منذ قيام اسرائيل (ستين سنة) دخلت القضية الفلسطينية الوعي العربي بوصفها بداهة طقسية جزءا من الحياة اليومية لتي سرعان ما يفعل بها الزمن التكراري فعله فينقلها ألق الوجدان واشتعلاته إلى ممارسة يومية تمارس بشكلانية باردة كالعبادات الطقسية التي تفقد مع الأيام قوة اشعاعها الداخلي الوجداني، وتتحول إلى عقيدة تجري عليها قوانين تحول العقيدة إلى مصلحة، مثل صلاة التاجر الذي يذهب إلى أقرب جامع ليتطهر طقسيا من ضغط أزمات الضمير التي تنتجها عادات قيم السوق وآليات العمل التجاري الآسيوي والشرقي بشكل خاص لما يكتنفه من مشروعية الكذب (المبارزة والشطارة)، مما يجعل الصلاة شبيهة بالأداء الدرامي الذي ينتج لدى المشاهد مشاعر (التطهير – الكاثارسيس) حسب تقويم أرسطو لنتائج أثر الدراما على المشاهد.
هكذا تأخذ الصلاة العربية الإسلامية اليومية الوطنية والقومية صيغتها الشكلانية ومألوفها اليومي نحو مقدس القضية الفلسطينية، ومقدس (قدسها).
فنحن أبناء جيل النكبة أسسنا لفلسفة خطاب النكبات في بلادنا (الثورية) وذلك منذ الوحدة بين سوريا ومصر، حيث وضعنا طقوسها التي توجت في هزيمة حزيران 1967: ستبدأ هذه الطقوس بالضجيج الخطابي والضوضاء الاعلامي، والانتشاء بالإنشاء البياني، والترصيع البلاغي في صياغة الشعار، في فضاءات من التسابق بين دمشق البعث ومصر عبد الناصرعلى درجة قطع المسافة إلى احتلال تل أبيب، فعبد الناصر أعلن أنه بيومين سيكون في تل أبيب، فرد عليه ابن بلدياتنا البعثي الحلبي أمين الحافظ بأنه سيكون في تل أبيب خلال ساعتين، ساخرا وهازئا من بطء عبد الناصر هازا أكتافه على قرع طبول الجماهير ودبكاتنا وهتافاتنا نحن الشباب….
بينما عدونا كان دائما يظهر (رعبه) الهازيء من خبطة أقدامنا الهدارة – مع الاعتذار من فيروز – فيركض ذات اليمين وذات الشمال، قارعا أبواب المجتمع الدولي والأمم المتحدة مستغيثا من الخطر العربي الذي سيرميه في البحر، لاعبا دور المسكين المهدد بوجوده والذي يناشد العالم حمايته من زحف رعب (الدبكة العربية وميجاناتها التي سترميه بالبحر)، فتأخذنا العزة بالنفس أمام فرار عدونا في السلم، ونتساءل: فكيف ستكون حالته في الحرب؟
وكانت هزيمة حزيران 1967 التي لم نستفق من هولها، ولن نستفيق ما دمنا محكومين بالعقل ذاته الذي أنتج أسبابها وعواملها حتى اليوم، وإن كان هيكل قد خفف من وقعها لغويا – سحريا، فجعل منها (نكسة) مخففة ما دامت لم تسقط الأنظمة التقدمية: الناصرية والبعثية، وهكذا ستهدينا اسرائيل وزير دفاعنا المهزوم بوصفه (منتكسا) لمدة ثلاثين سنة رئيسا لسوريا، فكان الرابح الأكبر من هذه (الهزيمة – النكسة) التي قادها كوزير للدفاع، وهي (اسلاائيل) اليوم تسعى للتمديد لأسرته عبر وريثه المحروس، ومع ذلك لا يجد السيد خال المشعل منبرا لجهاده ورفع معنويات شعبه في غزة إلا منبر آل الأسد، إذ لا يدري ولم يدر قبله حسن نصر الله أنهم يخسرون قضاياهم عربيا وعالميا وشعبيا من خلال تحالفهم مع هذه العصابة التي أنزلت بأشقائهم من الشعب السوري بل وأشقائهم الفلسطينيين أنفسهم واللبنانيين ما لم تنزله اسرائيل بشعبه الفلسطيني واللبناني بل والسوري نفسه، لأنه مع حافظ الأسد أصبح من الممنوع منهجيا – خطابيا لغويا الحديث عن هزائم وانتكاسات، بل كلها انتصارات لكن من خلال تحقيق -ليس التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل- بل من خلال كسر هذا التوازن بشكل مطلق مع المجتمع، بحيث تبدو مأساة غزة نزهة أمام الوحشية التي مارسها حافظ على مجتمعه وشعبه السوري، حيث مهما قتلت اسرائيل منا نحن العرب لن تصل إلى الأرقام القياسية التي أنجزها هذا القائد السفاح في شعبه من أهل حماة وحلب وما حطمه من تاريخ الذاكرة السورية عندما ربط رمزية حضارة مدينة تدمر بالإبادة الجماعية والقبور الجماعية لألاف السجناء، كما حول الرمزية الرحمانية للتاريخ المسيحي لصدنايا إلى المعتقل الأشهر الذي يقومون فيه بالذبح الجماعي للمساجين السياسيين، حيث برز أسد بوصفه المحطم الأكبر لشعارات حزبه في الوحدة والحرية والاشتراكية، بعد أن أحل منظومته الطائفية محل منظومته الحزبية وعلى معرفة تامة من القيادة التاريخية الإسرائيلية التي عبرت عن معرفتها التامة فيما يحدث في سوريا ومن ثم التعويل على ما يحدث…
وهكذا سيرث الأسد المسؤولية القومية للقضية الفلسطينية التي سيديرها وفق أولويات ثبات نظامه بوصفها ورقة للصفقات والمساومات والتوظيفات، وصولا إلى هذه المذبحة الاسرائيلية المجانية المرعبة للشعب الفلسطيني الذي لا نعرف ما هي خطاياه القدرية التي قادته إلى مثل هذا المصير البروميثيوثي حيث يؤكل كبده (أطفاله)، ثم يعود الكبد للتفتح بدورة لا تنتهي من العذاب، وكأن الشعب الفلسطيني يجسد حالة دفع إتاوات تاريخ الاحتضار العربي والإسلامي، وفاتورة خروجه من الزمن والتاريخ وبقائه السديمي في الجغرافيا منذ قرون، وعسى أن يكون قدرهذا الشعب كقدر (يوسف) الأجمل الذي سينقذنا نحن أخوته جميعا عربا ومسلمين، لكن إلى متى يا الله.؟
مع الحقبة الأسدية سقطت الشعارات القومية والشعارات اليسارية على كل المستويات، بعد أن انسحبت الشعوب من الساحة، لإنزالها عند الحاجة والطلب بعد أن سجنت هذه الشعوب في اللغة والشعار والهتاف لانتصارات قادة العصابات المسلحة التي تحكمه، في ممانعتتها ضد التغير والتغيير وتمنعهم (وهم الراغبون) حتى على كامب ديفيد سوري مصغر، وعوضا عن القيام بحصاد الهزائم لمراجعة مساراتنا السياسية والفكرية للكشف عن فلسفة العقل الذي أنتج هذه الهزائم، أي من أجل بداية الدخول الى العصر الحديث الذي عنوانه الرد على النقل بالعقل، لقيام العقل النقدي الذي هو عنوان دخولنا في حضرة عالمنا المعاصر، في هذا السياق أتانا إخواننا الإسلاميون ليعيدوا تجربتنا الأولى، وليعيدوا لنا بضاعتنا العقائدية والخطابية والشعارية التي لم يعد لها وظيفة وطنية أو قومية سوى الوظيفة (الأسدية): وهي تثبيت الواقع لتثبيت السلطة وتحويل سوريا الى جملكية.
هذه الأسدية، ستتحول الى منظومة متكاملة من الميكيافيلية في السياسة الخارجية، والطغيانية المتوحشة في العلاقة مع الداخل، حيث يغلف الطغيان الداخلي الفظيع عالميا، ببرغماتية سياسية خارجية تصل في رخاوتها وتهاونها وتفريطها حد المهانة والذل كمثال تخاذل الأسد الأكبر وورثته المخجل أمام تركيا والتنازل عن مساحات أكبر من الجولان.
