إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ترجمة “الشفاف” نقلاً عن مجلة “فورين بوليسي” الأميركية. أجرى المقابلة رئيس تحرير فورين بوليسي، “رافي أغراوال”
دخلت إيران فجأة في موسم انتخابات لم يكن أحد يريده بعد وفاة رئيسها “إبراهيم رئيسي” في حادث تحطم طائرة هليكوبتر يوم الأحد الماضي. ويُشُكِّل فراغُ القيادة أهمية خاصة لأن “رئيسي” كان يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه الخليفة المُرجَّح للمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي يبلغ من العمر 85 عامًا ويقال إنه في حالة صحية سيئة.
ويأتي الحادث في لحظة صعبة وسط حرب الظل المستمرة بين إيران وإسرائيل، وقُربها من الحصول على قنبلة نووية، واقتصادها المتعثر. كيف ستدير طهران هذا التحول القسري للقيادة، وماذا سيعني بالنسبة للعالم؟ لقد تحدثت مع مراقبي إيران منذ فترة طويلة “كريم سجادبور“، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، و”روبين رايت“، وهي كاتبة مساهمة في مجلة « نيويوركر » وزميلة متميزة في « مركز ويلسون ».
رافي أغراوال: روبين، سأبدأ معك. لقد وصفتِ ما حدث بأنه نقطة تحول بالنسبة لإيران. أخبرينا لماذا.
روبين رايت: إنها نقطة تَحوُّل لأن إيران تواجه الكثير من التحديات. ويعاني اقتصادها من أزمة دائمة: فقد انخفضت قيمة الريال بنسبة 30%. ومن الناحية العسكرية، فقد تعاملت بشكل مباشر مع إسرائيل بعد عقود من حرب الظل. ومن الناحية السياسية، كان من المتوقع أن يكون رئيسي هو الشخص الذي يُشرف على المرحلة الانتقالية بعد الوفاة الحتمية للمرشد الأعلى، الذي يتولى السلطة منذ عام 1989. ولم يكن هناك سوى انتقال واحد من هذا القبيل من قبل، من المرشد الثوري آية الله روح الله الخميني إلى المرشد الأعلى الحالي، آية الله خامنئي.
كان خامنئي، نفسه، رئيسا قبل أن يصبح المرشد الأعلى. لذلك ألقى موت “رئيسي” بمستقبل إيران بِرُمَّتِه في الهواء، حيث كان رئيسي أحد المرشحين الأكثر وضوحًا ليحل محل المرشد الأعلى. والآن هناك مرشّح واحد فقط: هو إبن المرشد الأعلى الحالي. وإذا حدث ذلك، فإنه سيؤدي في الواقع إلى خلق سلالة ثيوقراطية، في حين أن الثورة كانت تدور حول إنهاء سيطرة عائلة واحدة على جميع مقاليد السلطة في إيران.
ر.أ: سؤال لكريم سجادبور: من الواضح أن هذه صدمة كبيرة لإيران. أتخيل أنه ستكون هناك نظريات مؤامرة حول ما حدث بالفعل. كيف يتفاعل الإيرانيون مع الأخبار؟
كريم سجاد بور: لم أتفاجأ، ولكن كان من اللافت للنظر رؤية تدفق الفرح والاحتفال بين العديد من الإيرانيين الذين نظروا إلى “رئيسي” على أنه الشخصية المظلمة والقمعية. وكانت هناك ألعاب نارية في المدن الكبرى، بما في ذلك مسقط رأسه، “مَشهَد”.
لكن إيران مجتمع مُستقطَب، لذلك كانت هناك أيضًا شريحة من السكان تشعر بحزن عميق عليه. مثل أي مجتمع انزلق تحت الديكتاتورية لعقود عديدة، أصبح المجتمع الإيراني تآمريًا تمامًا. أظن أن الرواية الرسمية – التي كانت تقول إن الأمر كان مجرد حادث – لست متأكدًا من عدد الأشخاص الذين يصدقون ذلك تمامًا. هناك العديد من الجنُاة المحتملين، ربما في وجهات نظرهم، بدءاً من إسرائيل والولايات المتحدة إلى كون الأمر عملاً داخلياً لأفراد أرادوا إقصاء رئيسي من احتمال خلافة الزعيم.
