بشارة خيرالله
تاريخياً، يُتعارف أن العجلة وعند دورتها إلى الأمام، أحداً لا يستطيع إيقافها، تماماً كما دورتها الخلفية، هكذا تبدو حالة النظام الحاكم في سوريا ومجموعة الحلفاء في لبنان ومن ضمنهم الأزلام والعملاء، تماماً كما تبدو حالة الشعوب المنتفضة على نظام الفرد من تونس بن علي مروراً بمصر مبارك ويَمَن عبدالله صالح وليبيا القذافي، وصولاً إلى سوريا الأسد. فبعد الرحيل الحتميّ للنظام المجرم في دمشق ستشهد المقاعد النيابية المفترضة بعض التعديلات المفترضة أيضاً تماهياً مع المزاج الشعبيّ سيّما المسيحيّ، فهناك من بات يبحث في العودة عن قرار التقاعد المُبكر للتوريث المُبكر في زغرتا وهناك من يدرس إمكانية “العودة إلى الجذور” في المكنونية (قضاء جزين) ليضمن مقعداً نيابياً يصعب الحفاظ عليه في حال تشكّلت لائحة الأقوياء في كسروان.
لكنّ طبيعة علاقة النظام السوريّ بالساسة اللبنانيين تختلف بين حليف وحليف، وبين متعامل وأخر ومستزلم وأخر. فالعلاقة الأسدية مع “آل فرنجية” تندرج في الخانة العائلية، مع حزب الله هي علاقة إستراتيجية ساهمت في نشأته وديّمومته وكانت جسراً لعبور المال والسلاح. مع الرئيس نبيه بري هي علاقة تاريخية كما في الحرب كذلك في السِلمْ، قوامها خدمات متبادلة، مع صغار الحلفاء كميشال سماحة (على سبيل المثال لا الحصر)، تختلف العلاقة لأنهم بنظره أزلام وعملاء ينحصر دورهم بتنفيذ ما يرغب به النظام الدمشقيّ الحاكم وتسويق الأفكار التي تخدم مصالحه، فيما هُم، يعتقدون عن قصد أو عن جهل لا فرق، بأنهم ليسوا عملاء لقاتِل الـ30000 شهيد والحبل عالجرار، بل حلفاء لما يُسمونه “ممانعة” كونهم يحملون أحياناً رتبة المُخبر المُستشار…
مع العماد ميشال عون، تختلف الحال عن كلّ من سبق ذكرهم، فمن الجانب السوريّ كانت حاجة مُلحّة لوجود غطاء مسيحيّ شعبيّ وبرلمانيّ للنفوذ السياسيّ في المرحلة التي إنتهى فيها الإحتلال العسكريّ، وقتذاك، بدأ العقل الأسديّ يعمل على تجديد علاقة كانت قد إنقطعت مع قائد الجيش السابق بفعل إصراره على تفضيل الفوضى بديلاً عن مخايل الضاهر، فكان 13 تشرين 1990، يوم إتفّق السوريّ مع الأميركي والإسرائيلي على حكم لبنان، فأطاح الأسد الأب برئيس الحكومة الإنتقالية الذي سبق له أن وافق على تعيينه قائداً للجيش في العام 1984. (سنروي لاحقاً وبالتفاصيل كيف ولماذا إختير عون لقيادة الجيش).
بعد صفقته المُظفّرة مع آل الأسد التي غابت أسرارها وتفاصيلها عن أقرب المقربين، عاد جنرالنا “سيّداً، حراً ومُستقلاً”، مُعتقداً أنّ الحلف الجهنميّ مع خصوم الأمس وحلفاء ما قبل الأمس القريب، سيحطّ به سيّداً على قصر بعبدا على قاعدة (بالرنجر السوريّ خرج وبالموافقة السوريّة يعود)، مُغدِقاً علينا أجوّد أنواع الرشوة الكلامية، فعلى سبيل المثال: “سنعمل على بناء أفضل العلاقات بعد خروج أخر جندي سوريّ من لبنان” فيما أفضل العلاقات نُسجت قبل الإنسحاب وقبل العودة الميّمونة، ويضيف بعبارة مغريّة: “أنتم في التيار يحق لكم السير فوق الأرض لأنه ليس على ضميركم عمالة أو دم أو في جيوبكم عمولة”، عبارة بدأ باستعمالها لمكافأة الأفراد كلٌ على حِدة قبل أن يتلذذ في تكرارها أمام المجموعات الصغيرة التي تجتمع به دورياً وصولاً إلى الوفود الشعبية، هي نفسها العبارة التي كررها أثناء هروبه الثاني إلى جزين، عبارة يكاد يطير سامعها من شدة الفرح، فالجنرال الأنطاكيّ المشرقيّ الذي تشتاق إليه حجار قصر (الشعب) وتستصرخه أجراس الكنائس لإستردادها من أقبية المختارة، هو نفسه من يُصنّفنا ويرتفع بنا شأناً عن باقي البشر.
