لا يوجد شيء اسمه إعادة اعمار سوريا كي يحصل تهافت لبناني بشكل خاص، او عربي بشكل عام على هذا البلد. الصين نفسها التي كانت تعتقد ان ثمّة ما يمكن المراهنة عليه بالنسبة الى إعادة اعمار سوريا، اعادت النظر في موقفها استنادا الى مصدر مطّلع تابع اجتماعا انعقد في بيروت وخصّص للبحث في مستقبل سوريا وتطور الاوضاع فيها.
كان هناك من يروّج لاهتمام صيني بميناء طرابلس في شمال لبنان المطلوب تطويره وإقامة بنية تحتية فيه كي يصبح في استطاعته استيعاب بضائع ومواد ستستخدم في عملية اعادة بناء سوريا. تبيّن مع الوقت ان مثل هذا التفكير الصيني لم يعد واردا. كذلك لم يعد واردا البحث في كيفية جعل الطرقات اللبنانية، التي تربط بين طرابلس وغير طرابلس والأراضي السورية، صالحة للشاحنات الكبيرة التي تنقل حمولات ثقيلة. ليست كلّ الطرقات مؤهّلة لسير مثل هذه الشحنات التي تنقل كلّ منها مواد بناء تزن اطنانا عدّة.
فوق ذلك كلّه، لا تريد الإدارة الاميركية سماع شيء عن إعادة اعمار سوريا. وهي وجهت البنك الدولي نحو الابتعاد عن مثل هذا النوع من التفكير وذلك تفاديا لاضاعة الوقت.
أوروبا نفسها لا تعرف ماذا تريد. تريد الاستفادة من إعادة اعمار سوريا وتتردّد في الاقدام على ايّ خطوة في هذا المجال ما دام ليس ما يضمن توقف الحروب الدائرة على ارض هذا البلد، وهي حروب لا تزال في بدايتها. كان موقف المفوضية الاوروبية واضحا في الفترة الماضية لجهة غياب أي اهتمام حقيقي في المساهمة في إعادة اعمار سوريا. في النهاية، هل يوجد مصرف عالمي يقبل تمويل ايّ مشروع في بلد واقع تحت خمس وصايات في اقلّ تقدير. اكثر من ذلك، لم يعرف بعد حدود أي وصاية من هذه الوصايات وكيف ستتوزع الأراضي السورية كمناطق نفوذ لروسيا وايران وإسرائيل وتركيا… والولايات المتحدة طبعا.
المضحك في كلّ ما له علاقة بإعادة بناء سوريا ان النظام وحده، هو من يسوّق لوجود كذبة من هذا النوع بمساعدة إيرانية واضحة. فايران ترفض الاعتراف بانّها لا يمكن ان تبقى في سوريا في المدى الطويل على الرغم من كلّ الاتّفاقات التي وقعتها مع حكومة غير شرعية وكلّ الاستثمارات بالمال والرجال والميليشيات المذهبية التي لعبت دورا رئيسيا في استمرار الحرب على الشعب السوري وعلى البلد نفسه.
امّا روسيا فتكتفي بتوقيع اتفاقات واستقبال وفود تضمّ مؤيدين للنظام كي تؤكّد انّ مستقبل سوريا مرتبط بها الى حدّ كبير. تصرّ روسيا عبر كبار المسؤولين فيها، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين، على لا وجود لمنتصر آخر غيرها في ذلك البلد، خصوصا ان تدخّلها العسكري في مثل هذه الايّام قبل سنتين حال دون سقوط دمشق والساحل السوري. لا شكّ ان روسيا تعترف بوجود شريك لها على الأرض السورية. هذا الشريك هو ايران الذي لا يريد الكرملين الدخول في مواجهة مباشرة معه، على الرغم من وجود توترات بين الجانبين تطل برأسها بين حين وآخر. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يوميا بإلحاح هو ما العمل بهذا الشريك الثقيل الذي يريد فرض نفسه على شعب لا يستطيع ان يتحمّل من يريد تغيير نمط عيشه وفرض وصاية عليه من منطلق مذهبي ليس الّا. انّه شريك يظنّ ان لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة مسألة سهلة وان لعبة اثارة الغرائز الدينية والاستثمار في الإرهاب والميليشيات المذهبية وتغيير طبيعة المدن العربية مغامرة مأمونة النتائج لا يوجد من يريد الردّ عليها… او انّها لا يمكن الّا ان ترتد على من يلجأ اليها.
