هل يجوز، باسم محبة شعب لبنان، ان نستورد اطباء من الخارج، لأن ذلك قد يخفض أسعار الطبابة؟»، سؤال وجهه رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود الى الحكومة، وتحديداً الى وزير الاقتصاد سامي حداد “غير المقتنع” بالاجراءات الحمائية. وهذا السؤال فيه الكثير من الأبعاد، فبحسب عبود تخضع العديد من القطاعات للإحتكار، لأسباب “سياسية”، إلا أن الدولة لا تتحرك في تعميم المنافسة الا على الصناعة، معتبراً أن الصناعة أصبحت من ضحايا الليبرالية المطلقة!
رشا أبو زكي
“من الملفت للنظر أن تصدر المراسيم التنفيذية لقانون حماية الانتاج الوطني بعد سبعة سنوات من قرار لبنان فتح التنافس في السوق وازالة الرسوم الجمركية الحمائية، وبعد أكثر من خمس سنوات من تطبيق اتفاق تيسير التجارة العربية”… فهذا التأخير في اصدار المراسيم التنفيذية للقوانين، أصبح بروتوكولاً لبنانياً معتمداً لتأخير الإجراءات غير المرغوب بها، واعتبر رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود في مقابلة مع “الأخبار” أن هذا الموضوع دليل على أن السياسات الإقتصادية المتبعة تريد إلغاء القطاع الصناعي … وتهجيره.
وهذا نص المقابلة:
تاخير المراسيم التطبيقية
هل قانون حماية الانتاج الوطني قابل للتنفيذ؟
– إن الاهم في قانون حماية الانتاج الوطني هو تحديد الآليات لمعرفة من يستحق ومن لا يستحق الافادة من القانون. وهذا موضوع مطاط. إذ يوجد اشكالية تتعلق بموضوع وضع الإجراءات الوقائية نتيجة زيادة الواردات، لأن القانون يقول انه إذا قام المصنع بخفض أسعاره خلال فترة زيادة الواردات، يعاقب بعدم الحصول على اجراءات وقائية. لكن الاتفاقات الدولية وعلى رأسها منظمة التجارة العالمية تقول أنه اذا ادى ازالة الرسم الجمركي الى زيادة الواردات فمن الممكن أن يضع البلد رسم جمركي لفترة محددة. ولكن في لبنان تم الغاء الرسوم الجمركية في العام 2000 و2002، وقد صدرت المراسيم التنفيذية للقانون الآن أي بعد 7 الى 5 سنوات من إلغاء الرسوم، أي أن المصانع اضطرت الى خفض أسعارها لكي تؤمن استمراريتها، لذلك كان يجب دراسة زيادة الواردات بعد ستة أشهر من صدور القانون، وندعو الى معالجة هذه الثغرة بالسرعة المطلوبة.
ما هي الفترة التي حددتها المراسيم التنفيذية للقانون لدراسة زيادة الواردات؟
– لم يوضح القانون هذا الموضوع على ما اعتقد. ونحن لم نطلع بعد على المرسوم التنفيذي كونه لم ينشر بعد في الجريدة الرسمية، ونتمنى أن يكون المرسوم قد وضع بطريقة صالحة للتنفيذ… إذ كان يجب أن ينفذ قانون التنافس بالتزامن مع توقيع لبنان على اتفاقية التيسير. كما ان المراسيم التنفيذية لقانون حماية الانتاج كان من المفترض أن تصدر بعد 60 يوم من اصدار القانون، أي منذ نحو السنتين، وهنا نرى أن موضوع حماية الانتاج الوطني ليس أحد هموم المسؤولين.
ضحايا الليبرالية
هل يوجد دراسة لعدد السلع ونوعها التي ستفيد من هذا القانون؟
– تتم الدراسة من خلال وزارتي الصناعة والاقتصاد، وتدرس وزارة الإقتصاد نحو 9 ملفات تتضمن سلعاً تطلب الحماية، وكان يوجد ملفات عدة ردتها وزارة الاقتصاد كونها غير جديرة بالاجراءات الوقائية، بحسب رايها، وقد تحولت هذه الملفات الى وزارة الصناعة التي تقوم بدراستها. ولكن يوجد مصانع عدة لا تتشجع للمطالبة بالاجراءات الوقائية، لعدم ثقتها بهذا الموضوع، وخصوصاً أنه يوجد تسويق بأن هذا القانون ضد المواطن، وبالتالي ما يطرحه وزير الاقتصاد سامي حداد في شعار “حب لبنان حب شعبه” وليس “صناعته”، يجب أن يترجمه الوزير عملياً. فلبنان يطبق التنافس الحر بشكل مباشر وصريح باستنسابية، فجميع الدول تترك الصناعة في آخر سلم التنافسية، اما نحن فبدأنا بالصناعة. فاذا اردنا ان “نحب” شعب لبنان، يجب القضاء على الاحتكار في عدد كبير من القطاعات. ونحن نرى أن التنافس المحصور بالقطاعات الانتاجية وتحديداً بالصناعة، يجعلنا ضحايا الليبرالية المطلقة.