أعتقد أن الأمر الأكثر أهمية في هذه الوفاة ليس أن إيران بحاجة إلى العثور على رئيس جديد. والأهم من ذلك هو أن واحداً من الشخصين الوحيدين اللذين كان يُنظر إليهما على أنهما منافس جدي ليكون ثاني أقوى رجل في إيران، أصبح الآن خارج الصورة.
ر.أ: روبين، أنتِ أجريت مقابلات مع آخر ستة رؤساء إيرانيين، بما في ذلك “رئيسي” بالطبع. أخبرينا المزيد عنه. أي نوع من الرئيس كان؟ ما هو الإرث الذي يتركه وراءه؟
روبين رايت: يمكن القول إن “رئيسي” كان أكثر رؤساء إيران عدوانية، كما أنه كان الأقل شعبية. لقد كان أحد هؤلاء الأيديولوجيين المطلقين الذين اعتقدوا أن إيران يجب أن تتبع المبادئ الثورية الصارمة والتقاليد الإسلامية الصارمة. كان الجدلُ الكبير في إيران، منذ عام 1979، يدور دائماً حول ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية في المقام الأول دولة إسلامية تتبع شريعة الله أو جمهورية تتبع قانون الإنسان كما تجسدها شرعة نابليون؟ لقد كانت هناك لعبة شد الحبل طوال الوقت.
وكان الرؤساء السابقون مثل حسن روحاني ومحمد خاتمي وسطيين أو إصلاحيين يعتقدون أن إيران يجب أن تتحرك في اتجاه جمهورية تكون فيها الكلمة الأخيرة للمسؤولين المنتخبين. بالمقابل، أخذ رئيسي إيران في الاتجاه المعاكس، معتقدًا أنها دولة إسلامية. وسوف يتذكره الناس لأنه أشرف على التخفيضات التي لم تكن تُحظى بشعبية كبيرة، في شكل دعمٍ للغذاء والوقود. لقد شهد الاقتصاد انخفاضًا كبيرًا خلال السنوات الثلاث التي قضاها في السلطة. والأهم من ذلك كله، أنه سيظل في الذاكرة بسبب حملة القمع الضخمة التي شهدها عام 1988، عندما كان واحدًا من أربعة أعضاء في “لجنة الموت” التي أرسلت ما يقرب من 5000 منشق إلى الإعدام. لقد كان وزيراً للعدل لا يرحم، واستمر على هذا النمط كرئيس.
ر أ: كريم سجادبور، هذا المرشد الأعلى بالتحديد لم يكن دائمًا على وفاق مع رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على هذا المنصب. كان يُنظر إلى روحاني على أنه قريب للغاية من الغرب. وكذلك كان ينظر لأكبر رفسنجاني. وكان محمود أحمدي نجاد شعبوياً أكثر مما ينبغي. وكان يُنظر إلى خاتمي على أنه مخرّب. لكن من كل ما نعرفه، كان رئيسي رجل المرشد الأعلى. لقد كان مخلصًا. وسيشعر خامنئي بخسارته. كيف سيدير عملية الانتقال الرئاسي في الأسابيع المقبلة؟
كريم سجادبور: كنت أعتقد دائمًا أن رئيسي هو نسخة مصغرة من خامنئي، وكشخص قام برعايته على مدى عقدين من الزمن. وهذه ضربة كبيرة له. لكن لدى خامنئي بضعة خيارات مختلفة. أحدها أن يُقدِّمَ ابنه للإيرانيين من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية، تماماً كما فعل مع رئيسي. أعتقد أن هذا غير مرجح، ولكنه في نطاق الاحتمال.
والأمر الآخر هو أن يختار شخصًا لديه خلفية في قوات الأمن والحرس الثوري، وربما يكون المرشح الواضح لذلك هو محمد باقر قاليباف، وهو رئيس البرلمان الحالي والقائد السابق للحرس الثوري.
خيار آخر هو أن يجد نموذجًا صغيرًا آخر من نوع « الأنا المُصَغَّرّ ». لكن العثور على مخطط لشخص يُعتبر من أصحاب الأيديولوجية المتشددة ويتمتع ببعض الكفاءة الإدارية، يعد أمرًا ضئيلًا على نحو متزايد.
وجهة نظري هي أن وفاة “رئيسي” تعمل بالفعل على التعجيل بإحدى نتيجتين محتملتين: انتقال إيران إلى المزيد من الديكتاتورية العسكرية، أو، بصراحة، انهيار النظام من الداخل.
ر.أ: أوه، روبين، أود منك أن تتحدثي عن ذلك أيضًا. أنا أيضًا مازلت أفكر في فكرة “أنا المصغر”. يبلغ عمر المرشد الأعلى 85 عامًا، بينما كان رئيسي يبلغ من العمر 63 عامًا فقط. وكان رئيسي جيلًا جديدًا. وأنا أشعر بالفضول حول كيفية رؤية جيله من القادة لمكانة إيران في العالم.
روبين رايت.: هذا يُمثِّل انقساماً كبيراً داخل إيران. إن غالبية الإيرانيين يريدون بشدة إنهاء وضعهم المنبوذ ويريدون أن يكونوا جزءا من المجتمع الدولي، في حين أن القيادة قد تشددت في ذلك على الرغم من التحديات الاقتصادية التي فرضتها العقوبات التي فرضتها واشنطن.
أعتقد أن أصعب وظيفة في إيران هي أن تكون مسؤولاً سابقاً. سيكون تجنيدُ شخص ما أمرًا صعبًا لأنه سيكون قلقًا بشأن مستقبله أيضًا. لكن الصورة الكبيرة هي بالتأكيد مستقبل الثورة. لقد كانت هناك محاولات سابقة لإصلاحها بطرقٍ تًمَكِّنُها من إعادة الاندماج تدريجياً في العالم، وفي العديد من النواحي كان هذا هو ما كان يدور حوله الاتفاق النووي الذي تَوسَّطَت فيه الدول الست الكبرى في العالم في عام 2015.
وبمجرد أن أصبح ذلك غير فَعال بعدانسحاب ترامب من الاتفاق، كان لدى إيران حافز مرة أخرى للمضي قدماً في برنامجها النووي.
أعتقد أن إيران ستصبح على الأرجح القوة النووية العاشرة. وبعد هجومها الكارثي على إسرائيل وهجوم إسرائيل الفعال للغاية على قادتها العسكريين في سوريا، أعتقد أنها تشعر بعدم الأمان بشكل متزايد، على الرغم من أنها تمتلك أكبر ترسانة صاروخية في العالم. ولكن هناك اثنين من المرشحين الواضحين، بما في ذلك قائد سابق في الحرس الثوري يدعى محسن رضائي، الذي ترشح عدة مرات. ربما يبحثون عن بديل، إذ من المفترض أن تجرى الانتخابات الرئاسية بعد عام من الآن. لذلك ربما يمنحهم هذا بعض الوقت حتى يصبح لديهم شخص في هو الأساس « بطة عرجاء »، مٌدينٌ بالفضل للمرشد الأعلى، لكنه لن يقود عملية انتقالية مهمة في المستقبل.
ر.أ: كريم سجادبور، وسط كل هذا، حدثنا عما يريده الشعب الإيراني. يبدو لي أن مشاركة الناخبين تراجعت في السنوات الأخيرة، أليس كذلك؟
كريم سجادبور: لا أعتقد أنه سيكون هناك اهتمام شعبي كبير بالانتخابات. لا يزال عدد قليل جدًا من الإيرانيين يعتقدون أنهم يعيشون في ظل نظام يمكن إصلاحه عبر صناديق الاقتراع. من بعض النواحي، فكرت في ملاحظة هنري كيسنجر الشهيرة بأن على إيران أن تقرر ما إذا كانت « أمة » أم « قضية ».
ومن وجهة نظري، كان هذا قرارًا كان عليهم اتخاذه قبل حوالي 15 عامًا، عندما وصلوا إلى مفترق الطرق. وكلما اضطروا إلى الاختيار بين الإصلاح أو القمع، اختاروا دائمًا طريق القمع. وطالما كان خامنئي على قيد الحياة، فسوف يتمسكون بالأيديولوجية الثورية: « الموت لأمريكا »، و “الموت لإسرائيل »، و »الحجاب الإلزامي ». بالنسبة للشعب الإيراني، هذا ليس نظامًا قادرًا على الإصلاح. أعتقد أن الكثير من الناس لن يصوتوا لأنه يُنظر إلى التصويت على أنه عمل من أعمال الشرعية لا يريدون القيام به.