هذه المنظومة كانت تستند- في أحد أهم محاورها- للسيطرة على الورقة الفلسطينية، حتى درجة اعطاء الذات الأسدية حق الحلول محل الذات الوطنية الفلسطينية باسم قومية المعركة ضد الصهيونية…. هذا النهج الذي أسسه حافظ أسد أغرى إيران الصاعدة بتصاعد المد الاسلامي الأصولي لتلعب وفق المدرسة الشعارية الأسدية لعبة التخصيب والتثمير لمشروعها السلطوي والاقليمي بالتخصيب الاسلامي الشيعي لقضية فلسطين العربية… وذلك عبر بعث الصوت القومي واليساري ووراثة إرثه الشعاري والبرنامجي بعدد أن أفلس خلال أربعين سنة من الإنتكاسات والهزائم، لقد تمت وراثة هذا الخطاب الذي غدا متقادما في عيون أصحابه، ليعود الوارثون الإسلاميون لمقارعة هذا اليسار القومي بشعاراته التي عفا عنها عقله فكريا وسياسيا، بعد أن دخل طور التجدد والعقلانية والديموقراطية بوصفها المدخل الوحيد للتحرير الوطني الذي لا يمكن أن ينجز إلا بالتحرر السياسي المدني الديموقراطي القادر على اخراط المجتمع بكليته للدفاع عن هويته وسيادته، وتم ترجمة ذلك فلسطينيا من خلال هذه الفسحة التاريخية التي أتاحت للعقلانية الفلسطينية أن تعلن عن نفسها دون خوف من الرجم بالخيانة والكفر، كلما حاول هذا العقل أن يطل من تحت أنقاض سديم الغيبيات والمطلقات، باتجاه الواقع المتحقق والملموس ومن ثم التاريخي والنسبي، على اعتبار أن هذه المفردات المفاهيمية هي التي تميز عقلانية عصرنا الراهن.
لكن الحركة الإسلامية الفلسطينية التي راحت تبشر بخطاب مدني نسبي مستنير بالتجاور مع الخطاب القومي واليساري الفلسطيني، والمتميز بخصوصية صراعه مع عدو متطور متقدم، حيث يتيح له أن ينتج اطروحة مضادة تتناسب في النوع مع اطروحة عدو حديث من رأسه إلى أخمص قدميه، على عكس ما تنتجه معارضة أنظمة قروسطية عربية: لا فرق بين جمهوريها ومحافظيها، بل غدا المحافظون فيها أقل ضررا نحو المستقبل المتردي العربي من أصحاب الجملة الثورية، لأن العقل المحافظ أميل للنزعة الدفاعية من الهجومية، ومن ثم معرفته لحدود قدرته فلا يغامر أو يقامر ويورط الأمة بهذه السلسلة من الهزائم، كما تفعل (الثورية الاسلامية المدعاة أو القومية واليسارية المزعومة) من قرارات رغبوية وأهوائية، حيث اتحدا في محور عربي (سوري) وإسلاموي شيعي(ايراني)) عبر تخصيب مشروعهما العربي الفارسي، من خلال الإشتراك في صناعة حزب الله الذي كان نتاجا خلاسيا لهذه العروبو – شيعية، المشكلة للمحور السوري- الايراني، حيث سيكون النتاج الخلاسي هذا نتاج تعدد الأزواج وليس نتاج تعدد الزوجات….
في هذا الفضاء الإنبعاثي في مواجهة العقلنة والدمقرطة والحداثة، راح الجانب المحافظ الأصولي في الحركة الاسلامية (حماس) يجنح باتجاه المزيد من الوثوقية الغيبية (اللفظوية) والشعارية الشعبوية التي يبنى عليها شعارية قوة الكلمات في ذاتها، بغض النظرعن مرجعيتها الميثاقية الدلالية في الواقع، فكان أول نتاج ثوريتها الشعبوية الملتحقة بالمحور السوري -الايراني، أنها قامت بانقلابها في غزة، حيث قسمت المقسم الفلسطيني، وهي المنادية مع ايران بتحرير كامل فلسطين، وقد جزأت المجز أ العربي بالتناغم مع الإيقاع السوري الذي راح يخصب طائفيته وطائفية ايران بفحولة حماس (الاسلامية السنية).