هل تم تبيان عدد المصانع التي يحق لها الإفادة من هذا القانون؟
– نحن على قناعة بأن ما يحدث في القطاعات الانتاجية غير عادل، ويوجد من ينظر الى الصناعة المحلية نظرة كره وعدم ايمان. فالسعودية تمارس الحماية على صناعتها وكل السلع المنتجة محلياً يمنع استيرادها. أو تضع رسوماً مرتفعة على الاستيراد. ونحن قبل الدخول في تفاصيل أحقية افادة المصانع من الاجراءات الحمائية او عدمه، نرى أن جميع الدول العربية تقوم بدعم اكلاف انتاجها. ونرى أن الدول الأوروبية تضع اجراءات وقائية على صادرات الدول العربية وخاصة الصناعات التي تستخدم فيها الطاقة المكثفة. وقد كانت الحكومة مصرّة على تشجيع التصدير وكنا نعتقد انها تريد تصدير السلع ولكن ما اتضح أنها تريد تصدير البشر. ويقول البعض أن المغتربين يحولون نحو 6 مليارات دولار سنوياً الى لبنان، ولكن لو كان هؤلاء جزء من تنمية لبنان، قد تؤمن مشاركتهم في الانتاج الوطني أضعاف المليارات الستة هذه.
احتكار… وتنافس
ولكن ما دليلكم على أن الاجراءات الوقائية لن ترفع الأسعار؟
– في هذا الموضوع، أنا أحترم الوزير حداد، كونه يتكلم بما يؤمن به، وهو لا يخفي قناعاته، وهذا في الاقتصاد ميزة، ولكن هل يعقل اعتماد الاستنسابية مع مصانع وقطاعات محظوظة، أصحابها على علاقة جيدة مع السلطة ويستطيعون أخذ رسوم جمركية مرتفعة على ما ينتجونه، من النبيذ والمياه والفروج والاسمنت وكابلات الكهرباء وغيرها من الصناعات؟
. أما دليلنا في شان أهمية الاجراءات الوقائية، هو ان جميع القطاعات المحظوظة المحمية، تنتج أفضل الصناعات في لبنان والعالم، وتتمتع بأسعار تنافسية ليس في لبنان فقط بل في المنطقة كذلك، وخصوصاً صناعة الكابلات والاسمنت، كما ان صادرات النبيذ تزيد اكثر من 20 في المئة سنوياً، وهذا دليل على أن الاجراءات الحمائية تنفع القطاعات والاقتصاد الوطني، ولا تنتج زيادة في الأسعار. وهنا أقدم تجارب ناجحة فليتم تعميمها. ومن جهة اخرى، نحن في بلد اقتصاده حر، وعندما تتواجد صناعة تحقق أرباح كبيرة، فذلك يشجع رجال الأعمال والمستثمرين على التوجه لانشاء مصانع لانتاج هذه الصناعات، ما يخلق تنافس في هذه الصناعات المحمية، كما انه “عيب” على بلد مثل لبنان أن يتكلم عن “تنافس شرس” في القطاعات الانتاجية، وتبرر الاحتكارات في القطاعات التجارية والمهن الحرة والقطاعات العامة والخاصة والقطاع المصرفي والتأمين… فهل باسم محبة شعب لبنان علينا استيراد اطباء ومحامين من الخارج بمبرر أن ذلك سيخفض أسعار الطبابة وأكلاف المحاماة … وهل التنافس في محبة شعب لبنان هو محصور في القطاع الصناعي الذي يؤمن فرص العمل ويعمل فيه 140 ألف لبناني بحسب احصاءات وزارة الاقتصاد؟ هنا لا يوجد عدل بل استهداف للقطاع الصناعي تحديداً.