ر أ: روبين رايت، ولمجرد الحديث أكثر قليلاً عن مسألة الديمقراطية. لقد قُمتِ بِتَغطية العديد من الاحتجاجات في إيران، من حركة « الثورة الخضراء » إلى حركة « المرأة، الحياة، الحرية ». أنا فضولي لمعرفة كيفية عمل ذلك من زاوية أجهزةالقمع. هل يسمح النظام فقط بثورات من وقت لآخر لتعزيز « واجهة » الديمقراطية؟
روبين رايت: كل المظاهرات كانت مفاجئة وعفوية. الإيرانيون مجتمع سياسي منخرط ومتطور للغاية. كانت هناك احتجاجات اقتصادية وسياسية في جميع أنحاء البلاد، وازدادت وتيرتها بشكل خاص منذ عام 2017. لكن النظام يقوم باتخاذ إجراءات صارمة، كما رأينا في عام 2022، مع مقتل ما يقرب من 500 شخص. لذلك أعتقد أن هذه التكتيكات والأدوات سوف يستمر استخدامها. والسؤال هو ما هي نسبة المشاركة في انتخابات 28 يونيو؟ ستكون هناك فوضى سياسية مطلقة خلف الكواليس من الآن وحتى 28 يونيو حول من سيترشح. ويجب أن يتم فحص المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور. ثم يتعين عليهم القيام بحملة. في الماضي، كانت هناك مناظرات بين كبار المرشحين. لذا، فإن هذا جدول زمني لا يصدق. ولهذا السبب ربما يكون النظام منخرطًا جدًا في محاولة التلاعب بالنتيجة بحيث تكون في صالح شخص أقرب إلى أن يكون نسخة مصغرة من خامنئي.
ر.أ: كريم، هناك مسافة واضحة بين تطلعات الشعب وتطلعات النظام. إلى متى يمكن أن يستمر هذا الانفصال؟
كريم سجادبور: يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى. هذه الأنظمة في كثير من الأحيان أكثر استدامة مما يعتقده الناس. كان هناك مقال رائع كتب قبل أكثر من عقد من الزمان في مجلة الديمقراطية بعنوان “متانة الأنظمة الثورية”، والحجة الأساسية هي أن الحكومات الاستبدادية التي نشأت عن الثورة تميل إلى أن تكون أكثر استدامة من مجرد حكومة ديكتاتورية تقليدية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود هذا المبدأ التنظيمي القوي الذي يساعد في الحفاظ على تماسك قوات الأمن. لقد كان هذا هو الحال في إيران.
لأكثر من 45 عامًا، كانت الحكومة تسيء إدارة الاقتصاد بشكل رهيب، ولم تكن قمعية سياسيًا فحسب، بل قمعية اجتماعيًا أيضًا. إنهم يحاولون مراقبة كل جانب من جوانب حياتك، بما تشاهده، وما تشربه، وإذا خرجت مع صديقك أو صديقتك. لكن كان هناك عدد قليل جدًا من الانشقاقات في قوات الأمن. إذن، لدينا الآن ديناميكية في إيران، حيث لديك نظام ربما يحظى بدعم شعبي بنسبة 15-20%، لكنه متحد ومسلح ومنظم ومستعد للقتل من أجل البقاء في السلطة. لا يمكن للقمع أن يستمر إلى أجل غير مسمى، لكنه قد يستمر في كثير من الأحيان لفترة أطول مما نعتقد.
ر.أ: روبين، كيف يتناسب الحرس الثوري الإسلامي مع هذا؟ هل سيتطلعون إلى تعزيز موقفهم؟
روبين رايت: الأمر المثير للاهتمام حقاً بشأن خامنئي هو أنه لم يكن لديه قاعدة سلطة مستقلة عندما أصبح المرشد الأعلى. لذلك التفت إلى العسكريين. وكان ذلك نوعًا من العلاقة التكافلية منذ ذلك الحين. وينتهي الأمر بالعديد من قادة الحرس الثوري ليصبحوا من كبار مستشاريه. وأعتقد أن الحرس الثوري الإيراني، لأنه اخترق المجتمع والاقتصاد والسياسة وكل جانب من جوانب الحياة، سيكون له دور مهم.
التغيرات بدأت بمقتل سليماني والثورة الإيرانية انتهت مع مقتل رئيسي وعبداللهيان.