في اليوم الثالث لاشتباكات مستيتا في بلاد جبيل، تتكثف جهود الوسطاء للجم ردات الفعل، التي تحكمها قوانين العشائر، وليس القضاء.
ما حصل في مستيتا مساء السبت – الاحد الماضي، خير دليل على تراجع هيبة الدولة لصالح القبضايات والزعران، وحاملي السلاح. وهو التراجع الذي كرسته قوى الامر الواقع، التي تأخذ حقها بيدها في معزل عن الدولة، ما سهـّل لكل من يعتبر نفسه صاحب حق ان يسعى لاخذ حقه بيده، متجاهلا وجود قوى امنية.
ما حصل هو ان إحدى الفتيات، وتدعى باميلا الجوهري، غريبة عن منطقة جبيل، وسكنت في مستيتا منذ حوالي 3 أسابيع، كانت ترتبط بعلاقة ما مع جاد غصين، إلا أنها قررت في وقت لاحق الانتقال الى علاقة مع شاب آخر، هو ألآن القوبا، من مدينة جبيل.
ويبدو ان غصين ثارت ثائرته فاستمر في ملاحقة باميلا، الامر الذي أثار حفيظة ألآن، وصولا الى يوم الاشتباك حين اتصل جاد غصين بصديقته السابقة التي كانت في سيارة صديقها الجديد، واشتكت اليه من مضايقات جاد، فما كان من الان إلا أن اتصل بوالده ميشال القوبا، شاكيا، وهكذ فتحت ابواب الجحيم في منطقة مستيتا التي لم تشهد حادثا واحدا طوال فترات الحروب وما قبلها وما بعدها.
ميشال القوبا، وهو متمول، ويملك معارض للسيارات، وتخرج من السجون الاميركية، حيث أدين بتهمة تهريب ممنوعات الى الولايات المتحدة، استنفر رجاله، وتوجه على رأس ميليشيا من 6 سيارات رباعية الدفع تقل 12 مسلحا من بينهم سبعة سوريين يعملون لديه، لتأديب جاد الغصين، امام منزله وفي حييه، وفور وصول الموكب المسلح الى حي الغصين بدأ تبادل إطلاق النار، الذي استمر قرابة 25 دقيقة، أطلقت خلاله أكثر من 1500 طلقة نارية على المنازل والسيارات، وأدى الاشتباك الى مقتل كل من ميشال القوبا، وطوني ابو يونس، وشخص سوري، ملقب بـ”رامبو” ذكر شهود عيان انه عالي التدريب العسكري، وكان يطلق النار مستخدما رشاشين من نوع كلاشينكوف في وقت واحد، إضافة الى سقوط عدد من الجرحى.
وفور شيوع الخبر، أقدم والد طوني ابي يونس على الانتحار حزنا على ولده، الذي قضى في اشتباك لا ناقة له فيه ولا جمل، بل هو هب مع اصدقاء آخرين لنجدة صديقه جاد ودفاعا عن الحي الذي كان يتعرض لغزوة آل القوبا.
القوى الامنية التي وصلت الى مكان الاشتباك بعد ساعة من اندلاعه، لملمت جثث القتلى، ونقلت الجرحى الى المستشفيات، إلا أنها أغفلت إثنين من الجرحى من التابعية السورية، كانا يختبئان في البساتين المجاورة. كما صادرت أسلحة فردية، والقت القبض على 14 متورطا في الاشتباك، من بينهم ألآن القوبا، الذي تم توقيفه في بلدة حلبا شمال لبنان، بعدما فرّ الى هناك، كما اوقفت باميلا الجوهري على ذمة التحقيق.
وفي سياق متصل نجحت الوساطات مع آل أبي يونس، لدفن طوني ووالده، قبل الأخذ بثارهما، من آل القوبا. إذ ان معلومات كانت أشارت الى ان اهل القتيلين رفضوا الصلاة عليهما قبل ان يثأروا لهما. إلا أن قيام آل القوبا بنعي قتيلهم ميشال وتوجيه الدعوة للمشاركة في الصلاة لراحة نفسه عبر رسائل نصية قصيرة (أس أم أس) أثار حفيظة آل أبي يونس من جديد، لان قوانين العشائر تحرم اقامة صلاة احتفالية للقاتل المزعوم المقتول ميشال القوبا، إفساحا في المجال امام مساعي المصالحات لاحقا. ولأن أهالي مدينة جبيل لا يعرفون بتقاليد العشائر، دعوا للمشاركة في الصلاة لتشييع ميشال القوبا، متجاهلين عن غير قصد ومعرفة قوانين عشائر العاقورة.
والى ان تنتهي مساعي المصالحة، التي ينشط على خطها اكثر من قيادي جبيلي، لا بد من توجيه أسئلة مصيرية على علاقة بمستقبل لبنان ونمط العيش فيه، في ضوء ما سبق من احداث امنية خلال الاشهر المنصرمة وصولا الى اشتباكات مستيتا.
– اين مسؤولية الدولة اللبنانية في حفظ امن المواطنين؟
– هل تجربة الحاجة حياة عوالي شكلت نموذجا يحتذى في خرق القوانين وتاليا اصبح بامكان اي لبناني ان يقتدي بها، ويصبح نجما تلفزيونيا، حيث تمت استضافتها على الشاشات على الرغم من وجود مذكرة توقيف قضائية في حقها؟!
– هل إخلاء سبيل خاطفي الطيارين التركيين نموذج يحتذى أيضا، يسهّـل على سائر المواطنين مسألة تحصيل حقهم بأيديهم، فيخرجوا لاحقا بكفالة مالية لا تتجاوز 330 دولار أميركي؟!
– هل إقفال الطرقات وتعطيل مصالح المواطنين في مناطق معينة وتعكير علاقات لبنان بدول صديقة مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وسواها عمل يقره القانون؟ وتاليا الا يشكل هذا ايضا نموذجا يحتذى لاستسهال خرق القوانين في معزل عن الاسباب؟.
– هل إعلان نائب لبناني سابق عن انه جندي صغير في جيش بشار الاسد امر طبيعي، ام انه جريمة يعاقب عليها القانون، ام انه وسيلة لتأمين حماية لخرق القوانين؟ وتاليا لماذا لا يصبح كل صاحب حاجة ومطلب، عن حق او عن غير حق، جنديا صغيرا او رتيبا في جيش الاسد او جيش الولي الفقيه، ليخرق القوانين من دون ان تتوفر آلية لمحاسبته؟
هذا غيض من فيض نماذج تغاضي الدولة اللبنانية عن كل الذين يخرقون القوانين وتتم ترضيتهم بجوائز إعلامية وسواها، وهذا ما سمح للقوبا بجمع عدد من المسلحين لتأديب مزعج صديقة ابنه.
وأخيرا وليس آخرا، أما آن الأوآن للشروع في معالجة موضوع اللاجئين السوريين الى لبنان؟
ففي ظروف إنهيار سلطة الدولة، يصبح لافتاً أن جميع الشبان السوريين خضعوا للتدريب العسكري الالزامي، وهم جميعهم مشاريع عسكرية جاهزة للاستخدام على غرار ما فعل القتيل ميشال قوبا.
(صورة المقال من موقع “جنوبية”)
في ظل “الدولة الفاشلة”: “مستيتا” الآمنة ساحة حرب لـ”الشبّيحة”!
إنها دولة السليمانستان، لا دولة لبنان. المنقرضة.