أود الإشارة إلى أن هذا النص يستند إلى مسّودة لمحاضرة، قدمها باحث الإسلاميات الألماني غونتر لولينغ Günter Lüling في سبتمبر 1985، أثناء مشاركته في ندوة دراسية، أقامتها جامعة كامبرج. وهذه المحاضرة بدورها تلخيص لأهم أفكاره التي سبق له وأن نشرها في كتابين أولاهما (حول القرأن القديم
Über den Ur Quran1974)
وثانيهما:(إكتشاف النبي محمد ثانية
Die wieder Entdeckung des Propheten Mohammed 1981)
اللذين أثارا بعيد صدورهما سخط ورفض واستنكار الأوساط الأكاديمية، ومعاهد دراسة الإسلاميات في أوروبا ، ثم تحوّلا مع مرور الزمن إلى مرجعيّن كلاسيكيين، يُشار لهما بالبنان، خصوصاً من باحثي الإسلاميات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. ورغم ما يؤخذ على الكاتب من شطحات، لكنه امتلك نظرة ثاقبة وإحساساً مرهفاً، مكنّاه من التوغل وبلوغ المناطق المعتمة في ديانات التوحيد واستطلاع لحظات نشوئها. وهذا مثل للبعض، عصيانا وخروجا على الأنماط الأكاديمية والمدرسانية السائدة، مع أنه والحق يقال لم يبتعد قيد أنملة، عن ميدان المدرسة الفيلولوجية الألمانية، وقواعدها الصارمة. وبرأيي المتواضع، فإن إشراقات الرجل، ولمحاته الكتابية تنبع أيضاً من حبه لتراث المشرق العربي وولعه بنسيجه الحضاري، ومن المؤكد أن ولادته في سوريا عام 1928 وسط عائلة تبشيرية، ثم عمله في “معهد غوته” في حلب، قد منحه فرصة ثمينة للتعرف على مكنونات الشرق وتقاليده (إضافة للحمص والفلافل)، ومن جهة أخرى شكّل أرضيّة لكراهيته ومقته حضارة الفرد الإستهلاكي.
لقد سعيت إلى تقديم الرجل كما هو، أملا في كسر حلقة الشيطان المقفلة، وفتح آفاق جديدة للرؤية. وآثرت (ما أمكن) أن أقتبس منه أفكارا كاملة، وفق لغته المسهبة، مع إلتفاف مقصود على بعض التعبيرات الحادة، والغريبة عن مناهجنا ولغتنا (المدلسة والمداهنة). وأشير أيضاً إلى أني فتحت أقواساً عديدة، تضمّ بين دفتيّها، مشاركة جديّة، لإشباع النص بوفر من التساؤلات والإيضاحات، والإعتراضات؟ آملا أن لا يرفع أحدَ السيف، ويطالب بتوّبة نصوحة، فالقضية لايمكن إختزالها بإنكار معلوم من الأديان؟؟ المسألة أكبر من ذلك بكثير؟؟ فتاريخ أديان التوحيد برأي الكاتب أشبه بألغاز!! تختفي وراء بدايات معتمة ومجهولة، وتقبع خلف جدران من الأسطرة، شيدتها الدوغمات الثلاثة، مما سبب إغلاقا لمنافذ الرؤية!! من هنا فإن نظرية لوليغ تقوم أساساً على تلمس تلك الفجوة في الموروث الكتابي والتي يبلغ متوسطها 200سنة، وهي مقدارالزمن الفاصل بين وفاة مؤسس العقيدة، وبين نشوء النصوص المقدسة القانونيةCanon).