أكلاف الانتاج
هل ستستمرون بالمطالبة بدعم أكلاف انتاجكم؟
– تاريخياً كان يتم اعتماد مبدأ خمسة على تسعة في توزيع الكهرباء، إذ أن المنازل كانت تدفع 9 قروش ثمن كيلووات الكهرباء في حين تدفع المصانع خمسة قروش، ونحن لا نطلب سياسة تسعير للكهرباء قريبة من التسعيرة المعتمدة في الدول المجاورة. ونحن لا نطلب الدعم، بل اعتماد سياسة اقتصادية تتناسب مع مصالح القطاعات الانتاجية، فعندما وقعنا اتفاقات تجارية حرة مع دول تدعم انتاجها، كان يجب أن نشترط عليها أننا سنضع اجراءات وقائية على صادراتها الى لبنان. لكن السياسة الاقتصادية في لبنان تعاقب القطاعات الانتاجية… وأكلافنا غالية لأن المرفأ والمطار غاليين ولأن الكهرباء ورخصة البناء ومصاريف تخليص البضائع والنقل والإحتكارات ترهقنا، وتقول الدولة أنها لا تستطيع معالجة هذه المشاكل، لأسباب سياسية وماوارئية وغيرها، والحل لديها هو أن نتنافس مع الدول الأخرى التي لا تملك هذه المشاكل وتدعم أكلاف انتاجها، وهذا منطق ضد الشريعة وضد الانسان وضد الوطنية وضد المنطق المجرّد. ويقول الوزير حداد أن هذا واقع الامر ولن يتغير فهاجروا من لبنان، وقد أستفاد من هذه النصيحة مئات رجال الأعمال والصناعيين. ولكننا نرى أن هذه السياسة على المدى المتوسط والطويل ليست لمصلحة لبنان.
لماذا لم تستفيد المصانع من خفض التعرفة الكهربائية؟
– لأن 7 في المئة فقط من المصانع في لبنان تفيد من هذا الإجراء، الذي كان يجب ان يطبّق على ساعات الذروة. وهنا السؤال: هل نقطع الكهرباء عن المصانع في ساعة الذروة ونرفع سعر التعرفة، ونضيء بها مدينة بيروت؟
. أنا اريد ان اخلق فرص عمل وليس قطع الكهرباء عن الناس، ولكن كل دول العالم تعطي الأولوية في التغذية الكهربائية للمصانع بعد المستشفى والمدرسة والفندق والجامعة وأخيراً المنازل. ونحن هنا ولأسباب انتخابية نبدأ بالمنازل.
تعميم مصرف لبنان
ماذا حصل في تعميم مصرف لبنان حول تمويل المصانع المتضررة؟
– لم يفد أي مصنع متضرر من تعميم مصرف لبنان الذي نص على أن يتحمل أصحاب المصنع المتضرر 20 في المئة من قيمة الأضرار، ويقوم المصرف التجاري بتمويل 20 في المئة بفائدة ميسرة، فيما تقوم الحكومة بتمويل 60 في المئة تسدد الى المصارف بواسطة سندات خزينة … فكل المصارف التجارية لم تبدأ بتنفيذ التعميم بحجة ان آلياته غير واضحة، والواقع انه بعد مرور اكثر من سنة على تضرر المصانع، لم يحصل أي تحرك في هذا المجال. وعلى المصرف المركزي أن يتحرك لمعرفة سبب عدم التزام المصارف التجارية بالموضوع، ونحن على ثقة بان المصرف المركزي يريد الدعم، ونحن لم نيأس بعد. والتعميم لا يلزم المصارف بقبول الطلبات. وندعو الى معالجة هذا الموضوع.
هل حصل توظيف سياسي للمهرجان الذي حصل حول هذا التعميم؟
– كلا، فمصرف لبنان لم يعدنا مرة ولم يف. ونعتقد أن هذا التعميم سينفّذ.
هجرة المصانع
هل فشلتم في اجبار الحكومة على تطبيق خطة بيار الجميل الصناعية؟
-الحكومة لم تطبق الكثير من بنود الخطة، وبعد استشهاد الوزير بيار الجميل أستطيع القول اننا نفذنا 5 في المئة فقط من الخطة. ولدينا 95 في المئة، وأسمي هذا الموضوع بدء الطريق وليس الفشل. ولكنني لا أنكر بعض ما قامت به الحكومة من أجل الصناعة، حيث تمت معالجة بعض المشاكل المتعلقة ببعض المواد الخام لزوم بعض الصناعات وخفض تعرفة الكهرباء. وأشكر وزير المال جهاد أزعور الذي عالج بعض المشاكل، والذي أعطانا تمويل لكي نقوم بدعايات وتنمية صادراتنا ضمن بروتوكول وقعه مع وزارة الصناعة. ولكنني أعتقد أن أسباب اهمال الدولة للقطاع، هو قناعة بان مستقبل لبنان سيكون أفضل من دون صناعة، وانا دوري أن أحارب هذه القناعة.
ما هو عدد المصانع التي هاجرت؟
– ليس لدينا احصاءات دقيقة حول الموضوع، ولكن العديد من المصانع خفضت انتاجها في لبنان، واتجهت الى الانتاج خارجه وخصوصاً في الصناعات الغذائية ومساحيق التنظيف والبلاستيك والتوضيب. وحجم هذه المصانع لا بأس به. كما أن الاستثمار بالقطاعات الصناعية قد انخفض كثيراً.
الأخبار