في استراتيجيات التحالف المتعددة الاطراف: البديهي ان تقوم الاطراف الحليفة لنجدة الحليف المتورط عسكرياً. وفي حالتنا تحديداً، هناك حلف طهران – دمشق- «حزب الله» – «حماس»، حلف «المقاومة المسلحة ضد «المشروعَين الاميركي والصهيوني في المنطقة». «حماس»، وهي طرف في الحلف «المقاوم»، تتعرض لهجمة اسرائيلية جوية وربما الآن برية. منطقياً، ماذا يفترض بالحلفاء ان يفعلوا؟ أن يشعلوا الجبهات المشتركة مع العدو، إستنزافاَ لطاقاته وتشتيتاً لخططه. أوَليس هذا ما تهدّد به ايران اميركا واسرائيل عندما تلوّحان بالحل العسكري ضدها؟ أن تشعل النقاط التي تسيطر عليها، مثل جنوب لبنان او غزة؟ اي ان يُردّ، استراتيجيا وتكتيكياً، على المجزرة الاسرائيلية ضد اهل غزة بفتح جبهة الجنوب تماشيا مع خطاب «أسياد المقاومة» بأنهم لن يلقوا سلاحهم الا بعد تحرير فلسطين. ثم ان تشتعل على جبهة الجولان «الممانعة» أيضا. فيثبَّت بذلك للعدو الصهيوني وللحكومات «الصامتة» و«المتخاذلة»، أن حلف «المقاومة» بقيادة طهران قادر فعلا على صدّ العدوان، بل تحويله «إنتصاراً»، تتمّة لـ «إنتصار الهي» سابق؛ وهذا اضعف الايمان للقلوب الدامعة على ضحايا غزة.
هذا هو المعهود في المعارك والتحالفات والاستراتيجيات. والحال اننا لسنا بصدد معركة، بل مجزرة. والمجازر مرحّب بها من كلا الطرفين: للاسرائيلي، المجزرة تستجيب لميول الاصوات الناخبة المؤيدة للعنف. وللطرف «الحمساوي» ايضاً، وحلفائه، المــــجزرة تؤكد على الحقيقة الضرورية حول بربرية الاســـرائيليين؛ فيتغذى بذلك حافز «الثأر» المعتمد لدى «المــــقاومين»، ويزيد عدد المنضوين تحت خيمتهم، فنبحر في العمليات الانتحارية وفي المزيد من المآسي والحروب… وتنتصر «المقاومة». (خالد مشعل تكلم في اول ايام المجزرة عن انتصار قريب لأن الوجه الحقيقي، الوحشي للعدو قد بان!…). مجزرة غزة تعزز فرص «حماس» الانتخابية، كما احزاب اسرائيل المتنافسة؛ حكام يحكمون بنسب القتلى. والفرق الوحيد هنا بين اسرائيل وحماس: ان المرشح الاســـرائيلي يتغذى على جثث الفلسطينيين، فيما «حماس» ايضا تتغذى على جثث الفلسطينيين! ولكن ليس الى حدّ لا نهائي: فـ«القاعدة» تترقّب. وقد تكون البديل الجديد لحلقات الثأر الاكثر فظاعة…
أمر التحالف واضحة معالمه. «حماس» في أدنى درجاته. صحيح انها، حسب صورتها عن نفسها، مقدسة تحمل قضية مقدسة لشعب مقدس؛ ولكن لا هي التي تقود التحالف او تخطّط او تبادر (حتى إعلاميا!). ولا هي تقرر الا في حدود ما يستطيع ان يقرره رؤساء البلديات. اما سورية فهي «الممر»، فيما «حزب الله» فبرهن عن قدرات تحيله أعلى درجة مما كان. فهو لم يتوقف عن التكرار منذ «انتصاره الالهي التاريخي» انه لن يستجيب لدعوات نزع سلاحه حتى لو حررت شبعا «وما بعد شبعا». فسلاحه وصواريخه يريدها ايضا من اجل فلسطين. لم يطلق الحزب صاروخا واحدا ضد اسرائيل بدعاوى لا يصدقها الا المصدقون سلفاً. والذي حصل شيء مختلف: المجزرة الاسرائيلية ضد اهل غزة مهدت لها، ثم رافقتها، حملة ايرانية منظّمة على مصر، بصفتها «المتواطئة» و«المتخاذلة»… واحيانا «العميلة». من شاهد منذ شهر تظاهرة ايرانية منددة