انعكس تباينا حادا في وجهات النظر بين مكونات الائتلاف، ابرزها بين “حزب الدعوة” الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، والاكراد، حيث كاد المحيط المتشدد في دوائر رئاسة الوزراء، ان يطيح بالعملية السياسية في العراق، جراء التعنت بوجه المطالب الكردية، ما دفع الاكراد الى اتهام المالكي وحزبه بالسعي الى العودة الى سياسات الاقصاء التي اتبعها النظام السابق. واتهم رئيس اقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، جهات لم يسمها بالسعي الى العودة بالبلاد الى مرحلة النظام الشمولي السابق. فضلا عن اتهام المالكي من غير جهة عراقية بانه يقوم بادارة السلطات التنفذية منفردا دون العودة الى شركائه في الحكم.
ممارسات المالكي السياسية لم تلق ترحيبا في اوساط الائتلاف العراقي الحاكم. فقد عبرت جماعة من المستقلين داخل الكتلة الشيعية عن عدم رضاها عن هذه الممارسات الفوقية للمالكي، وهي اقرب في موقعها السياسي الى طروحات نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي، الذي يحمل موقفا مغايرا كليا عن موقف حزب الدعوة، الذي تحول في بعض جوانبه الى موقف قومي عقائدي، اضافة الى موقف قيادة المجلس الاسلامي الاعلى التي طالبت بحماية التحالف الكردي الشيعي والحفاظ عليه خوفا من عودة اجواء الماضي البعثي.
هذا التباين جاء بعد تقارير تم تداولها في الاونة الاخيرة وتحدثت عن ضرورة استبدال المالكي معتبرة انه شخص ضعيف و ان اداء حكومته ضعيف للغاية وهو غير قادر مع فريقه على المساعدة في ادارة دفة الحكم في العراق. ورأت هذه الجهات ان النجاحات الامنية التي حدثت في العراق هي من صنع الجنرال ديفيد بيتريوس، و ليس من حق المالكي ان ينسبها لنفسه. لا بل كاد تعنت المالكي مع الاكرد ان يتسبب بتفجير الوضع وتدمير كل ما انجزه الجنرال بيتريويس.
هذه المصادر اجمعت على ضرورة استبدال المالكي الذي تعتبر انه اصبح اقرب الى الايرانيين في هذه المرحلة وخصوصا بعد المشاكسات التي يبديها فريقه المفاوض في الاتفاقية الامنية التي تنظم وجود القوات الاميركية في العراق، حيث اشارات الى ان مطالب المالكي هي اقرب الى تلبية ضرورات الامن القومي الايراني وحماية نفوذه في العراق.
الى ذلك تقول مصادر عراقية اميركية متطابقة ان هناك اجماعا اميركيا عراقيا، بإستثناء حزب الدعوة وتيار الصدر، على ضرورة تغيير المالكي وربما السعي الى تسليم السيد عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء.
وهذا ما تسبب بنشوب حرب باردة بين الطرفين اصبحت اقرب لأن تخرج الى العلن، خصوصا ان التيار الايراني داخل حزب الدعوة هو من اخذ زمام المبادرة في التصدي لعادل عبد المهدي، لان في اعتباره ان الاخير يمثل خطرا على جميع الشخصيات الشيعية الطامحة الى الزعامة العراقية.
فكاد ان يجمع على تسميته رئيسا للوزراء يوم احتدمت المنافسة بينه وبين المالكي على تولي منصب رئاسة الوزراء بالنظر الى كونه يمثل التيار المدني للبورجوازية الشيعية، المدنية والدينية منها على حد سواء، اضافة الى العلاقة المتميزة التي تربطه بالقيادات الكردية وعلاقته الوثيقة بالاحزاب البعيدة عن التوجهات الدينية المتزمتة حيث يعتبر كثيرون أنه صلة وصل موثوقة بين اطياف السياسة العراقية. وهو يواجه رفضا ايرانيا قويا، وتحاربه طهران لانه يمثل خط استقلاليا شيعيا مدعوما من النجف وله علاقات عربية وخليجية تعزز عودة العراق الى الحظيرة العربية، في ما تعتبره طهران خطا احمر وخطراً على حجم نفوذها.
لذلك تشهد بغداد وبعض المدن الشيعية مصالحات سريعة بين اطراف من حزب الدعوة وبعض الصدريين من اجل التصدي لمشروع عادل عبد المهدي في حال اصبح من الصعب تـأمين الحياة لحكومة المالكي.
من جهة ثانية، تشهد الساحة الشيعية العراقية مبارزة قوية بين المجلس الاسلامي الاعلى وحزب الدعوة عنوانها الانتخابات. فالشارع الشيعي العراقي لن يقبل ابدا ان يحكم من طهران. فالعراق عامة، والشيعة خصوصا، امام مفترق طرق اما قد يؤدي الى خسارتهم لمواقعهم بعد ان يكون صبر الاميركيين قد نفذ، بعد انتهاء الوقت الضائع في الحملات الانتخابية وبمعزل عمن سيكون الرئيس الاميركي المقبل. وتاليا هم سيتجهون نحو الجيش العراقي لتقويته واعداده لتولي الامور تحت شعار فرض القانون قبل فرض الدستور.
ويبقى التساؤل الابرز هل يعي القادة الشيعة حجم الخسارة التي قد تصيبهم فيقدمون مصالح العراق على مصالح الاخرين؟
richacamal@hotmail.com
• كاتب لبناني- الإمارات
في الوقت الاميركي الضائع: هل يخسر شيعة العراق ما كسبوه؟تحليل جيد ومعلومات مفيدة. ولكن اليس أن من يحكم هم الأمريكان، وهؤلاء القادة العراقيين لعب تنفذ الأوامر؟ كما أن مستقبل المنطقة مرهون بأضعاف القوى الأسلامية في المنطقة. خاصة أيران لانها تدعم الأرهاب وتثير القلاقل لمنع أي استقرار يوفّر لأمريكا مجالا لضرب وتحجيم الطموح الأيراني الذي لا حدود له. لذا فالوضع العراقي مرهون بزعزعة ايران ومنعها من أن تكون مرجعية سلطوية للحكومة العراقية ذات التوجه الايراني الواضح. أما الشيعة فحتى لو فشل الحاكمون في السلطة من حكم العراق كما يشتهي الأمريكي، فأن هذا ليس فشل للشيعة. أنه فشل للجناح الأيراني في الأحزاب… قراءة المزيد ..