هذا الجنرال الذي تجوّل في “تاكسي الأسد الإبن” في عاصمة الأمويين وأكل البوظة الشامية مع قاتِل الأطفال، هو نفسه، من فَشِل في تكسير رأس “الأسد الأب” ذات عشيّة من ليالي “الأنس والتحرير”، هو نفسه من طالب وزير داخلية العام 2005 حسن السبع في أول جلسة نيابية بتحديد المربعات الأمنية قبل أنّ يتعرض إلى “تهويد” حزب الله لمطلبه المحقّ في ذلك الزمان وتحت قِبة البرلمان.
بالأمس، وعشية هروبه إلى جزين، بدا لي خائفاً يتحسس النهاية، يستجدي مقاعدها الثلاث لا مقعد ولا 2، المقاعد نفسها التي سبق له أن إكتسحها في الدورة الماضية. تكلم عن العمالة والعمولة… وأية عمولة في قضاء فازت فيه “العمولةُ” نفسها بمقعدٍ نيابيّ مُهاجِر، وحاز بنك المدينة بفخر على نمرةٍ زرقاء.
بدت لي زيارة الإستجداء كجرس نهاية فرصة الظهيرة في المدرسة، فمن يُدافع عن “إصلاحات” بشار لا مكان له في ضمير الأحرار والكورة تشهد، من ينأى بنفسه عن جريمة ميشال سماحة والوفد المرافق في الرحلة المدججة بالعبوات، لن يحصد إلّا الخيبة، من لم “يُشاهد الحرس الثوري الإيراني بأم العين” لن يكون في مصاف الرابحين بل أكثر من ذلك، سيكتفي بلقب الجنديّ في الحرس الثوريّ “اللبنانيّ”، من يُعادي أغلبية الشعوب العربية بذريعة مُفلِسة إسمها تحالف الأقليات، لن يحصل على أكثرية الـ65 نائباً، بالمناسبة مون جنرال، النصف + 1 لن يُحقق لكَ حلم الوصول إلى كرسيّ الكراسي في بعبدا، عليكَ بالضغط على هِمة الشباب للإتيان بأغلبية الثلثيّن، إلّا إذا عُدت عن رفضك للنصف زائداً واحد بوعدٍ جديد من ذوي القمصان القاتمة، فأتت إشارة العودة من كرنفال جزين.
بالمناسبة أيضاً وتعليقاً على حادثة إطلاق النار التي سُميّت زوراً محاولة إغتيال وهي لا تمّت للإغتيال بِصِلة إن جازت المقارنة بين رصاصة يتيمة في جنب الـX5 في عهد القنّاصات المتطوّرة وأطنان الـ C4 التي أطاحت بقافلة من الشهداء، وبين رصاصة فرنسوا حلّال التي أخطأت العماد عون المتمرد على النظام السوريّ في 12 تشرين الأول 1990 بسنتيمترات قليلة وأردت مرافقه الخاص جوزف رعد شهيداً منسياً برصاصة قاتلة.
الحمد لله على سلامة الوفد المرافق في السيارة التاسعة من الموكب الوهميّ من بين المواكب العديدة التي رافقت الجنرال في رحلة “الهروب الثاني” من كسروان المُترنّحة إلى جزين، حيث من الممكن أن يترشح عن أحد مقاعدها بين أهلِه هناك في مسقط رأسه الأصلي، ففي رحلة “الهروب الأول” من بعبدا إلى “جزّ” (كما يحلو للجنرال نديم لطيّف تشفير كلمة جزين) في 3 شباط 1990 التي لم تحصل، وعلى ذمة أشرف الشرفاء وأوفى الأوفياء المدير العام للأمن العام وقتذاك، كاد العماد عون أن يرحل وحيداً من دون مواكب ولا من يواكبون لوّلا حِكمة الجنرال لطيّف وتدخل نائب رئيس الحكومة الجنرال عصام أبو جمرة لإنقاذ الموقف في لحظاته الأخيرة ونهيّه عن الهروب، نتيجةً لمعلومات وردته عن تسلل قواتيّ من منطقة “أوتيل ديو” في الأشرفية إلى مبنى وزارة الإتصالات (السنترال) القريب جداً من المديرية العامة للأمن العام في العدلية، ليتبيّن لاحقاً أنها معلومات مغلوطة تيّقن جنرال التحرير من خلالها أنّ تجاوز “القوات” خطّ التماس الدوليّ الأحمر وسقوط مبنى السنترال الإستراتيجيّ، هو نذير الشؤم ونهاية النهاية، يومها قرر دولة رئيس الحكومة الإنتقالية وقائد الجيش والإلغاء والتحرير، عظيم العظماء، جنرال أنطاكية وسائر المشرق وقاهِر الأسد، عن معرفة أو عن غير معرفة وبشهادة أقرب المقرّبين، اللجوء العسكريّ إلى منطقة يسيطر عليها “جيش لبنان الجنوبي”… وما أدراكَ ما ومن هو هذا الجيش!!!
كاتب وناشط سياسي – عضو لجنة الإعلام السابق في التيار الوطني الحر
Twitter: @bechara_kh
المستقبل