وراح الدافع (ايران) يفرض شروطه على القابض، وفق هذه المتوالية سيكون القرار المركزي في يد ايران الذي يمر في دمشق بوصفها بوابة ترانزيت أو سوبر ماركت لكل مشتر أو دافع، ثم إلى حزب الله الأولى عقائديا بالمعروف وكسب المال الحلال الطاهر النظيف من الملالي، وأخيرا حماس…. حيث سيتحولون الى الأداة الفلسطينية في خدمة قضية صراع ايران على الهيمنة على المنطقة العربية عبر مشروعها النووي وتعزيز موقعها التفاوضي، وخدمة النظام السوري في الحفاظ على ذاته أمام استحقاقات المحكمة الدولية، ومن ثم تعزيز موقعه التفاوضي مع اسرائيل، ومن جهة ثانية إحراج الأنظمة المحافظة الموصوفة بالاعتدال بتحريض الشعوب المقهورة للخروج إلى الشوارع، حيث هذه فرصتها الوحيدة المسموح لها بالخروج للتعبير عن وجودها الملغي، بل وفي سوريا مأمور بالخروج عند الحاجة الأمنية حتى يقرر الحاكم حدودها، وهذا ما انعكس سلبا على الشعب الفلسطيني وحماس على المستوى العربي والإسلامي والعالمي، بوصفها صديقة للنظامين الأسوأ في العالم…!
وهكذا تجري المسرحية منذ ستين عاما، إذ تنفذ فصولها وأدوارها بذات الطريقة، والمتميز الوحيد هو الممثلون: البداية تبدأ باستفزاز اسرائيل بالشعارات والتهديدات والكلمات التهويلية الكبيرة وإغلاق مضائق تيران1967، ثم يأتي دور اسرائيل التي تلعب دور الخائف المذعور والباحث عن الحماية الدولية والشرعية العالمية، بحثا عن ذرائع البطش والدفاع عن النفس ضد إرهاب البلاغة العربية وصوتياتها الحادة في إيقاعها البياني، ومن ثم صواريخها العابرة لعشر كيلومترات ومن ثم الإعلان أمام العالم حقها في الدفاع عن النفس وعن شعبها ومواطنها التي تهدده صواريخ حماس العابرة للكيلومترات اليوم، كما كانت مفرقعات صواريخ حزب الله بالأمس، لكن الأمر المدهش الأكبر اليوم أن حماس اكتسبت خبرات عالية على مستوى العقلانية الإجرائية في مواجهة اسرائيل، كيف أتاحت حماس لإسرائيل أن تعيد سيناريو لعبتها للمرة الألف منذ نشأتها فتبيد في لحظات مئات كوادرها وهي مفاجأة بالأمر.
إن عقلها الوثوقي الغيبي الإيماني –فيما يبدو-زين ويزين لها -وكذلك لحزب الله من قبل- أن الله معها، وستنتصر بذات البضاعة الشعارية القومية واليسارية التي لم تكن أقل أصولية من أصوليتها الإسلامية سياسيا، وذلك لأن أصوليتها الإسلامية تعلن أنها ممثلة الله، أليسوا هم (حزب الله) ؟، بينما القوميون واليساريون العلمانيون انهزموا لأن الله لم يكن معهم….؟
نعم من حقنا أن نستنتج هذا الاستنتاج، حيث الحديث لم يتوقف اسرائيليا منذ شهور: بين تيار ناتانياهو وتيارباراك عن المعركة التي ستشنها ضد حماس وبشكل علني وصريح، والمسألة لم تكن إلا مسألة التوقيت التكتيكي الإجرائي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحليف الايراني السوري لم يضف جديدا لحماس على مستوى القوة العسكرية والتكتيكية لحماس فيما ظهر لنا حتى الآن سوى تحميل المسؤولية والتحريض على الدول العربية المسماة بالمعتدلة والتي لا تزعم أبدا بأنها “سترمي اسرائيل من جغرافيا المنطقة إلى أوربا ” كما يعلن شيبوب ايران، ولا تتحدث من بلاد عن ذاتها بأنها قلعة الممانعة والصمود والتصدي وتنادي للتفاوض مع اسرائيل مباشرة مما لم يفعله أحد من الرجعية العربية، وليس لبعضها حدود مباشرة مع اسرائيل، ومع ذلك لا نجد إلا