ينطلق لولينغ، من أن “اليهومسيحية” كانت الأساس لنشوء الإسلام. فخلال القرون المبكرة للمسيحية، حدث إنشقاق مهم، أنتج تيارين رئيسيين، أولاهما تيّار إرتبط بالهلينية الرومانية، وقاده بولس الرسول وأثمر عن ولادة الكنيسة المسيحية، التي انقسمت فيما بعد إلى كنائس متعددة. أما التيار الثاني فقد أنتج يهومسيحية كان من أهم ممثليها الطائفة الأبيونية، التي تؤمن بإله واحد، منزّه من الأقانيم الثلاثة، وترفض عقيدة الألوهية ليسوع، وتنظر إليه كأحد الملائكة الكبار الذين إختارهم الملأ الأعلى، وألبسهم الجسد المسيحي لإيصال رسالة الخلاص. ومن أهم ميّزات العقيدة الأبيونية إلتزامها بشعيرة الختان اليهودي، إلى جانب المعمودية، وكذلك التزامها بتقديس يوم السبت (اليهودي) وبنفس الوقت إدانتها لطقوس تقريب القرابين (التي تأمر بها الشريعة اليهودية) ورفضها لقانون موسى، والنبوّة (أود الإشارة إلى أن فكرة النبوّة آنذاك لم تكن تحظى بتقديس. فالنبي كان أشبه بعرّاف قبيلة، لذا نجد التوراة تسرد حكايا عن آلاف الأنبياء، وأحيانا تذكرنا بحروب بين أنبياء البعليم الوثني وأنبياء إسرائيل. لهذا حملت العقيدة المسيحية مشاعر إزدراء واضحة للنبّوة، وفضّلت صيغة المسيح ملك يهوذا والسامرة، ولا ننسى أن ملك وملاك نشأتا من جذر لغوي واحد؟؟ فقط أردت تعميق هذه الفكرة لنصل مع لولينغ إلى فهم فكرته القادمة عن النبوّة الملائكية أو النبي الملاك، وعلاقتها بالإسلام). وكذلك رفض الأبيونيون الشرائع الباولوسية ( بولس)، وفضّلوا عليها حياة الزهد والتقشف، والمواظبة على طقوس الغسل والصلاة بإتجاه القدس، بعكس الكنائس اليونانية التي إتخذت شروق الشمس اتجاها لقبلتها(والناجمة حسب تقديري عن تأثرهم بعبادات رع المصرية).
لهذا يستنتج لوليغ أن الإسلام المبكر، يحتوي على تأثيرات أبيونية، يمكن تلمسها في أيامنا الحاضرة، خصوصا عند الشيعة والإسماعيلية، كما ويمكن إثباتها من خلال قصص الموروث المتواترة (ختان النبي وهو في يومه السابع على يد جده عبدالمطلب؛ ظاهرة الأحناف وورقة بن نوفل؛ وظاهرة الشعر الجاهلي الذي استبطن النص القرآني دلاليا ولفظيا كما في أشعار ابن الصلت وعمرو ابن نفيل وزهير وغيرهم؛ وكذلك الحال، استيعاب الشعر الجاهلي مشروع لسان قريش، علما أن معظم الشعراء ليسوا من هذه القبيلة!! وكذلك دلالات اسم والد الرسول عبدالله، وعدد لا حصر من الإشارات التي تدل على وجود تراث يهومسيحي غزير). لكن الأمر الذي، أفزع الأوساط البحثية، تلخص في نظرية لوليغ حول تاريخ الكعبة، واعتبارها كنيسة عربية صغيرة، وكذلك إعتباره اللات والعزى ومناة، مريمات عربيات، وهبل (هابيل: صورة ميثولوجية لإله الرعي).