بحصار غزة، (حصار غزة… أشدد)، ويقودها الرئيس الايراني نفسه احمدي نجاد، ومن انتبه فقط الى يافطة مرفوعة في هذه التظاهرة، يمكنه ان يستشف قليلا: اليافطة مكتوب عليها بالايرانية، ولكن يمكنك ان تقرأ منها كلمة «إعدام»؛ ومكتوب بالانكليزية ايضا حيث تقرأ (hang this guy) أي «اشنق هذا (الشخص)». وفوق الكلمات صورة الرئيس المصري حسني مبارك وعلى وسط جبينه نقطة حمراء تجسد اختراق رصاصة للجَبين. ومنذ الاشارة الاولى هذه، تدفقت التظاهرات غير الايرانية والمؤيدة لـ«المقاومة»، المعادية لمصر بمناسبة الاحتجاج على الحصار الاسرائيلي لغزة…
في هذه الاثناء، مصر هي الطرف الوسيط في مساعي التهدئة في غزة، بين «حماس» واسرائيل. وساطة صعبة، لأن اسرائيل مستمرة بحصار غزة وقتل ناشطين من «حماس» وغير «حماس». و«حماس» بدورها قسمت صف الفلسطينيين لأنها لا تؤمن الا بالسلاح وبـ«تحرير كامل التراب…». وإذ يستمر العنف الهمجي الاسرائيلي، فـ «حماس»، على قدر ما تستطيع، مستمرة بدمويتها ضد الاسرائيليين، وضد الفسطينيين المخالفين لخياراتها، بل الواقفين معها (راجع قراراتها الاخيرة حول قصر الشريعة على الحدود وتطبيق أقساها من بتر ورجم وجلد وصلب). «حماس» المنضوية في حلف «المقاومة» لا تريد بدورها السلام. عدم تمديدها الهدنة، وجوابها «الصامد» نفسه: لن نمدد فترة التهدئة الا اذا فككتم الحصار واوقفتم القتل. فيكون الرد المتوقع من الجميع؛ ويحصل المزيد والمزيد من القتل؛ وتوسع الاوركسترا منبرها. حملات مباشرة ضد مصر: يهجم المتظاهرون بأوامر على سفارات مصر في عدد من العواصم العربية؛ ويصرخ نصر الله للجنود المصريين ولملايين المصريين بان ينتفضوا ويرغموا بلادهم على فتح الحدود وتمرير ما يلزم من سلاح… وتشتعل المعارضة المصرية تظاهرا وتضامنا، مطالبة بالغاء الاتفاقيات السلمية وخوض غمار «المقاومة».
منذ شباط (فبراير) 2008، اقل من سنة بقليل، دخلت مصر على خط الزلزال عبر بوابة رفح وواقعتها: عندما حاول غزاويون محاصرون اقتحام بوابة المعبر بالقوة، وحدث ما حدث من دخول مسموح وعودة ومظـــاهر تأييد حزبية لأهل القطاع. الواقعة فتحت صـــفحة جديدة بين مصر وحلف «المقاومة». رفح هدية من التاريخ والجغرافيا لحلف «المقاومة» وحليفه المصري المحلي الكاره للنظام؛ أي «الاخوان المسلمين»، الاكثر تنظيما من بين كارهي النظام. لكن بماذا تطالب هذه المعارضة وشخصياتها الاعلامية؟ بدعم غزة بالمعنى الذي يقصده حلف «المقاومة»، أي ان تصبح مصر بالنسبة لـ«حماس» مثل سورية بالنسبة لـ«حزب الله»، ممرا للسلاح الايراني. بأن تدعم مصر مفهوم «الساحة» الغزاوية، كما «الساحة» اللبنانية «الطليعية»، مجالا جديدا مفتوحاً لصراع ايران مع اميركا واسرائيل من اجل هيمنة احداهما على «أقاليم المنطقة»؛ او تقاسمها بـ «العدل» الذي يحكمه التفوق الايراني الجديد. بل ربما لن تقف المقاومة عند هذا الحدّ. ضعف النظام المصري، وعدم قابليته للمـــبادرة، وعيوبه… كل هذا يسمح بالمزيد من الطمع. كتوسيع «الساحة» الغزاوية نحو مصر شمال سيناء مثلا. هل من أفق لهذا النوع من التطورات؟
dalal.elbizri@gmail.com
* كاتبة لبنانية- القاهرة
الحياة