الصواريخ (المفرقعات) ذاتها، رغم الجبهة الواسعة والعريضة لحزب الله ومتعهديه في (سوريا الأسد) على حد تعبير السيد حسن نصر الله مع اسرائيل، ولم يتمكن الحليفان الاستراتيجيان من تحديث أية أداة عسكرية، فها هي المذبحة أمام عيون العالم أجمع، ولم ير العالم أية ردود فعل ثورية تختلف عن ردود الفعل العربية المحافظة أو المعتدلة، حتى يستخدم السيد نصر الله ايرانيا ليشتم مصر العربية فارسيا، لصالح صراعات نظام الملالي الايراني الذي لم يخرج –بدوره- الى الشارع حتى أكثر مما خرج في مصر التي كانت مثلها مثل كل العالم تعرف أن هذه الصواريخ لن تكون محصلتها إلا 1/500 كما أحصاها في المرة السابقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي فقد شرعيته الفلسطينية باسم العروبة الأسدية والفارسية الولايتية: حيث مقابل أسيرين اسرائيليين–حسب عباس- قدم الفلسطينيون خمسمئة شهيدا عدا ونقدا. ولأن العقل الإيماني الإستسلامي (التسليمي الجبري) غير تاريخي، فهو لا يستطيع أن يتساءل عن معنى الفعل الإلهي ودوره فلسفيا ومعرفيا إلا بالحدود الكلامية الأشعرية، فلأنهم جبريون فإنهم لن يصدقوا بأن الله حيادي الحضرة نحو عباده الذين هم عياله، وأنه لا يمكن أن يكون معهم لأنهم يطلقون لحاهم، بينما كنا –نحن اليساريون والقوميون- ننهزم لأننا نقص لحانا… رغم أن الكثيرين منا لم يقصر في اطلاق لحاهم (الغيفارية)…
إن الغطاء جاهز للأخطاء البشرية إلهيا… وذلك بالاستناد إلى فتوى أن موت أمرأة اسرائيلية واحدة سيكلف حتى الآن حوالي 400 مواطن وكادر فلسطيني، لكن مصيرها النار، بينما مئاتنا بل وآلافنا إلى الجنة… وعليه نبدأ الدوران في المكان أو مايسميه نيتشه بـ”العود الأبدي”، حيث نبدأ نحن بالاستفزاز واسرائيل بالتظلم وحقها في الدفاع عن النفس.
لأن المهم في الأمر أننا ندافع عن سلامة العقيدة ومقولاتها بغض النظرعن سلامة البشر والأوطان، الدفاع عن صحة قراءة العقيدة وتفسيرنا الذاتي لها، بغض النظر عن صحة تطابقها مع واقعها وزمنها وميزان قواها، فلا ميزان قوى مع الله… أليسوا هم (حزب الله) وباقي المسلمون حزب الشيطان والأمر كذلك…! إذ لا معنى لنعت الذات بصفة ما إلا لتمييزها عن الآخرين المختلفين الذين لا يمتلكون هذه الصفات، وإذا تطلب الأمر فإنه لا يكلف الزعيم نفسه –رغم أنه ملهم وإلهي- سوى أن يعتذر بأنه لو كان يعرف ردة الفعل الاسرائيلية هذه، لما أقدم على فعلته ومنح اسرائيل فرصة ذبح شعبه، ولصالح حلفاء يحمون أنفسهم بالدم الفلسطيني…
المهم تبرئة الذات المؤمنة، حتى ولو عبر تكفير وتخوين الآخر… من هو الآخر في هذا السياق ؟ إنه بالضرورة خصم نظام إيران المللي، ونظام سوريا الطائفي الذي يدعي مع ذلك أنه علماني…! أي المواجهة والصراع مع المحيط العربي، الذي لا يخجل النظام السوري من تحالفه الطائفي مع ايران ضد عالمه العربي بمجموعه…!؟
وهكذا نعود إلى العود الأبدي، حيث تدور أحداث المسرحية ذاتها، نبدأ بالاستفزاز مقدمين العذر لاسرائيل، تولول اسرائيل صارخة بألم من صواريخنا البائسة المحزنة في عبثيتها، ثم تقوم إسرائيل بحملة مناشدة العالم بوقوع العدوان عليها، فيقف العالم الى جانبها متفهما أسباب وحشيتها نحو شعب أعزل لا يملك إلا صوت الاستنجاد بأشقائه العرب والمسلمين المغلوبين على أمرهم على أيدي طغاتهم الثوريين عروبيا وفارسيا.
