بيروت – من آمنة منصور
لا يقلل النائب السابق سمير فرنجية من اهمية الاستحقاق الرئاسي في لبنان، لكن صاحب عبارة «انتفاضة الاستقلال» التي اختزلت المعاني العميقة لما حدث في 14 مارس 2005، يعتبر ان وصول رئيس لـ«ادارة الازمة» لن يؤدي الى كبح جماح الحرب الاهلية «المعلقة» في لبنان، فالحل في رأيه يكمن في «انتفاضة سلام» تضع الجميع امام مسؤولياتهم التاريخية.
وفرنجية، الذي غالباً ما يوصف بانه «ضمير 14 آذار وعقلها» يقارب مسألة الترشيحات المعلنة او المكتومة داخل فريقه بالقول أن «صعوبة اتفاق 14 آذار على مرشح واحد لا تكمن في وجود أربعة مرشحين، بل وفق أي مقاييس؛ مقياس قوته أو مقياس امكان وصوله؟»، مشيراً الى أن «هذين المقياسين يعطلان بعضهما البعض».
سمير فرنجية، نجل حميد فرنجية أحد أبرز رجالات الاستقلال في لبنان، يؤكد لـ«الراي» أن «دورا بكركيا (البطريركية المارونية) هو اعادة تحديد رسالة المسيحيين في ضوء الربيع العربي وكيفية ترجمة هذه الرسالة في لبنان»، موضحاً «أنا لا أريد رئيساً قوياً بل رئيساً يعرف الى أين يتجه، صاحب مشروع، وقادرا على وقف ما يحدث»، معتبراً «أننا نعيش في حالة حرب أهلية معلقة ويمكن ان تصبح ساخنة في أي لحظة»، ومرجحاً ألا تتم الانتخابات. وفي ما يأتي نص الحوار مع فرنجية:
• تحدثتَ عن تحديين يواجهان لبنان في هذه اللحظة، وهما: عدد النازحين الذي بات يوازي نصف عدد سكان لبنان «وتورّط طرف لبناني ورّط طائفة بأكملها بجريمة ضد الانسانية». هل في معيار خوض الاستحقاق الرئاسي الدور أهمّ من الشخص؟
– الماراثون الرئاسي بدأ مع سؤال كبير حول حصول الانتخابات أو عدم حصولها. هناك جانب فعلاً غريب، فنحن بدأنا معركة انتخابية لا نعلم اذا كانت ستتم أصلاً. وهذه المعركة الانتخابية الأولى التي تجري وفيها الفريقان المتصارعان يملكان القدرة على منع حدوثها، بسبب النصاب، ما يجعلنا امام تعادل سلبي. وفي رأيي ان الاحتمال الأوفر حظاً ألا تتم الانتخابات في هذه الفترة. أما الاحتمال الثاني فهو أن تحصل صفقة خارجية تُترجم برئيس يدير الأزمة القائمة فيكون بذلك الاستحقاق الفعلي تأجّل وبقينا في ادارة أزمة على غرار الحكومة التي تشكلت.
والاحتمال الثالث وهو الأصعب بتقديري، ولا أعتقد أنه مطروح بعد، وهو أنه بسبب حجم الأزمة السورية وانعكاساتها على كل المستويات، تُطرح مبادرة انقاذ للبلد، لا انتخاب رئيس، ومن ثم ايجاد الرئيس الأكثر قدرة على تجسيد هذا الانقاذ. وهنا أفهم اقدام البعض على الترشح لتأكيد حضورهم كما فعل الدكتور سمير جعجع، فهذا أمر طبيعي. ولكن في ما يتعلق بالمسألة الانتخابية فأنا لا أراها الا في احتمالين: صفقة خارجية تُترجم محلياً أو وقفة ضمير في لبنان تقول ان البلد شارف على نهايته. فمع مليونيْ لاجئ سوري وأزمة اقتصادية خانقة وانقسام حاد، البلد لا يمكنه أن يعيش.
وعلاوة على ذلك، مع ادارة ودولة بهذا المستوى من الفساد والتدني والتخلف، فان التحديات المطروحة علينا أكبر منّا ولا يمكن لدولتنا تحمّلها. ففي لحظة لابد أن نتخذ القرار اما نترك البلد كما هو، أو نقول لابد أن نوقف هذه المسألة.
• في الطريق الى الاستحقاق الرئاسي هناك مؤشر حمّال أوجه؛ وفيه تشكيل الحكومة بعد أكثر من عشرة أشهر من التعطيل وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على تفاهمٍ خارجي ما يمكن أن يسحب نفسه على الاستحقاق الرئاسي، فيما قيل من جهة أخرى ان هذا التشكيل جاء بسبب احتمال الفراغ واستحالة اجراء الانتخابات الرئاسية. أي من الفرضيتين ترجّح؟
– لا شك في أن هناك اشارة ايجابية لكن محدودة جداً في تشكيل الحكومة. فهذه الحكومة برنامجها محدود، زمنها محدود، ووجود الفريقين فيها من الممكن أن يعطّل أي قرار يعتبر فريق أنه يضرّ بمصالحه. ورغم ذلك أعتبر أنها خطوة ايجابية لأنها أخرجتنا من الدوامة التي كنا فيها.
فريق «8 آذار» مهزوم لكن فريق «14 آذار» غير منتصر
والخطوة الثانية الايجابية هي ما حدث في طرابلس. لكن هذه الخطوات تبقى صغيرة جداً وغير حاسمة، فبالامكان في الغد تفجير الوضع مجدداً في طرابلس وتطيير الحكومة. فنحن لم ندخل حقبة جديدة من تاريخنا.
لا بد أن يمتلك المرء الجرأة الأدبية ليقول أنا أخطأت عندما كنت مقاومة … لبنانية أو وطنية أو إسلامية
وبالحديث عن السياسة الداخلية أقول ان فريق الثامن من آذار مهزوم، لكن فريق 14 آذار غير منتصر. هناك أمر قديم ينتهي، وآخر جديد لا يظهر. لا 14 آذار قادرة على الاستفادة من هذه الهزيمة ولا هي قادرة على طرح ما هو جديد. ففي لحظة لابد من القول ان هذه التجربة التي عشناها وتنتهي اليوم مع الوضع السوري ليست تجربة وحيدة في تاريخ لبنان. كل الأطراف في لبنان جرّبت حظها، ولابد أن يمتلك المرء الجرأة الأدبية ليقول «أنا أخطأت عندما كنت مقاومة لبنانية، وأنا أخطأت عندما كنت مقاومة وطنية، وأنا أخطأت عندما كنت مقاومة اسلامية». هذه الثلاث مقاومات أدخلت البلد في كوارث متتالية، وربما أزمة لبنان تكمن في أن هذه المقاومات الثلاث لم تأت معاً. كنا كسبنا قليلاً من الوقت ووفرنا بعض التعب.
هناك ضرورة لطيّ صفحة بأكملها، لأن اللبنانيين باتوا في رأيي في مكان آخر ولم تعد التعبئة التي كانت موجودة منذ سنتين وثلاث وأربع ممكنة. ومع سقوط الدولة وتراجُع المجتمع السياسي بأكمله، برز ما يوحي بشيء من الحيوية في المجتمع المدني، وقد لفت انتباهي في الفترة الأخيرة عدد من المبادرات كانت أوضحها مبادرة «كفى» المناهضة للعنف ضد المرأة والدعوة الى ماراثون على الدراجات الهوائية في طرابلس واللقاءات التي تتم حول ماضي الحرب. وأنا قرأت عن مؤتمر عُقد بدعوة من هيئة اسمها «لبنان الرسالة» جمعت ضباطاً من الجيش اللبناني تحاوروا مع ضباط من «القوات اللبنانية» تقاتلوا في مطلع تسعينات القرن الماضي.
كما أتوقف عند الرسالة التي وُجهت الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون وتشير الى التمييز الذي ينطوي عليه القرار 1701 لجهة انه يحمي حصراً أهل الجنوب، وتطالب بحماية كل لبنان من خلال نشر القوة الدولية (اليونيفيل) على كل الحدود. وهذه الرسالة وقّعها أشخاص لعبوا أدواراً مهمة وبينهم نسبة مهمة من الشيعة. وأنا من الموقعين عليها وفوجئت بأسماء كالسفير خليل مكاوي، السفير خليل الخليل، الوزير السابق صلاح سلمان.. وهي أسماء تدل على أن هذا الجيل أراد التغطية على النقص الحاصل في الجيل الأصغر سناً. وتالياً أقول ان هذه مناسبة لوضع كل الناس أمام خيار اما السلام أو استمرار دوامة العنف، وعدم اختزال الأمور بالصراع الذي كنا فيه.