وقد اعتمد لوليغ في تفسيره هذا إلى الموروث العربي نفسه ( تاريخ مكة للأزرقي وغيره) الذي تحدث عن مراحل عدة لبناء الكعبة، في عهد الزبير وعبد الملك بين مروان، ثم إشارته الذكية إلى الحُجر ( وهو عبارة عن قوس ضئيل الإرتفاع أمام الجدار الشامي، بداخله قبر إسماعيل وأمه هاجر) حيث تؤكد المدوّنات العربية أن بناء الحُجر كان مرتفعا، ومتصلا بداخل الكعبة!! إذ يمكن تصوّره كمذبح للكنيسة المفترضة، ناهيك عن أن الموروث، تحدث عن وجود ستة أعمدة متوازية داخل الكعبة، أتاحت لمصليّ تلك الأيام، أن يوّلوا وجههم صوب المذبح أوالقدس أو الحُجر( حاليا يوجد ثلاثة أعمدة)!! (وفي مقدمة ابن خلدون، ص389طبعة دار الجيل، هنالك ما يؤكد أن الحجاج بن يوسف هدم ستة أذرع وشبر مكان الحُجر، وسدّ الباب الغربي!! وأيضاً لم ينس لولينغ رواية الأزرقي، التي تحدثت عن اللحظة التاريخية لفتح مكة، وذكره قصة صور مريم وعيسى داخل الكعبة، والتي مّسحت لاحقا بإوامر من النبي.. وبرغم ما أثارته هذه النظرية، من لغط ، أجزم أن الأمر لايتعدى حدود الإثارة والفضول المعرفي، ولا أظن أن المسيحية، والرئيس المؤمن جورج بوش سيكترث للأمر، لعلمه اليقين أن البترول هو الطريق الوحيدة المؤدية للجنة).
أما الأمر الأكثر حساسية، هو دخول السيد لولينغ في واحدة من المحرمات الإسلامية، أقصد بحثه الطويل والمركب في قراءة النص القرآني، وملاحظته للسور القصيرة (المقفاة شعرياً) وإعتباره إياها تراتيل وأغاني مسيحية عربية، جُمعت وكوّنت نواة القرآن القديم، بعد إضافات منحتها محتوى ودلالة جديدة. وبرأيه فإن هذا النص دُوّن بداية الأمر بلغة غير منقطة وبدون حركات صوتية، وظل على حاله فترة تصل إلى 150سنة، ثم تعرض بعدها إلى تغيير دوغمائي، استمر حتى نضوج وترسخ مؤسسة الدوغما ونشوء وإكتمال السير النبوية، وبداية ظهور التفاسير في القرن العاشر والحادي عشر ميلادي.
لكن كل هذا الكلام لا يمس جوهر الموضوع الحقيقي !! فنشأة وصيرورة النص القرآني تاريخيا، هي من مسلمات البحث الفليلولوجي المعاصر.. فما سعى إليه لولينغ، هو فتح ملف مجهول، من تاريخ الدعوة المحمدية: ملف يعتبره الكاتب، جوهر الرسالة، التي عبرت عن نفسها من خلال ذوبان أتباع النبي مع الأبيونيين التوحيدين(الأحناف) المعادين للصور والنحوت، التي جلبتها مسيحية اليونان ذات الأقانيم الثلاثة، والطقوس الغريبة. أي أن الصدام لم يكن مع قريش الوثنية، بل مع قريش المسيحية التثليثية، وهذا ما أخفاه موروث الخلفاء، وطمسه وغيّبه عبر سياسة تعتيم شمولية، ومسح للذاكرة الجمعية.. إن مشروع محمد لم يكن يقصد إخراج العرب من الوثنية إلى التوحيد الذي مثلته المسيحية واليهودية (أهل الكتاب) بل كان يقصد الخروج والعصيان على ذلك التوحيد (المسخ) والعودة إلى دين إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وموسى وعيسى، ( وهنا بيت القصيد) بمعنى العودة إلى الأصول البدئية الطبيعية Pagan لتراث العرب وديانات الخصوبة الطبيعية التي مثلتها اليهودية والمسيحية المبكرة( والتي تجلّت بصورة داوود وسليمان!! و فكرة الفداء المسيحي، بإعتبارها فداء للقبيلة والعصبة وعلاقات الرحم، ناهيك عن الجذور المثولوجية لقصة المسيح، والتي تعود هي الأخرى لديانات وطقوس مرتفعات الخصوبة الكنعانية، التي مجدت البطولة، وتقاليد القبور وإحياء الموتى، لهذا أعاد الإسلام هذه الفكرة من خلال، عقيدة النشر، وحشر الإجساد في العام الآخر).
وهكذا يلخص لولينغ أفكاره في إكتشاف النبي كما يلي: إن عودة النبي محمد إلى الجذر الإبراهيمي هو عصيان وتمرد أمام مسيحية روم هيلينية ذات مشروع كوني (باولوسي) يرمي إلى تشييد امبراطوية بروليتارية لأفراد مقطوعي الجذور!! (أي أنها عودة إلى إبراهيم الذي يخاطب الله بدون تكلف، فيحدد له تخوم أرضه ونسله وصلبه. وهذا برأيي من أحد أهم اللمحات الفكرية للولينغ).
أما النقطة الجديرة بالإنتباه، فهي رفض غونتر لولينغ لفكرة الفتوحات الإسلامية السريعة. فمن اللامنطق قبول وتصديق الرواية، التي تتحدث عن مجموعات قليلة من التجار ومربي الماشية، وكيف اجتاحوا بلاد فارس ووصلوا إلى تونس خلال ثلانين سنة، وفي غضون خمسين عاما إلى جبال البيرينيه، وهددوا القسطنطينية. كيف يستوي ذلك مع أخبار نزاعات العرب فيما بينهم وتذابحهم على خلافة الرسول وإشتعال فتنة عثمان وحروب عائشة وعليّ ومعاوية؟ إن هذه النزعات وحدها كانت كفيلة بإحباط أي مشروع امبراطوري كبير.. إذاً لا بد لنا من قبول مبدأ التمدد السلمي للعرب. فالإيمان فقط بعقيدة ما لا يحقق إنتصارات وفتوحات. لا بد أن اللغة الكتابية العربية قد إزدهرت في وقت ما وسبقت الجيوش؟؟ (ببساطة شديدة يمكننا الحديث بهذا المعنى عن فتوحات لغوية كتابية عربية، سحقت لغات وثقافات دبّت بها الشيخوخة، وعن لغة تحوّلت إلى العالمية Lingau Franca واحتلت وحلّت مكان لغة الساسانيين واليهود وبيزنطيي شمال أفريقيا، وعن لغة استطاعت أن تجعل من أبناء الثقافة الفارسية العريقة، أهم معلميها ومبدعيها ونحّاتيها؟ هنا برأيي نجد اللغز الأكبر في نشأة الإسلام!!)
والآن أعود بعجالة لتلخيص لأهم ماورد في محاضرة لوينغ:
يشير الكاتب إلى البحوث اللسانية التي قام بها كارل فولر ولاندبرغ في القرن 19 ودراستهم للهجات العربية، واصرارهم المحق، على عدم وجود عربية فصحى محكية، في الزمن المبكر للإسلام (عكس ما تزعمه مؤسسة الدوغما)، بداية منهجية، وكذلك يشير إلى سعيهم لإثبات وجود نسخة شعبية للنص القرآني، يُعتقد أنها هُضمت وذابت في اللغة الفصحى. لكنه ينتقد ضمنياً تلك المحاولات، غير الكافية، التي لن تؤدي إلى تحطيم وتهشيم الموديل Paradigma الدوغمائي المهيّمن. لذا يقترح تعميق محاولات العالم البروتستانتي البرت شفايتسر وفيرنر واعتماد طريقتهما المثلى في البحوث المسيحية وقدرتهما على تفكيك وتهشيم الموديل المسيحي، وتعميق دراسات العصور السابقة للدولة، وتمثل قيّم القبيلة ومفاهيم العصبة الدموية (صلات الرحم) والثأر وإقراء الضيّف، وتعميقها بمزيد من دراسات الإنتربولوجيا الإجتماعية، وإعتماد تطبيقات أولبرايت W.F Albight على العهد القديم.. ثم ينتقل بعدها إلى واحدة (من شطحاته التي لم أستطع هضمها) والتي منح بموجبها محمد، صفة النبوة الملائكية (نبي ملاك)، وهي صفة تم طمسها فيما بعد!! واستبدالها بحشو قصصي عن الملاك جبريل. ويعتقد لولينغ أن محمد فهم نفسه كملاك يمثل إرادة الملأ الأعلى، دون أن يصرح بذلك وهكذا فهمه أتباعه، تماما كما فعل يسوع الذي فهم نفسه بأنه المسيح المخلص دون أن يصرّح بذلك؟ لذا يخلص لولينغ إلى أن محمد لم يكن بحاجة لجبريل، ويشير إلى أن الآيتين المتعلّقتين بجبريل 2,97 و66,4 هما من فعل التدوين الما بعد نبوي، ويعلل ذلك بسبب إستحالة النبوّة في ذلك المناخ العقلي الثقافي الذي كان مفعما بروح النبوة الملائكية؟؟؟(وبرغم تعارض هذه الصورة مع ثقافتنا الرائجة، إلا أني أعتقد أن ملامح جبريل تبدو مشوهة في الموروث الإسلامي، بسبب إشكالية التنزيل التي حدثت بصورة شخصانية مباشرة، وأحيانا بواسطة الإلهام؟ إضافة إلى تمظهرات جبريل الغريبة كأخ لمحمد، وأحياناً كدحيّة الكلبي أو دوره كسائس يمتطي البراق في قصة الإسراء والمعراج؟)
أما النقطة المهمة في محاضرته، فقد تضمنت ردا مسهبا على رأي المستشرق المعروف فيلهاوزن، الذي اعتبر نظام العصبة الدموية(القبيلة) العربية، أشبه بوجود وإدراك عمومي بدون سلطة، وهذا يندرج في إطار التوحش، غير القادر على الإنتاج والفاعلية؟؟ ويجد لولينغ أن فيلهاوزن لم يدرك تماما حضارات الخصوبة، لأنه كان مأخوذا بنموذج الدولة الراقية وأسيرا لفكرة الإنتاج والنمو الإقتصادي( وفي مكان آخر يعبر لوليغ عن إعجابه بقانون العقوبات البدوي، ونظام دفع ديّة القتيل، والمصالحة العشائرية، بينما ينظر إلى قوانين الجزاء الحديثة ، كأنها سلسلة من الذنب والعقوبة!!)
إستراحة تاريخية؟
والآن وبعد أن عرفنا بعض آراء لوليغ، أود أن أتجاوز الكثير من أطروحاته، إختصارا لمساحة هذه المقالة، وأتوقف عند إكتشافه (المتأخر) للهولندي راينهارد دوزي R. Dozyالذي أصدر عام 1864 كتابا بعنوان: “الإسرائيليون في مكة”. وفيه يذكر أن إسم مكة، ولغاية القرن الثالث ميلادي، كان يرد في الوثائق القديمة: ماكورابا Macoraba وهو نفس الإسم الذي ورد ذكره مرارا في الأسفار التوراتية: مكا رابا وتعني بالكنعانية: ساحة الصراع أو أرض المعركة، ومن المهم ذكر الحادثة التي ترويها التوراة عن رحيل سبط شمعون، أيام الملك شاوول وداوود، وإقامتهم في أرض الحجاز، (أحد الإسباط الإثني عشر). كل هذه الإشارات دعت دوزي إلى الإعتقاد أن قصة إسماعيل وهاجر التوراتية هي حشو تاريخي أحدثه مدوّنو التوراة متأخراً لتبرير رحيل آل شمعون، كخروج من المأزق وتخفيف من مشاعر الذل والعار التي لحقتهم. وبهذا فإن نظرية دوزي تقوم على وجود خلط بين شمعيل وشمعون (تعمدت كتابة اسم إسماعيل: شمعيل، لإظهار الفرق الضئيل مع اسم شمعون).