فيجدوا أن اسرائيل قد سبقتهم بشكواها إلى العالم، نخرج نحن الشعب المغلوب على أمره، المغلولة إرادته، نهتف ونشجب، نقوم بصلاتنا الطقوسية الجماعية على شهدائنا، ونقفل الى بيوتنا ونخلد إلى الصمت، مكتفين بالسماع إلى إعلامنا (البطولي في الجزيرة)، إذ يحدثنا عن انتصاراتنا وإنزالنا الهزائم بالعدو بسبب صمودنا ووفق توجيهات القائد من دمشق، وباعتبار أن بعضنا لا يزال على قيد الحياة حتى ولو أبيدت أوطاننا (غزة) وفق تعبير القائد في غزة…، حتى ولو قتلوا آلاف أضعاف قتلاهم… فيطمئن ضمير الناس إلى أننا لمنتصرون… بعد أن قاموا بواجبهم الوطني والقومي والديني مع إخوتهم في العروبة والدين… الخ، ومن ثم نلوذ إلى الخلود بالصمت، بانتظار اللحظة التي يخطر فيها لحاكم زنيم عربي أو إيراني طامح سلطويا أن يستفز اسرائيل والولايات المتحدة لإرسال رسائل تفاوضية لهما، فيكتب مضمون الرسالة بحبرالدم الفلسطيني، نخرج من جديد، نهتف، نشجب، نصلي، ولا نعرف في كل العالم من هو شبيه لنا في عدم قيمة وفعالية خروج شعوبنا إلى الشارع وأثره على الحكام وأصحاب القرار، فأي حاكم عربي أو مسلم يحكم باسم أي شعب من شعوبنا العربية والإسلامية… لكن مع ذلك نقوم بالواجب والباقي على الله…. لكن إلى متى يا الله…؟
mr_glory@hotmail.com
* كاتب سوري
غزة ومأساة “العود الأبدي” أو الدوران في المكان، إلى متى يا الله !؟
استاذ عبد الرزاق ،
لا فض الله فاك! تحليل تاريخي ممتاز وصحيح! للاسف الشديد، تحليل كتحليلك مبني على الوقائع لا مكان له في وسائل الاعلام العربية التي تستهدف خدمة الحاكم او خدمة المموّل الطامع في نشر مذهبه او فرض هيمنته .
شكرا على عطائك ونحن بانتظار المزيد من التحليلات التي تستهدف الحقيقة ولا تهاب من قولة الحق وإن كان علينا.
غزة ومأساة “العود الأبدي” أو الدوران في المكان، إلى متى يا الله !؟
تحليلاتك دائما عميقة تشفي القلب المكروب ارجو ك تناول ايضا بمقالتك القادمة دور الحزب الشيوعي السوري وكيف اصبح رهينة بيد المقبور خالد بكداش العميل الاول لنظام الاسد الطائفي وكيف خدع ملاين العمال والفلاحين الفقراء بشعارات وهمية بينما وضع ذاتة وجماهير الحزب في خدمة نظام طائفي مقيت ارجوك استجيب لنداء الاف الشيوعين الذين كذب عليهم بكداش واعضاء لجنته المركزية ووظفهم في خدمة نظام البعث الطائفي ارجوك ارجوك ارجوك
الدولة الخفية مازالت قائمة معظم من يتحدث عن مصيبة فلسطين لا يبدا من اصل الحكاية .. فبرغم ضعف الدولة العثمانية بقيت صلبة منيعة في منع التغلغل الصهيوني .. حتى وجدت بريطانيا العظمى ضالتها في الشريف حسين والي مكة العثماني ومن يقرا طريقة تعيينه واليا يدرك شخصية الرجل الانتهازية فقد ذهب استانبول وحاك المؤامرات ضد والي مكة وهو ابن عمه حتى ضاق الصدر الاعظم منه وعينه وحذر من اطماعه التي لاتنتهي .. وكان وصفه لشخصية الشريف حسين بمحله فلم يكتف الرجل بازاحة ابن عمه والوصول الى منصب الوالي بل اتصل سرا بالحامية البريطانية بالسودان واتفق معهم على الانقلاب على دولته مقابل… قراءة المزيد ..
غزة ومأساة “العود الأبدي” أو الدوران في المكان، إلى متى يا الله !؟
الأستاذ عبد الرزاق عيد
تحليلك رائع.