اذا كانت المسألة سلاح «حزب الله» أؤكد أنه انتهى، فهو سلاح لم يعد قابلاً للاستخدام تماماً كما انتهى في وقت سابق سلاح الميليشيات، فباعت «القوات» سلاحها للصرب، ووليد جنبلاط رفض تسليمه حينها للجيش اللبناني فسلّمه للجيش السوري.
الآن سلاح «حزب الله» وضْعه كذاك السلاح وبات «بلا طعمة»، فهو يستخدمه في مكان يعلم أنه لن يربح فيه، اي باستعماله في سورية. هو يعلم أن هناك استحالة لتسلم بشار الأسد مجدداً سورية، وكل ما يتم هو تأخير سقوطه، ولكن بكلفة باهظة من البشر ونتيجتها معروفة. فكل ما يفعله الحزب هو كسْب الوقت، وبالتالي هذا السلاح انتهى ولا بد في رأيي من الدخول الى مرحلة ما بعد، لأن التحدي السوري بالغ الخطورة بالنسبة الينا.
وهنا يجب ألا يتم فهم كلامي على أنه ضد النازحين السوريين، فوجودهم في لبنان هو رغماً عنهم ويشكل تحدياً كبيراً لم يشهده التاريخ لجهة أن تأتي هذه النسبة من اللاجئين الى بلد. والآن التحدي عنوانه كيف تكون عندنا دولة قادرة على التعاطي مع هذه المسألة، وكيف تكون عندنا ادارة قادرة على التعاطي مع هذه المسألة. هناك تحديات كبيرة.
وفي رأيي أن الأزمة السورية ستعيد فرزنا فرزاً خطيراً في لبنان ليس على مستوى السياسة بل الأخلاق؛ ففي السياسة نختلف على أمور كتحرير القدس غداً أو بعد ثلاثة أيام، فيما اننا نتعاطى في ما يتعلق بالأزمة السورية مع جريمة ضد الانسانية. لا يمكنني القول انني أتفهم مَن يؤيد جريمة ضد الانسانية كلفت الى الآن نصف مليون قتيل في سورية وملايين النازحين والمهجرين. هذه المسألة أوجدت تحدياً كبيراً ولا أحد قادرا على الخروج منها. لذا القول بضرورة تأسيس شيء آخر داخلياً لنتمكن من مواجهة هذه المشاكل، ورئيس الجمهورية يكون خطوة على الطريق وليس حاسماً في مسألة لبنان؛ «فليأت من يأت» فليس شخصه الحاسم، بل هذا التوجه هو الحاسم.
• لطالما ساد اعتقاد بأن رئيس جمهورية لبنان يُصنع ولا يُنتخب، وفيما ينشغل العالم اليوم في مكان آخر، هل حانت الفرصة ليكون هذه المرة انتخاب الرئيس استحقاقاً لبنانياً؟
– في تقديري أناس كثر سيعطون اجابة سلبية من مثل أن هذا لم يحدث قبلاً وأنه «ما بيطلع بايدنا». وأنا آخذ كل ذلك في الاعتبار، لكن أريد الرد على هذا المنطق بالقول ان 14 مارس 2005 كانت أيضاً من سابع المستحيلات، اي القول «أخرج» لجيش سوري، ويخرج. فكما حصلت أعجوبة في العام 2005 يجب القيام بأعجوبة اليوم ستعطي روحاً لانتفاضة 2005.
نحن طرحنا هذه المسألة في مؤتمر 14 مارس 2012، الذي كان عنوانه «من انتفاضة الاستقلال الى انتفاضة السلام»، لكن جماعتنا في 14 آذار «رجعوا انحكموا» بقصة صراع سلطة ودخلنا في موضوع القانون الأرثوذكسي وسخافات من هذا النوع. سلام لبنان هو الذي يمنع الكارثة ويسمح لنا بالتعاطي مع الأزمة السورية، وهو الذي يعيد للبنان دوراً في المنطقة.
وفي طرابلس مثلاً، لفتني المجلس الاسلامي العلوي الذي يطالب بمصالحة، فهذه الخطوة تؤشر الى امكان حلّ مشكلة أكبر بكثير، هي بين العلوي والسنّي في سورية. وبالتالي هذا هو ميل الناس الى وقف المذبحة الجارية. صحيح أنها لم تتخذ عندنا طابع العنف الذي اتخذته في سورية، ولكننا نعيش في حالة حرب أهلية معلقة ويمكن ان تصبح ساخنة في أي لحظة. هل نستمر في العيش على هذا النحو أو نذهب الى شيء آخر؟ الاستحقاق الرئاسي في رأيي له فائدة واحدة وهو أن الناس كلها مستعدة ان تسمع، والمطلوب هو المبادرة بهذا الاتجاه والقول ان سلام لبنان يتحقق بهذا الشكل، وليحمل كل شخص في كل طائفة وكل بيئة هذا المشروع ويختلف مع مَن هو ضده في بيئته. لا يوجد بيئة طائفية مسالمة وأخرى عكس ذلك؛ التخلّف سمة مشتركة.
