قبل ساعة تماماً من بدء المواجهة الدامية في منطقة عبرا بين الجيش اللبناني وجماعة الشيخ احمد الاسير ظهر الاحد الماضي، كان مفتي صيدا انهى اجتماعا غير معلن مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في سياق محاولات حثيثة قام بها المفتي سوسان لانهاء التوتر. توتر كان بدأ فصل جديد منه قبل هذا اللقاء بايام بين جماعة الشيخ الاسير وسرايا المقاومة التابعة لحزب الله. وحينها حذر الاسير من استمرار وجود عناصر حزب الله داخل شقق عبرا الشهيرة.
في اللقاء الذي جمع المفتي سوسان والنائب رعد، اقترح سوسان على قيادة حزب الله، في سياق معالجة هذه القضية، اما وضعها في عهدة دار الافتاء، او ان يتم اخلاؤها وتسليمها للجيش، او بيعها لاشغالها من قبل مدنيين. وعد النائب رعد بان يسعى إلى حل هذه القضية، مبديا استعداد حزب الله للبحث في المخارج، واعدا بأن يلتقي المفتي لاحقا لوضعه في نتائج الاتصال مع قيادة الحزب.
وقعت الواقعة وفوجىء المفتي سوسان بانفجار المواجهات بعد قتل ضباط الجيش، وبعدما كان يعتقد ان الاجواء تتجه إلى الحلحلة، استنادا الى سلسلة الاتصالات التي قام بها وطالت مختلف الاطراف الرسمية وغير الرسمية بمن فيهم جماعة الشيخ الاسير وغيرهم. لكن المفتي سوسان لم يستسلم لصوت القذائف والرصاص، خصوصا ان خطر الانزلاق نحو فتنة مذهبية، تمتد في اكثر من اتجاه، بات قاب قوسين او ادنى. فصيدا “كتلة من اللحم” على كتفها مخيم عين الحلوة اكبر مخيم فلسطيني في لبنان، وفي احيائها وبيوتها ومؤسساتها نحو ثمانية آلاف عائلة سورية نازحة. فالى هاجس المواجهة الدموية التي تجري وما تسببه من اضرار بشرية ومادية، كان هناك خوف من ان تتمدد المواجهات نحو المخيم وصولا الى العائلات السورية. انتهت المعركة وفر الشيخ الاسير وبدأ مشهد جديد، لكنه مشهد مؤلم لما انطوى عليه من شعور مسّ وجدان ابناء المدينة.إذ اضاف قهرا الى قهر.
فالى شهداء الجيش اللبناني، هناك 25 قتيلا من جماعة الاسير. وقد سوّق الاعلام ان مقاتلي الاسير هم سوريون وفلسطينيون، لكن اظهرت الوقائع المطموسة حتى الآن ان نحو 20 من هؤلاء هم من ابناء صيدا فضلا عن عشرات الجرحى. ويجري دفنهم على دفعات ويتم تسليمهم بالتدريج من قبل الجيش. وحجم الاعتقالات التي يصفها المفتي بالعشوائية كبير: مئات من المعتقلين اخذوا من المستشفيات ومن البيوت. وأمس قدم الى مكتب المفتي عدد من افراد عائلة نادر عدنان البيومي، التي تقول إن ابنها قتل تحت التعذيب. فهو اعتقل ثم جاءهم اتصال من جهة غير مدنية طالبا منهم ان يتسلموا جثة ابنهم من أحد مستشفيات بيروت. وتفيد المصادر المتابعة لهذه القضية ان الطبيب الشرعي أثبت وجود آثار تعذيب على الجثة.
دار الافتاء في صيدا تحولت الى صندوق شكاوى وباب من ابواب الطلب والاحتجاج. ﻷن السلوك الاستفزازي يتفاقم، وما زاد من غضب بعض فاعليات المدينة وابنائها ان يُطلب منها تأييد الجيش، من دون ان ينتبه الطالب الى ان هذه المدينة مشكلتها منذ سنوات في انها لا تريد غير الجيش والقوى الامنية الشرعية فيها، وانها تريد انهاء كل البؤر الامنية في المدينة من دون استثناء، مثلما ان هذه المدينة لا تقبل ان يشكك احد في خياراتها الوطنية وبتمسكها بمرجعية الدولة وبحصرية الامن في مؤسساتها الامنية والعسكرية.
والى هذا ثمة شكوى من ظاهرة المفقودين. فالعديد من الذين فقدوا ابناءهم بعد موقعة عبرا لا يعلمون ان كانوا موقوفين او مقتولين او فارين. لا معلومات موثقة عن اسماء الموقوفين لدى مخابرات الجيش، فضلا عما يشاع في المدينة ان بعض الذين قاموا بعمليات الدهم والاعتقالات هم من حزب الله وليس من الجيش. واضافت حادثة موت البيومي الملتبسة مخاوف جدية من ان تتكرر، ومن ان تتم عمليات انتقامية ضد بعض المعتقلين او الموقوفين ومن قبل بعض الجهات الحزبية ليقال لاحقا انهم من قتلى المعارك.
السلوك الاستفزازي تراجع امس، بخلاف ما كان عليه في الايام الثلاثة الماضية. فعناصر سرايا المقاومة في المدينة ومحيطها كانت عمدت، وفي اكثر من منطقة بالمدينة، الى ممارسة تعديات على المواطنين، وقامت برفع اعلام حزب الله فوق بعض المعالم، كما حصل في شقتي عبرا اللتين سلمتا امس للجيش، او على مدخل السراي، او من خلال السيارات الجوالة في استعراض مستفز للمزاج العام. وهذا ربما ما دفع النائب السابق اسامة سعد الى تضمين مؤتمره الصحافي امس، طلب وقف التعديات وتسليم جثث القتلى واجراء محاكمات عادلة للموقوفين.
اليوم تلملم صيدا جراحها، لتذهب الى صلاة جمعة موحدة في جامع الزعتري. صلاة يؤمها مفتي المدينة، في المكان نفسه الذي قبل ثلاثين عاما، اي في نهاية العام 1983، وباشراف المفتي الراحل محمد سليم جلال الدين ورعايته، وبحضور المفتي سوسان نفسه وبمشاركة فعاليات من كل الجنوب، شيعة ومسيحيين وسنة، كان شاهدا على اول اعتصام سياسي- شعبي علني يقام في الجنوب اعلن فيه المشاركون التبني العلني للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي. وهو لقاء شكل حينها نقلة نوعية في مسار المقاومة الشعبية والمسلحة التي كانت صيدا في صلبها وداعما لها. فيما هي اليوم تدفع لحزب الله فاتورة رفضها الإستقواء على أهلها باسم المقاومة.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد