بلال بدر، الذي نجا من محاولة اغتيال في احد ازقة مخيم عين الحلوة يوم الاثنين، كان عنوان التوترات الامنية والاشتباكات التي شهدها المخيم حتى يوم امس، وسط مناخ شعبي وسياسي توافقي طاغ في المخيم، وفّر حصانة حالت دون استدراج الفصائل والمجموعات الفلسطينية الى مواجهات جار التحذير منها والتحسب لها منذ بدأت تداعيات الازمة السورية بالتسرب الى لبنان عموما والمخيمات الفلسطينية على وجه الخصوص.
باختصار بلال بدر متهم بالمشاركة في قتل اكثر من شخص في مخيم عين الحلوة، منهم من كان في عداد حركة “فتح”. هو شاب لم يزل في مطلع العقد الثالث، كان من بين الناشطين في اطار “جند الشام”، ينجذب كما بعض اقربائه من الفتيان وزملائه نحو تشكيل مجموعات وتلبس عناوين فضفاضة وفرت له، كما لزميله اسامة الشهابي، فرص جذب الاضواء، ولو على سنّ الملاحقة. محاولة اغتياله الاخيرة التي اقدم على تنفيذها احد المقنعين، يدرجها اكثر من مصدر، من فتح ومن خارجها، في سياق ثأري. ورغم نفي مسؤولي “فتح” ان يكون وراء هذه المحاولة قرار من الحركة، هم أنفسهم رجحوا احتمال الثأر، خصوصا ان اكثر من عائلة في المخيم تحمّل المذكور قتل احد افرادها من دون ان نغيّب ما يتردد في اوساط بدر من ان احد مسؤولي “فتح” في المخيم يقف وراء هذه المحاولة. وتستند الاوساط هذه الى العداء المستحكم بين الطرفين والى سوابق دموية بينهما.
ولأن مخيم عين الحلوة تُحفز احداثه، وان كانت فردية، فرص الذهاب بعيدا في ربطها بمخططات وغرف عمليات اقليمية سوداء، اثارت المحاولة الاخيرة شهية التحليل والربط بين اكثر من ملف فلسطيني داخلي ولبناني وسوري. في البداية ثمة تأكيد بان المستهدف وما يمثل ليس له تأثير معنوي في المخيم، ويوصف بأنه شاب متهور ومتورط في جرائم قتل. وحدود تأثيره محدودة جدا داخل المخيم، بمعنى ان لا قدرة لديه على خرق التوافق الفلسطيني داخل المخيم والمرتكز على ثلاثي فتح – عصبة الانصار – حماس. لكن موافقة مصادر فلسطينية محايدة على هذا التوصيف لا تحول دون اظهار ملاحظاتها على تنامي دور بدر في الآونة الاخيرة. وتشير الى ان طابع شخصيته المتهورة دفعها في محيطها الى اعلان ارتباطها بجبهة النصرة، كما استعراض قدراته في نقل متحمسين للقتال في سورية ضد النظام. وساهم تدفق نحو سبعة الاف فلسطيني من سورية الى مخيم عين الحلوة في تأمين فرص تفاعله مع عشرات من هؤلاء اللاجئين. ولا تكتفي المصادر بهذه الاشارة الدالة على امكانية تورط ما في الاحداث السورية، بل تلفت الى وجه آخر لبلال بدر، يتمثل بحسب المصادر نفسها في كونه احد المنسقين مع الشيخ احمد الاسير، تحديدا لكونه احد الذين يعتمد عليهم الاسير كحلقة وصل مع بعض مناصريه في المخيم.
وكي لا تأخذنا التفاصيل الى ابعاد تتجاوز حقيقة وواقع ما جرى، الذي كان اقرب الى أن يكون ابن ساعته، يمكن ملاحظة ان صلابة التوافق داخل المخيم ظهرت بشكل صريح من خلال القدرة على استيعاب الحدث ولجم تداعياته، سواء في الداخل او مع المحيط. لكن هذه القدرة لا تلغي المخاوف المتنامية من ضغوط متوالية تدفع بالمخيمات عموما الى مواجهات، يشكل عنصر التحولات السياسية في داخلها، على الضد مع النظام السوري، عنصرا جديدا بات ينذر بوقوع مواجهات لها ابعاد داخلية وخارجية. ويشكل مخيما برج البراجنة في بيروت والرشيدية قرب صور نموذجين عن هذا الصعيد.
صلابة التوافق الداخلي الفلسطيني، وقرار القيادة الفلسطينية عدم الانجرار الى الفخ السوري، ترجما لدى الشرعية الفلسطينية في لبنان بسياسة الانكفاء على النفس. انكفاء مشوب برخاوة تنظيمية تتمظهر في “فتح”. رخاوة عبر عنها اخيرًا العجز المتمادي عن تشكيل قوة فلسطينية موحدة داخل المخيمات، خصوصًا في عين الحلوة. رخاوة تجعل من افراد او من مجموعة مسلحة صغيرة داخل المخيم قادرة وقت ما تشاء على اظهار قوة وصلابة لا تعكس حقيقة واقعها. وازاء هذا الواقع يمسي امرا مرجحا وقابلا للتحقق تحول المخيم الفلسطيني الى ركيزة اي مشروع تفجير امني على ايقاع الازمة السورية. هذا فيما لو قررت غرفة سوداء بدء مسلسل جديد من حرب المخيمات.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد