بخطى حثيثة، تتّجه الشقّة بين فرنسا والبلدان الإسلامية نحو التقلص على المستوى الثقافي، وهو ما يجعل فرنسا تستحق عن جدارة لقب “الدولة الشقيقة”!
ولا يجوز للدول الإسلامية تركها في دائرة الدول الصديقة تصارع وحدها طواحين الأفكار المستوردة بعد أن تخمّرت وتبرقعت و تعدّدت الزوجات في مجتمعها. هذا المجتمع الذي تخلّص من التّعدّد بعد انتصار الجمهورية على الملوك الذين كانوا يعدّدون الزوجات، و ألقى بالحجاب، الذي لم يكن يبعد كثيرا في شكله عن النقاب، في متاحف التاريخ، بعد خوض معارك دامية ضدّ الكنيسة. لكن، وبعد مرور أكثر من قرنين من تحرّرها من ربقة الكنيسة والملوكيّة، عادت فرنسا إلى النقاشات البيزنطية التي تتطلب مفكرا في حجم المفكّر التونسي الطاهر الحداد أو المصري قاسم أمين لإخراجها من ورطة الحجاب والسفور وغيرها من الإشكالات التي بدأت تتراكم.
فقد أعلنت فرنسا من شهر تقريبا منعها لتعدد الزوجات في جزيرة “مايوت”، وهي إحدى “جزر القمر” التي بقيت تحت سلطتها. وهي تخوض اليوم صراعا ضدّ الأولياء الذين يزوّجون بناتهم غصباً، كما ناضلت من سنين، ودون تحقيق نجاح يُذكر، ضدّ ختان البنات وجرائم الشرف. ويُخشى أن تواجه عن قريب مطلب الحق في إرساء المحاكم الشرعية التي بدأت بعض الأصوات تنادي به.
وجدت فرنسا نفسها في موقع لا تحسدها عليه البلدان الإسلامية. ففرنسا تواجه تقاليد كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وتركيا والسنغال والهند وباكستان والصومال ومالي والتشاد…الخ، ويندر أن يواجه أي بلد منها هذه الإشكالات مجتمعة. ففيها من لا يعرف ختان البنات أو جرائم الشرف، وفيها من ألغى تعدد الزوجات من عشرات السنين، وهي بلدان متعودة على النّكسات و الرّدات، تتمتع بترسانة من فقه الحيل تجعلها قادرة، منهجيا على الأقل، على خوض معارك متكافئة في هذا المجال. أما فرنسا فهي تلجأ تارةً إلى النقل لتفتي في هذه الظواهر، وإذا لم يسعفها النقل تلجأ إلى العقل لتجتهد، فإن خذلها العقل تهرب إلى قانون الجمهورية. ويحصل أن يخذلها القانون اللائكي بدوره بسبب مبادئه المجردة التي تتّسع إلى الشيء ونقيضه، فتهرب إلى حياكة قيم على المقاس مثل “الكرامة” و”الأمن” اللتين أشهرتهما في وجه البرقع.
إنها ضريبة التطور والتوسع التي تدفعها أغلب الإمبراطوريات، وقد يحصل أن تكون سببا في القضاء عليها كإمبراطورية.
فحين استوردت فرنسا يداً عاملة كانت، وما زالت في حاجة إليها، لم ترَ فيها سوى عضوا مرتبطا بجسد أنهكه الفقر، همّه الوحيد إطعام نفسه وعائلته في البلد. و قد جاءها هذا الجسد في الأغلب مرتديا ثيابا أوروبية وناطقا بلسان فرنسي وإن داخله قسط من الرّكاكة. لم تفكر فرنسا في إمكانية ارتباط هذه اليد، بعد أن تشبع جسدها، بفكر يقودها إليه لسانها أو عقيدتها المشتركة مع أصحاب هذا الفكر، فتتخلى عن البنطلون لصالح السروال الأفغاني، وعن الفستان لصالح البرقع. وهو ما يؤكدّه جل المختصين في قضايا الهجرة الذين يرجعون سبب هذه المشاكل إلى عدم اجتهاد فرنسا بما فيه الكفاية لإدماج المهاجرين. غير أن تاريخ الإمبراطوريات يثبت أن الإدماج لا يضمن ضرورة الطاعة العقائدية والسياسية بل يمكن أن ينقلب على أصحابه.
وقد واجهت إمبراطورية العرب في أوجها تيار الشعوبية وخطر عجمنة اللسان العربي الذي كان سببا في بروز ما يسمّى بعصر التدوين، حيث تم حفظ اللغة العربية بتقعيدها في قوالب شبه رياضية يصعب المسّ منها. كما شنّت الإمبراطورية العربية صراعا شرسا ضد ديانات الشرق القديمة التي تسلّلت وانتشرت تحت غطاء الفلسفة الروحية والباطنية، وواجهتها بمدوّنة قواعد أرثوذكسية صارمة تحوّل كل من يخالفها إلى زنديق أو يتهم على الأقل باللاعقلانية. ورغم هذا المجهود الجبار انتهت اليد الشركسية والفارسية والتركية بالاستحواذ على السلطة.
لذلك يمكن تفهّم جهاد فرنسا وانكبابها، في قلب الأزمة الاقتصادية، على مقاومة ظواهر “الشعوبية” و تقاليد اللسان “الأعجمي” التي خرجت من قمقم اليد العاملة الإسلامية، خوفا من تحولها إلى اليد العليا في “بلاد الغال”، مثلما حصل للإمبراطورية العربية.
ألم نقل لكم إنها تستحق فعلا لقب دولة شقيقة؟
saloua.charfi75@gmail.com
أستاذة الإعلام و الاتصال بالجامعة التونسية
فرنسا دولة “شقيقة”!– في اواخر تموز – اي قبل اقل من شهر – اعلنت فرنسا على لسان “الساركوزي” (رسميا) الحرب على “القاعدة” .. وكالعادة تلقى الجمهور الامريكي الخبر كنكتة مضحكة .. وكالعادة ايضا فاءن (سوق) الاعلام وضع الخبر في هذا الاطار باستقراءه رد فعل (المستهلك) الجمهور (المتوقع : بدقة تتجاوز ال 100% في حالة فرنسا) … اذكر انه اتخذ قرار (فصل) مدرب الفريق الامريكي لكرة القدم في مونديال جنوب افريقيا قبل بدء المونديال , ولسبب واضح ومعروف للجميع , فكل مدرب لا يحضر الكأس في اي مباراة (دولية او محلية) يفصل ك(قاعدة) , وكذلك الامر في (الحرب) و(الانتخابات) .. ولذلك… قراءة المزيد ..