• نحن على مسافة قريبة من الاستحقاق الرئاسي الذي بات داهماً، و25 مايو لناظره قريب كما يقول الرئيس بري.. هل المزاج الدولي والاقليمي مرجح لاجراء الاستحقاق في توقيته ام اننا امام تمديد للأزمة في شكل أو بآخر؟
– المجتمع الدولي يدعو الى تهدئة الأمور في لبنان بانتظار ما سيحصل في الملف السوري والملف النووي الايراني. نحن في هذه الوضعية. وبالقاء نظرة على الصحف الأجنبية نجد أن اهتمامها بلبنان معدوم. لا اهتمام بلبنان الا اذا انفجرت سيارة مفخخة وتراها توجز الخبر في سطرين. لبنان خارج أي اهتمام، ونصائح كل السفراء هي بتهدئة الوضع وكسب الوقت وعدم ترك فراغ. وبالتالي بهذا المنطق لا بد من معرفة ماذا يريد الايراني. هل هو في الجو نفسه يدعو الى ترك الأمور معلقة أم أنه يريد استخدام لبنان لتحسين شروط مفاوضاته حول النووي؟ في هذه الحدود الرئيس الذي سيأتي سيكون في هذا الحجم. حجم لا يُظهِر انتصاراً لفريق أو هزيمة لفريق آخر. وهو سيأتي لا ليحلّ الأزمة بل ليدير الأزمة. أي سنعود الى صيغة عهد الرئيس سليمان في أوّلها، ادارة الأزمة لا حلها، أي صيغة الرئيس سليمان قبل اعلان بعبدا، اذا اعتبرنا اعلان بعبدا مرحلة جديدة.
ليس المطلوب من بكركي تعيين مَن يكون
رئيس الجمهورية
• لكن هذا خارج سياق المواصفات التي حددتها بكركي، اذ أنتم تحاولون الاشارة الى أن هذا المعطى يمكن أن يوصل الى رئيس تسوية، فيما بكركي تريد رؤساء أقوياء؟
– أقوياء بماذا؟ بأخلاقهم؟ ما معنى كلمة أقوياء؟ بكركي حين تجمع «أربع شباب طيبين» ولا تستطيع التوفيق في ما بينهم، ماذا تفعل؟ ليس المطلوب من بكركي تعيين مَن يكون رئيس الجمهورية، بل القول ان هناك دوراً للمسيحيين وعليهم تحمل مسؤوليتهم في هذه اللحظة تماماً كما تحملوها في العام 2000 مع اعلان بكركي، والقول ما المطلوب اليوم لانهاء الصراع الداخلي في لبنان. وكون المسيحيين ليسوا جزءاً مباشراً من هذا الصراع السني – الشيعي بامكانهم لعب دور. هذا هو المطلوب، فماذا يعني أن تجمع بكركي أربعة أشخاص لا شيء يجمع بين بعضهم البعض؟ ماذا يعني هذا اللقاء؟ أربعة أقوياء بماذا؟ اذا هؤلاء أربعة أقوياء ووضْع البلاد على هذه الحال؟ فاذا جمعنا أربعة ضعفاء في بكركي ماذا سيكون عليه الحال؟ ما هذه القصة؟ دور بكركي اعادة تحديد رسالة المسيحيين في ضوء الربيع العربي وكيفية ترجمة هذه الرسالة في لبنان.
• يكثر الحديث عن الرئيس القوي. وبين ما تريده 14 آذار وما يفرضه الواقع بأي رئيس ترتضي؟
– كما هو مطروح هناك 4 مرشحين لقوى الرابع عشر من آذار: الدكتور سمير جعجع، الرئيس أمين الجميل، الوزير بطرس حرب والنائب روبير غانم. هل من الممكن أن نصل الى مرشح واحد قوي وكيف؟ لا أعلم. هذا هو السؤال الأول. أما الثاني ففي حال توصلنا الى مرشح واحد هل من الممكن أن نوصله الى الرئاسة؟ وفي تقديري هناك صعوبة كبرى لأن الفريق الآخر قادر على تعطيل النصاب، وبالتالي نحن أمام سلسلة تحديات، لكن لا يظهر أبداً أين حلّها. من هنا أقول ان الميل الطبيعي، اذا راقبنا هذا الواقع من خارجه، أنه في حال تم انتخاب رئيس أن يأتي توافقياً، وبالتالي قدرته على العمل محدودة فيكون رئيس ادارة أزمة. في هذه الحالة في رأيي نكون تجاوزنا مرحلة دستورية دون أن نحلّ المشكلة المطروحة.
