طرابلس (شمال لبنان): سوسن الأبطح
لا تزال بعض أحياء مدينة طرابلس الشمالية، تعيش تحت صدمة المعارك التي اندلعت بين الجيش اللبناني وعناصر من تنظيم «فتح الإسلام»، تم اكتشافهم مع أسلحتهم الحربية داخل شقق استأجروها وسط مناطق سكنية. وإن كان الانطباع الأول لدى سكان هذه الأحياء، هو ان المعارك التي اندلعت يومي الأحد والثلاثاء الماضيين، كانت تدور بين جيشهم الوطني وتنظيم فلسطيني (يضم عناصر عربية)، اقتحم أحياءهم، فإن الصورة سرعان ما انقلبت بعد اكتشاف لبنانيين (طرابلسيين)، بين القتلى، يجهل المقربون منهم بانتمائهم الى هذا التنظيم. وتقول إحدى قاطنات حي الزاهرية الذي دارت به الاشتباكات، انها بدأت، الآن فقط تفهم بعد مرور ثلاثة ايام، سر جرأة هؤلاء، وقيامهم، بعمل حاجز في شارع رئيسي، وتوقيفهم للمارة، ومنعهم من ارتياد الحي، وتصرفهم على انهم من اهل الدار. أما في شارع المئتين فالتساؤل هو عن تواطؤ طرابلسي في ما حصل، سمح لعناصر «فتح الإسلام» باستئجار شقق اربع وإدخال كميات هائلة من السلاح إلى عمارة سكنية دون أن يلحظهم احد. والسؤال الكبير هو ما نسبة اللبنانيين الذين انضموا الى التنظيم وشكلوا له دليلاً إلى المدن اللبنانية واحتضانا أيضا.
يقال لك في الأوساط السلفية الطرابلسية أنهم (أي سلفيو المدينة) ينقسمون إلى قسمين: منخرطون (وهؤلاء قلة) ومتعاطفون (وهم بالآلاف). والمتعاطفون لا يوافقون بالضرورة على نهج التنظيم لكنهم يتفهمون دوافعه. ويؤكد هؤلاء ان التحاق لبنانيين بفتح الإسلام تزايد بشكل ملحوظ مع تصاعد حدة المعارضة الشيعية، وإحساس السنة بالخطر واليتم السياسي، لا سيما بعد نزول المعارضة إلى الشارع وتهديدها بإسقاط الحكومة. وتسمع في الأوساط السلفية الطرابلسية ايضا ان العديدين في تلك الفترة بدأوا يسألون عن فتح الإسلام، وصوابية الالتحاق بهم، وان قيادة التنظيم بكلامها المعسول، وخطابها الأخلاقي الديني، شكلت ملاذاً لهؤلاء الذين كانوا يشعرون بالاستفزاز، لا من سلاح حزب الله وحده، بل من تسارع التسلح بين فئات لبنانية عدة. وطرح سؤال حينها: «لم اهل السنة وحدهم يحرم عليهم ما يباح لغيرهم».
وما يقال بصوت خفيض احياناً، يجهر به مؤسس التيار السلفي في لبنان، داعي الإسلام الشهال، مؤكدا انضمام لبنانيين إلى التنظيم لأسباب عديدة منها: «شعور الطائفة السنية بأنها مستهدفة ومهمشة، وبلا غطاء سياسي او ولاءات إقليمية، وحين تخطئ تعاقب بقسوة، ولا بأس بتقديم بعض ابناء الطائفة قرابين لهذه الجهة الخارجية او تلك. هناك من انضم إلى فتح الإسلام، والوف مؤلفة غيرهم تشعر بالغبن، فيما الفئات اللبنانية الأخرى محمية الظهر لا تحاسب أو تعاقب إن هي أخطأت». ويضيف الشهال «لا أعتقد ان اللبنانيين المنخرطين في فتح الإسلام كثر، لكن التعاطف موجود بالتأكيد. وما يسمى بالأصولية امر واقع، والمد الإسلامي يكبر ولا يصغر، واستئصاله على الطريقة التركية او الجزائرية لا يعطي نتائج، ولا حل سوى بالحوار والاستيعاب والإنصاف. الإنصاف يحل ثلاثة ارباع المشكلة، والاختلاف الايديولوجي هو ربع المشكلة فقط. لو دمرنا فتح الإسلام، ماذا نفعل بـ«عصبة الأنصار»، و«أنصار الله» و«جند الشام»، وآخرين. هل الحل هو بذبح الناس جميعاً أم بأن نملأ السجون»؟
يروي الشهال انه تدخل شخصاً عندما أعلنت «فتح الإسلام» عن ولادتها، لأن «خشيتنا كانت، أن يستخدموا كاداة بأيدي السوريين، أو ان يقوموا بضرب اليونيفيل، ونصحناهم انا وغيري بغير ذلك، وابدوا استجابة. نعم هناك أفكار لا نوافقها عندهم، لكن لا بد من حوار، عصبة الأنصار كانوا حالة صعبة ايضا، الآن تغيروا وفهموا». الشيخ هيثم السعيد، يعرف قيادات فتح الإسلام عن قرب، وهو اليوم مسؤول ضبط وقف إطلاق النار في مخيم نهر البارد الذي شهد في الأيام الأخيرة معارك شرسة بين «فتح الإسلام» والجيش اللبناني، ويقول ان النسبة الأكبر من المقاتلين، هي من الفلسطينيين ذوي التابعية اللبنانية والسورية الأردنية يليهم اللبنانيون ومن ثم الجنسيات العربية الأخرى على أنواعها. وقيل تكرارا ان ثمة مقاتلين من المغرب العربي وعراقيين وسعوديين ويمنيين، وتحدثت الدولة اللبنانية عن متسللين سودانيين من سورية في الأيام الأخيرة.
(نقلاً عن “الشرق الأوسط”)