كلّ ما في الامر، بالنسبة الى روسيا ان “الساحة السورية” باتت مهيّأة لصفقة قد تعقدها موسكو مع واشنطن يوما. هناك تنسيق عسكري أميركي – روسي واضح ولكن لا تعاون سياسيا ولا اتفاقات في هذا المجال بين الجانبين بعد. الشيء الوحيد الأكيد ان وضع روسيا في سوريا افضل بكثير من وضع ايران بدليل الزيارة التي قام بها لموسكو الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي الاولى من نوعها لعاهل سعودي لهذا البلد. تثبت هذه الزيارة ان هناك لغة منطقية بدأ روسيا تعتمدها في التعاطي مع المهتمين عن قرب بالشأن السوري والمعنيين به على نحو مباشر. كلّ كلام آخر عن زيارة الملك سلمان لروسيا لا معنى له، خصوصا انّ هناك من توهّم ان بوتين يمكن ان يقنع العاهل السعودي بالمساهمة في تمويل إعادة اعمار سوريا. هل هناك عاقل يمكن ان يقتنع بان السعودية يمكن ان تموّل مشروعا إيرانيا، او لادوات ايران، في سوريا؟
تبقى قصة إعادة الاعمار كذبة لا يصدّقها الّا النظام السوري نفسه الذي لا يعي انّه صار في مزبلة التاريخ منذ سنوات عدّة. في الواقع، بدأ العد العكسي لنهاية هذا النظام في اليوم الذي اعتقد ان تغطيته لعملية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ستنقذه من مصيره المحتوم وستجعل منها لاعبا إقليميا.
هناك نظام لا يزال يعتقد ان “البنك الدولي” مثله مثل أي مصرف في العالم. لا يعرف حتّى وظيفة هذا المصرف الذي مقرّه في واشنطن ولا الاطار الذي يتحرّك فيه.
لن تنطلي لعبة إعادة اعمار سوريا، وهي لعبة غير موجودة في الوقت الحاضر، على احد. من اين ستأتي الاموال لاعادة الاعمار؟ هل هناك من يريد الإجابة عن هذا السؤال؟ لا تمتلك ايران ايّ أموال. لا تمتلك روسيا ايّ أموال. الصين ليست راغبة في دخول اللعبة بعدما درست الموضوع من زوايا عدّة، من بينها الدور الذي يمكن ان يلعبه ميناء طرابلس اللبناني.
الى اشعار آخر، لا استعداد سعوديا او خليجيا للمساهمة في إعادة الاعمار ما دام الأفق السياسي غائبا. يمكن بدء الكلام عن افق سياسي في اليوم الذي يظهر ما يشير الى انّ ثمّة تسوية سياسية تختلف عن تلك التي تطرح الآن. بكلام أوضح، ليس هناك من هو مستعد لدخول عملية إعادة الاعمار في غياب المرحلة الانتقالية التي تعني بين ما تعني اعداد بشّار الأسد للرحيل عن دمشق مع عدد لا بأس به من المحيطين به…
هناك محاولة لفرض لعبة وهمية اسمها إعادة اعمار سوريا. بعض اللبنانيين يصدق ان هناك مثل هذه اللعبة ويتحدّث عن ضرورة التعاطي مع النظام السوري واعطائه شرعية كي تكون هناك حصّة للبنان من “الكعكة السورية”. من يدفع في اتجاه ارسال وزراء لبنانيين الى دمشق او عقد لقاءات مع وزراء سوريين كما حصل بين وزير خارجية النظام وليد المعلّم ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في نيويورك، يقع في فخّ السقوط في كذبة. يوجد بكلّ بساطة نظام، ما زال مقيما في دمشق، يبيع الاوهام بترويجه للعبة إعادة الاعمار، وهناك “حزب الله” الذي يسوّق هذه الاوهام في لبنان. كلّ ما تبقّى تفاصيل وبهلوانيات لا تنطلي الّا على أولئك الذين يعتقدون ان شيئا لم يتغيّر في سوريا، لا منذ انسحابها من لبنان عسكريا في نيسان – ابريل 2005 ولا منذ بدء الثورة الشعبية في آذار – مارس من العام 2011…