إن الأساس التأريخي للاستقطاب الطائفي في العراق يرتبط بالدولة البويهية في القرن الرابع الهجري. ذلك أن البويهيين الديالمة بعد أن فرضوا حكمهم على الخلافة العباسية في بغداد سعوا لإيجاد قاعدة شعبية لحكمهم فتبنوا مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية. وكانت الشيعة الإثني عشرية قد اكتملت كطائفة دينية وتوقفت عن الخوض في السياسة لتظهر في وقت مبكر من التوزيع الطائفي في المجتمع الإسلامي كواحدة من الكيانات الطائفية المبكرة.
مع ملاحظة أن أصل الطوائف الإسلامية في العموم هو كيان الفرقة التي ترادف على مستوى السياسة مصطلح “الحزب”، وعلى المستوى الفلسفي والكلامي مصطلح “المدرسة”. ولم تستعمل كلمة الطائفة في الزمن السابق الذي كانت الفرقة ناشطة فيه على المستويين.
وأوصلنا التحقيق إلى أن أولى الطوائف ظهوراً هي الشيعة الإثني عشرية، ربما بدءاً من الإمام جعفر الصادق (ت 149هـ) أو والده الإمام محمد الباقر (ت 114هـ). على أنها لم تكتمل كطائفة إلاّ في القرن الرابع الهجري.
وفي هذه الأثناء ظهر “التسنُّن” – في منتصف القرن الثالث الهجري- كحركة تملك جميع خصائص الطائفة الدينية. فتكون قد تزامنت في الظهور طائفتان: الشيعة (الإثني عشرية) والسنية.
على أن الصراع لم يكن آنذاك بين السنة والشيعة، فقد دخلت الطائفة السنية في خصومات حادة مع جميع الفرق والمدارس الإسلامية القائمة في زمنها.
وكان هناك استقطاب (سني– معتزلي) و(سني– باطني) و(سني– صوفي) و(سني– فلسفي)، وبقي هذا الاستقطاب قائماً حتى نهاية العصر الإسلامي حيث كفَّت الفرق عن الوجود وتحوّل من بقي منها إلى طوائف صغيرة.
ولذلك خلت العصور الإسلامية من صراع طائفي وإنما كان ذلك ما بين الفرق السياسية والكلامية. وبعد اختفاء الفرق في عصر متأخر استأثر “التسنّن” بالعالم العربي والإسلامي كله عدا العراق مما قلَّص رقعة الصراع وأبعاده في زوايا منعزلة.
بالرجوع إلى الجذر التأريخي للمشكلة تجده كما قلت عند البويهيين، فهم المسئولين عن تأجيج الاحتراب السني- الشيعي في العراق إذا كانوا أول من نظّم المواكب الحسينية في عاشوراء وأدخلوا العراق في دوّامة المذابح المتقابلة حتى اليوم.
وقد زُوّر التاريخ لتكريس هذا الوضع، وقام رجال الدين من الطرفين بدورهم في ترسيخ الرموز الطائفية والمؤسسات الطائفية. فتحوّل فقهاء “ما قبل السنة” إلى أئمة السنة وتحوّل المتصوفة الذين وضعوا أنفسهم في مقام الأنبياء إلى قدّيسين للسنة؛ “يعبدهم” السني ويلعنهم الشيعي.
واعتبر الإمام علي بن أبي طالب (ت 40هـ) مؤسس التشيع، أي قبل خمسين سنة من ظهور اسم الشيعة، واعتبر الإمام الحسين بن علي (ت 61هـ) شهيد الشيعة ولم يكن للشيعة وجود في زمانه.
وتحول الخليفة عمر بن الخطاب (ت 23هـ) قبل قرنين من ظهور السنة إلى رمز أكبر للسنة واختلط الحابل والنابل والأبيض بالأسود والعلقم بالسكر لكي يستريح رجال الدين على أرائكهم ويتمتعوا بسعادة الدارين ولم يخلُ ذلك من علاقة بالسلطة في كل وقت تأتي دولة فتؤيد الشيعة وتضطهد السنة وتأتي غيرها تؤيد السنة وتضطهد الشيعة.
وهذه المآزق التأريخية تحدّث عنها الفيلسوف الكبير أبو بكر الرازي (ت 311هـ) في هجومه على رجال الدين وحمّلهم مسؤولية إثارة الحروب. وتلقفها منه الشاعر العظيم أبو العلاء المعري شيخ المعرة وصاغها في لزومياته:
إن الشرائع ألقت بيننا فتناً
وعلمتنا أفانين العـداوات
ayemh@yahoo.com
* الكويت
في الأصل التأريخي للصراع الطائفي في العراقالمقالة جيدة ولكن : السنة لم يظهروا بعد الشيعة هذا خطأ علمي جسيم ::: فالمذهب السني موجود منذ موت النبي محمد عليه السلام ولكن التسمية جاءت متأخرة … والسبب هو أنه لم تكن هناك حاجة لتسمية السنة فالمسلمون كلهم سنة حتى أئمة الشيعة المعروفون اليوم فالجميع اسمهم (مسلمون) وحين قويت شوكة الشيعة ( المذهب الذي بدأ سياسيا تحت اسم الطالبيين أو العلويين ) أقول حين أصبح الشيعة لهم كيان عقدي و ووو …. كان لزاما أن يتداول اسمٌ لسائر المسلمين للتمييز حتى لا يقال شيعي ومسلم … وكان ذلك الاسم (السنة والجماعة ) أي… قراءة المزيد ..