في «14 آذار» الاتفاق على مرشح، صعوبته لا تكمن في وجود أربعة مرشحين بل في الاتفاق عليه وفقاً لأي مقاييس؛ مقياس قوته أو مقياس امكان وصوله؟ وهذان المقياسان يعطلان بعضهما البعض. فاذا اعتبرنا الدكتور جعجع الأكثر تمثيلاً من الثلاثة الآخرين، وهذا واقع الحال، فوصوله أصعب من وصولهم لأنه الأقوى. هناك نوع من الحلقة المفرغة في هذه اللحظة الانتخابية لا أعرف كيف سنخرج منها.
أنا رأيي بمعزل عن اللحظة الانتخابية، حان الوقت لطرح توجه آخر قد لا يكون بالامكان ترجمته انتخابياً. أنا لا أربطهما في شكل مباشر، لكن هذا التوجه يضع كل الأطراف أمام المسؤوليات ومن الممكن أن يؤسس لحركة أخرى في البلد في السياسة. وفي رأيي أن شعار سلام لبنان هو التحدي الفعلي الذي من الممكن أن توجهه «14 آذار» للآخرين.
اليوم مَن سيقول انه ضد سلام هذا البلد سيعاني باعتقادي في بيئته من مشاكل. ففي البدء كانت هناك بيئات حاضنة والآن لم يعد هناك أي بيئة حاضنة للعنف. في فترةٍ معيّنة اعتبر «حزب الله» أن البيئة الشيعية هي المميزة وأنها أشرف الناس، وتبين اليوم أن بين اللبنانيين مساواة استثنائية في رفض لعبة العنف وهذا أمر جديد حصل في هذه الفترة، وربما تورُّط «حزب الله» في سورية أحدث هذا التحول.
• تتحدث عن اللحظــــة الانتخابية، دائماً ما يجري الحديث عند كل استحقاق انتخابي عن حصة للداخل والخارج. ربطاً بالذاكرة التاريخية للاستحقاقات الرئاسية وكيف يُصنع الرئيس في لبنان، هناك انطباع بأن أي صفقة سعودية – ايرانية عبر الـ «5+1» يمكن أن يكون لها الكلمة الحاسمة في مصير هذا الاستحقاق اذا عطل التعادل السلبي المعطى اللبناني؟
– لا شك أن هذا باب مطروح، لكن أقول انه في أحسن حالات هذا الباب سيأتي برئيس يدير هذه الأزمة لا أكثر ولا يحلّ مشكلة. نحن اليوم بحاجة الى أكثر من ذلك، بسبب خطورة الاوضاع التي نعيشها وحجم الأزمة السورية وحجم تداعياتها على الوضع اللبناني. هذه ادارة أزمة باتفاق سعودي – ايراني، مجتمع دولي – ايراني، أميركي – ايراني، ممكن.
لكن دعيني أقول أيضاً ان كل المحاولات لحلّ الأزمة السورية بهكذا نوع من التوافقات لم تنتج شيئاً الى الآن، فمن الممكن أن يكون ذلك فتْح باب وهمي لحل الأزمة، في حين أن أي مبادرة بالداخل تشكل عامل ضغط على الخارج، اذ لا يجوز أن يستمر اللبنانيون في قراءة الصحف وتحليل الأوضاع الدولية لبتّ مصيرهم، فهذا وضع لم يعد مقبولاً، وأساساً في 14 مارس 2005 لو أخذنا في الاعتبار رأي الدول الخارجية لما نزلنا الى الشارع لأن موازين القوى كانت لمصلحة سورية. وأريد أن أذكّر بأن تظاهرة 8 مارس 2005 (نفذها «حزب الله» وحلفاؤه تحت شعار «شكراً سورية») اعتبروها حاسمة، وعندما تمت تظاهرة 14 مارس فوجئوا بالحشد.
