طهران- خاص بـ”الشفاف”
في زيارة خاطفة قمت بها يوم أمس الثلاثاء الموافق 02/03/2010 لعدد من عوائل السجناء السياسيين في طهران أكدت لي هذه العوائل وكالعادة بانّ السجناء السياسيين يتعرضون بإستمرار لضغوط مستمرة لأخذ الإعترافات منهم بتلقيهم تعليمات من الخارج وحصولهم على نقود ودعم مالي لزعزعة الامن وبانتمائهم لجماعات محظورة. هذا ماأخبرتنا به أسرة المهندس “حشمت الله طبرزدي” المعتقل السياسي الحالي في معتقل 209 في سجن إفين بطهران. وجاءت هذه المعلومة بعد لقائها معه الاسبوع الفائت في سجن إفين، حيث أكد نجله لنا ذلك. كما أخبرنا بأن والده قد تعرض لضغوط في السجن بعد مرور أكثر من شهرين على إعتقاله وقد وضع في الزنزانة الانفرادية لفترة طويلة من الزمن وحلقوا شعره (وهذه ممارسات معروفة في سجن إفين حيث يقومون السجّانون بحلق رؤوس السجناء السياسيين من أجل الضغط عليهم ومن ثم يسمحون لعوائلهم بزيارتهم للتأثير النفسي السلبي عليهم) ويضيف نجل “طبرزدي”: لقد تعرضنا لمزيد من الضغوط والتهديد من أجل التعاون مع الامن وفتشوا بيتنا لعدة مرات وهددوا والدتي بالاعتقال وقد تعرّض والدي للضرب والتهديد لأخذ الاعترافات الزائفة منه.
يعرف “طبرزدي” بمواقفه الوطنية المتشددة في السابق حيث حصلت إنقلابات فكرية عديدة في مواقفه من موالي مطلق للحكومة في إيران الى معارض عنيد ووطني يرفض الدين والحكم الديني في إيران. كان في البداية من القربين للرئيس الايراني الحالي “محمود أحمدي نجاد” حيث كانا في نفس الجامعة يدرسان الهندسة في “جامعة علم وصنعت ” في شرقي طهران. وكان “طبرزدي” من القادة الكبار في الحرس الثوري الايراني، لكن بعد حكومة “رفسنجاني” في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بدأ بتأسيس حركة طلابية نشطة مناهضة لحكومة “رفسنجاني” وينتقدها بشدة من خلال صحيفته الطلابية التي كانت تصدر من قبل ميليشيا “الباسيج ” (صحيفة بيام دانشجو)أنذاك. وتقرّب في تلك الفترة نحو مبادئ المرشد الحالي في إيران. وبعد مجئ خاتمي للحكومة عام97 تحول من مؤيد للمرشد الى معارض متصّلب للنظام وفي نفس الوقت منتقد لحكومة الاصلاحيين. وتبنى رسمياً في تلك الفترة “العلمانية” كمبدأ وشعار لحركته، وأسس “الجبهة الديمقراطية في إيران” من خلال تحالف مع أحزاب كُـردية إيرانية وبعد ذلك تحولت الجبهة الى حزب يحمل نفس الاسم.
أثناء حدوث الموجة الطلابية في إيران وبالتحديد نهاية التسعينات وخلال المظاهرات التي عرفت فيما بعد بمظاهرات الطلبة “أحداث حي الجامعة”، أعتقل “طبرزدي” وعدد من رفاقه الحزبيين بتهمة التدبير لإنقلاب وزعزعة الامن والتواطؤ مع المعارضة الايرانية في الخارج لإحداث إنقلاب. وقضى أكثر من 3 أعوام في السجن. واعتقل مرة أخرى في عام 2007 وكان نزيلاً معي في نفس السجن (سجن إفين قاطع 350) لفترة ما يقارب السنة وبعد ذلك أطلق سراحه.
تعرفت عليه عن قرب وعلى أفكاره خلال فترة السجن. وبعد خروجه من السجن، نشط كثيراً للدفاع عن عوائل السجناء السياسيين بدون إستثناء وأطلق حملة تعرف بـ”الدعم الشعبي للسجناء”. كان يؤمن بمبدأ “الفيدرالية” في إيران وتجسّد ذلك في مقالاته وخطبه، رغم وجود بعض الملاحظات على أفكاره المتطرفة الى حد ما نحو القومية الايرانية الفارسية المتشددة. لكنه أوضح، بكل شفافية، دعمه لحقوق الشعوب الايرانية في جميع مجالات الثقافة واللغة والطقوس والاديان التي تتمثل بها الشعوب الايرانية.
أطلق مبادرة “جبهة دعم الديمقراطية وحقوق الانسان في إيران” التي تتضمن إثني عشرة فقرة تدافع عن حقوق الشعوب. وورد إسم مرقم السطور ضمن قائمة الداعمين، وحيث لا أزال أدعمها بسبب مبادئها التي قد تحقق في الوقت الراهن جزءاً كبيراً من مطالب الشعوب الايرانية المضطهدة .اعتقل “طبرزدي” بعد مشاركته في مراسم إحياء ذكرى إنتصار الثورة في 11 فبراير ضمن المظاهرات المنددة للحكومة ويحسب طبرزدي على الحركة الخضراء رغم إنتقاداته العنيفة لها ولقادتها.
وفي نفس السياق قمنا بزيارة عائلة السيد “محمد صدّيق كبودوند” المعتقل السياسي الكردي الذي اعتقل في عام 2008 وهو ناشط حقوقي كُـردي ومن مؤسسي منظمة الدفاع عن حقوق الانسان في منطقة كردستان إيران. ويقبع “كبودوند” حالياً في سجن إفين قاطع 350 وله مواقف مؤيدة لفدرلة إيران ومطالبات دعم الحقوق السياسية والثقافية والدينية والعقائدية للشعوب الايرانية. وحكم عليه لفترة 11 عاماً يقضيها الان ويعاني من مشاكل صحية عديدة وتعرض لكثير من المضايقات أثناء سجنه كما حدثتنا به أسرته.
وأخبرتنا هذه العوائل بأنّ الضغوط المذكورة تتعرض لها جميع العوائل التي لديها معتقل الان في المعتقلات الايرانية. ومن بينها عائلة “عماد الدين باقي” الذي تمّ اعتقاله بعد اللقاء الذي أجراه “عماد” مع “أية الله منتظري” وبثه تلفزيون “بي بي سي الفارسي”. وتذكر التقارير أنّ “باقي” قد تعرض للكثير من الضغوط والاستفزاز بسبب ذلك اللقاء ونشاطه الحقوقي، كما تتعرض عائلته لضغوط مماثلة من قبل أجهزة المخابرات الايرانية. ويذكر أنّ لباقي مواقف مشرفة دفاعاً عن حقوق الشعوب الايرانية والمعتقلين السياسيين ولعوائلهم. ولي شخصياً ولأسرتي عندما كنت معتقلاً ذكريات طيبة ودعم متواصل من قبل هذا الرجل الشهم والكريم بنفس الوقت. وقد حصل على عدة جوائز من قبل المؤسسات الصحفية والناشطة في محال حقوق الانسان من بينها منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية “.
* محمد حسن فلاحية معتقل سياسي سابق أفرج عنه قبل أشهر بعد 3 سنوات قضاها في سجن إيفن بطهران