إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
بعدما تبين ان المقاومة، غير معنية بحياة من تحارب باسمهم، وتركت شيعتها لمصيرهم دون ملجأ او حماية؛ شعر هؤلاء باليتم بعد ان فقدوا مرشدهم وحاميهم ومصدر قوتهم، السيد نصرالله.
لم يجدوا سوى الدولة والمجتمع اللبناني لاحتضانهم؛ رغم انهم كانوا قد خوّنوهم واستقووا عليهم في السابق.
انتقل فجأة أشرف الناس الى مهجرين، تركوا خلفهم بيتهم وأمنهم واحلامهم. وبعد ان شعروا انهم مستهدفون بشكل خاص من العدو الاسرائيلي، اكتشفوا مع انكسارهم ومهانتهم، ان لا كرامة خارج إطار الدولة. من هنا خوفهم من البقاء بعيداً عن باقي اللبنانيين وعن المساحات العامة المشتركة. الأمر الذي يحمل القلق لتلك البئيات؛ بالرغم من تضامنهم معهم واستقبالهم لهم؛ خصوصاً ان اسرائيل تلاحق القيادات المحتمين بالمدنيين، وتهدم المباني التي يتواجدون فيها.
العنصر الآخر الذي يلعب دوراً في تشابك الانفعالات واضطرابها، الشعور الطبيعي لدى الآخرين انهم يتحملون نتائج سياسات فرضت عليهم من قبل قيادات هذا الجمهور، الذي ربط لبنان، بقوة السلاح، بالمصالح الايرانية. وما كانت زيارة الوزير الايراني، والمرشح السابق لرئاسة ايران، سوى التأكيد لحقيقة احتلال ايران للارادة اللبنانية، في تحد وقح للبنانيين.
لا يمنع تقبل المجتمع اللبناني للجماعات النازحة الآن، التخوف مما قد يحمله المستقبل، اذا استمرت المشكلة دون حل، ولم تتهيأ عودة المهجرين الى منازلهم وقراهم. أسئلة تطرح نفسها: هل سيتوفر ما يكفي من المساعدات لتأمين حياة لائقة؟ في وقت يعاني فيه الجميع من الافقار والعجز؟ هل سيتمكن من استأجروا بيوتا من دفع ايجارهم؟ هل ستنشأ نزاعات بين الأهالي كما حصل مع نزاع الصبيين على الكلة؟
يضاف الى كل ذلك، قيام البعض من مسلحي الثنائي، بممارسة التشبيح والتجاوزات، مثل فتح بعض الشقق بالقوة، او افتعال معركة مع “حلفائهم” من القوميين السوريين، الذين سبق ان قاموا بزرعهم في منطقة الحمرا ليفرضوا سيطرتهم على الشارع، ويرهبون السكان برصاصهم. ما يضر بالمهجرين العاديين المسالمين.
اضافة الى ان البعض من الرؤوس الحامية والمتهورة، من الحزب وأمل، تقوم بتصرفات مرفوضة، او يروج عنهم بها. ما يلزم مرجعياتهم بضرورة ضبطها.
وفيما عدا الازدحام وافتراش الطرق وتمضية الوقت بتدخين الاراغيل، يتميز سلوك معظم المهجرين بالسلمية والدماثة، بحسب شهود عيان استمعت اليهم.
لكن من الملاحظ ان بعض وسائل الاعلام، كمواقع تلفزيونية تابعة لبعض المتمولين، تقوم بتوزيع فيديوهات تحريضية تنقل تصريحات لبعض الاشخاص المشبوهين، يبدون كمتشردي شارع مأجورين، يهددون ويعلنون مواقف نارية مستفزة. ما يعطي الانطباع ان هذا حال معظم المهجرين.
كما أن البعض من الرؤوس الحامية المفترضين مع بناء دولة، يعلن فرحته من امكانية التخلص من الشيعة اللبنانيين عبر تسفيرهم (“ترانسفير” مشبوه) الى العراق. ويروج لذلك بعض التسجيلات، التي تشجع الشيعة على الهجرة الى العراق حيث تنتظرهم ما يشبه الجنة، من البيوت الجاهزة التي يقدمها لهم “الحشدُ الشعبي”، مع تأمين المدارس وما شابه. فما هي مخططات طهران لهم، وأي مؤامرة تُعَدّ للشيعة؟
ان جميع هذه العوامل تشكل خلطة تمهيدية لاشعال الفتنة في الداخل اللبناني، والتي تشجع عليها الحرب النفسية الاسرائيلية، واعلامها الموجه من طابور خامس.
يفسر لنا اللبناني الأصل، نسيم طالب، صحة تخوفنا، يقول:” ان أفضل مثال أعرفه عن كيفية عمل نظام معقد هو الوضع التالي: يكفي لأقلية متعنتة – او نوع معين من الأقليات المتعنتة – أن تصل إلى تمثيل لمستوى صغير، على سبيل المثال ثلاثة أو أربعة في المائة من إجمالي السكان، ليضطر جميع السكان إلى الخضوع لتفضيلاتهم.
سيكون لدى المراقب الساذج انطباع بأن هذه الخيارات والتفضيلات هي خيارات الأغلبية. ويعطي الكثير من الامثلة على ذلك، ليس اقلها انه في مجموعة مختلطة ممن يتناولون جميع الأطعمة، يكفي وجود شخص واحد لا يتناول الا الطعام الحلال، كي يفرض خياره على الجميع.
يستنتج نسيم طالب انه في النظمات المعقدة، التفاعلات هي التي تحدد الاتجاه، وليس طبيعة الوحدات.
من هنا تقع المسؤولية على الاعلام وعلى العقلاء، والمناضلين من اجل الوحدة الوطنية واعادة تكوين السلطة، ولكل من يسعى الى تحرير البلد من الاحتلال الايراني، الذي صار علنياً ووقحاً، العمل على تهدئة النفوس ومنع التداولات المثيرة للفتنة.