في رأيي، اذا طُرحت فكرة هذا السلام، ستتم عليها انتفاضة. لأن الناس شبعت، ووضْعها صعب جداً، وما من بيت الا ويُبحث فيه مصير الأولاد اذا كانوا سيبقون في لبنان أو يهاجرون، وفي كل المطاعم والمتاجر تأكيد على أن الحال صعبة جداً. نحن وصلنا الى لحظة الحقيقة، التي ستضعنا جميعاً أمام مسؤوليتنا. فهل نكمل في «طق الحنك» أو نوقف هذا الانهيار؟ وفي رأيي لا بد من مبادرة لبنانية.
• بالحديث عن الرؤساء السابقين، اعتُبر أقوى رئيس جمهورية أضعفهم فؤاد شهاب، وأرقاهم وأكثرهم عراقة الرئيس الياس سركيس؟
– للأسف هناك منطق عشائري في الطائفة المارونية مخيف، اذ هل القوي هو الذي يرفع صوته أكثر؟ فؤاد شهاب كان رجلاً مهذباً لا يعلو صوته. وهو كان في رأيي أفضل رئيس في لبنان. هذا المنطق للأسف، اي استخدام كلمة قوي مضر جداً. فأنا لا أريد رئيساً قوياً بل رئيساً يعرف الى أين يتجه، وصاحب مشروع، وقادرا على وقف ما يحدث. هل قوي تعني القوي بشعبية الناس؟ هذه المسألة تعيدنا الى موضوع بكركي التي عليها أن تجمع الأربعة وغيرهم على فكرة ما رسالة هذا البلد، وما رسالة المسيحيين. نحن نحمل كمسيحيين لبنانيين مسؤولية مسيحيي سورية ومسيحيي العراق. لا يجوز أن نكمل في صراعات. عندما سمعتُ كلام ميشال عون شعرتُ وكأننا عدنا فجأة الى حرب الالغاء (مع «القوات اللبنانية» العام 1990) وكأنه سيصل الى حد القول مَن معه حق ومَن لا، «خلصنا من هذا المنطق».
أساساً اذا لم تقم بكركي بذلك فهي تفقد دورها. فدورها ليس في هذه الأمور. دورها الذي اتخذته على صعيد وطن أخذته بسبب حملها هموم كل اللبنانيين لا عموم المسيحيين. فعندما طلب البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صــــفير في العام 2000 انسحــــــاب الســــــــوريين من لبنان لم يطلب انسحابه من المناطق المسيحية فقط، بل من كل لبنان. فهو اعتبر أن الوحدة الاسلامية – المسيحية هي الأساس، وهذا ما كان يكرره في كل لقاء معه، والسوري فهم هذا الأمر ولذا عمل في تلك الفترة على منع أي لقاء اسلامي – مسيحي.
ولقاء «14 آذار» يشكل أعجوبة، اذ للمرة الأولى لا يمكن لأي أحد أن يقول «أنا الذي حققته». هذا أول انجاز في تاريخ لبنان لا يوضع في خانة أي طائفة. فبالنظر الى كتاب تاريخ لبنان، يمكن القول ان فكرة لبنان هي فكرة فخر الدين أي فكرة درزية، وفكرة لبنان الكبير مارونية، وفكرة الاستقلال فكرة مسيحية – سنية، وفكرة تحرير الجنوب شيعية. أما انتفاضة 14 آذار ففكرة لا توضع في خانة أحد. هذه أول خطوة لبنانية، الكل ساهم فيها.
اليـــــوم نســـــأل ماذا يريد المسيحيون؟ مثل القــــانون الأرثوذكـــــسي الذي يـــــقوم على انتخاب كــــل طائفـــــة لممثــــليها ونعـــــود الى نظام الملل في القرن التاسع عـــشر؟ هناك ما لا علاقة له بواقع الحال. لذا المطلوب من بكركي اعادة تحديد الرسالة المسيحية والخروج من هذا التقوقع.
العماد قهوجي: “ليهتم بأموره”!
• ماذا عما بات على طريق اعتباره عُرفاً باختيار قائد الجيش رئيساً للجمهورية كأهون الحلول درءاً للفراغ؟
– قد تكون هذه النقطة السيئة الوحيدة في تاريخ فؤاد شهاب، حيث أعطى انطباعاً بأن أي قائد للجيش قادر على أن يكون رئيس جمهورية صالحاً، رغم التجربة الكارثية التي مررنا بها مع اميل لحود. في رأيي لا بد أن يعود كل شخص للاهتمام بأموره.