ثم ينتقل دوزي بدراسته إلى إلهين وثنيين، عرفا باسميّ: إساف ونائلة. وهما إلهان انتصبا على مرتفعي الصفا والمروى (بالقرب من مكة) ويذكرهما الموروث الإسلامي بكثير من الأسطرة. لكن دوزي يكتشف مفتاحا لغوّيا يؤكد أن إساف بالعبرانية هي آسوف ( مكان لرمي فضلات الذبائح والأحشاء) ونائلة هي نوالي وتعني(مزبلة) وبهذ فإن الصفا والمرّوى كانا أماكن لرمي النفايات الناتجة عن القرابين التي كانت تنحر أمام الكعبة المقدسة.. وبعد موت دوزي، توقفت إهتمامات باحثي التوراة، باستثناء محاولة فينكلر و هوميل التي تابعت أخبار العصر التوراتي للملك حزقيا( 715و696 ق.م) وأثبتت أن كثير من النصوص التوراتية التي ذكرت مصر كانت تعني المنطقة جنوب خليج العقبة (شمال غرب شبه الجزيرة العربية)، حيث أثبت القوش والكتابات المسمارية التي عُثر عليها أن تلك المنطقة (حتى القرن السابع) كانت تدعى مُصُر أو مِصر وهو المكان الذي تسميه التوراة مصراييم، وعين المكان الذي أقامت به قبائل الشماعيلية أو الشمعونية!! (وهذا الأمر سيفرح عشاق نظرية كمال الصليبيي، وأحمد داوود).
ثم ننتقل إلى واحدة من الأمور التي حيّرت باحثي التوراة، وهي قصة سبط اللاويين (الذين تفرغوا للكهانة ومنهم موسى وهارون) والذين فقد أثرهم، من خارطة توزيع القبائل الإسرائيلية، إذ لا وجود حقيقي لهم على أرض التوراة( من المعروف أن سبطي يهوذا وبنيامين سكنا الجنوب، والباقي في الشمال). لكننا نعود ونسمع قصة اللاويين مجددا من جيل ما بعد السبيّ البابلي، الذي تركنا نعرف أن اللاويين اختفوا ولم يعودوا إلى أرض الميعاد!! وبنفس الوقت يخبرنا المدوّن التوراتي أن نبوخذ نصر قام بترحيل ثمانين ألفاً من فتيان اليهود إلى الحجاز؟؟
أخيراً، وبعد كل هذه الروايات والقصص الميثولوجية التي تصب في إتجاه واحد، أجد شخصيا أن أرض الحجاز كانت أحد المراكز الروحية الكبرى في تاريخ القصة اليهودية الإبراهيمية. فالكعبة لم تكن مركزاً لعبادات(الجاهلية) الوثنية المبتذلة، كما يخبرنا الموروث الإسلامي بإطناب، وإسهاب قصصي أسطوري. وإلا فكيف يفسرون تحوّلها إلى مركز للحج الإسلامي فيما بعد، وكيف يفسرون تأكيد النص القرآني على جعل الصفا والمروى (حيث يقف صنما إساف ونائلة!!) ضمن شعائر الحج؟؟
ملاحظة: من يود معرفة المزيد حول هذا الموضوع ما عليه إلا إنتظار كتابي الذي سيصدر بعد قطاف المشمش
naderkraitt@yahoo.de
* يلفت “الشفاف” نظر قرّائه إلى مقال نشره موقع “قنطرة” في العام 2004 بعنوان:
Wolfgang Günter Lerch
On Christian Strophes in the Koran
(غونتر لولينغ) واكتشاف محمد
لا اله الا الله محمد رسول الله ولو كره الكارهون
إلى السيد محمد علي
أطمئنك يا أبتاه؟؟ فإبنك درس التاريخ واكتشف أنه تخريف بتخريف
شكراً
(غونتر لولينغ) واكتشاف محمد
ما هذا التخريف
أدرس التاريخ يابني
(غونتر لولينغ) واكتشاف محمد
دراسة شيقة، تستحق أن تصدر كتابا تفصيليا بها. شكرا لك