1 ـ 2
وسط تزايد الجدل حول تصاعد حدة العمليات العسكرية المتبادلة بين قوات حلف الناتو والقوات الأفغانية من جهة، وقوات حركة (طالبان) من جهة أخرى، تداولت وسائل الاعلام مؤخرا ً تصريحات مثيرة لأمير الحرب قلب الدين حكمتيار دعا فيها حركة (طالبان) الى الإنضمام للحزب الاسلامي الذي سبق لقوات طالبان إن طردته من مناطق كان يديرها في فترة الحرب الطاحنة بين جماعات المجاهدين التي تناحرت على السلطة بعد انسحاب الجيش السوفييتي وسقوط نظام الرئيس الأفغاني السابق نجيب الله، وما ترتب على ذلك من حرب شرسة بين فصائل المجاهدين التي عاثت في أفغانستان فسادا وأغرقتها بالدماء والخراب والدمار.
الثابت أن الحرب الأهلية الطاحنة بين فصائل الجهاد الإسلامي في أفغانستان كانت سببا ً في ظهور نظام طالبان الذي أقام في أفغانستان نظاما ً قمعيا إستبداديا لم يحظَ بإعتراف المجتمع الدولي والعالم الاسلامي، وجعل من الأراضي الأفغانية مرتعا ًلتنظيم (القاعدة) الإرهابي الدولي، وملاذا آمنا ً للإرهاب والارهابيين من كل أنحاء العالم، مرورا ً بتوريط الأراضي الأفغانية في التخطيط لتفجيرات نيروبي ودار السلام عام 1999، وتدمير البارجة الأميركية كول في ميناء عدن عام 2000، وتفجيرات 11 سبتمبر في واشنطن ونيويورك عام 2001، وصولا الى تعريض أفغانستان لحرب شاملة شنتها القوات الأميركية والبريطانية تحت غطاء دولي، بالتعاون مع قوات ما كان يسمى (تحالف الشمال) الذي أسسه المجاهد الأفغاني أجمد شاه مسعود لمقاومة حركة طالبان وتنظيم القاعدة أثناء سيطرتهما على الحكم في أفغانستان.
من نافل القول أن وسائل الإعلام العالمية سلطت الضوء على “تحالف “الشمال” ومساهمته في العمليات القتالية المسلحة إلى جانب القوات الأمريكية والبريطانية أثناء وقوع الحرب على أفغانستان في خريف عام 2001 ضد نظام “طالبان” الذي اتهمته الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى بإيواء الإرهاب.
من جانبها قاتلت حركة “طالبان” دفاعاً عن نظام دموي قدّم صورة مشوّهة للإسلام، ولم يحظ باعتراف المجتمع الدولي والعالم الإسلامي باستثناء باكستان، حيث قدمت حركة “طالبان” نفسها في تلك الحرب كمدافع عن الإمارة الإسلامية الوحيدة في العالم بقيادة “أمير المؤمنين” المُلا ّ محمد عمر، والتي وصفها المولوي جلال الدين حقاني وزير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت، بأنّها ـ أي إمارة طالبان ــ كانت بمثابة ((النواة الأولى للخلافة الإسلامية)) التي أوقف الصليبيون والعلمانيون العمل بها قبل خمسة وثمانين عاماً، بحسب قوله في حديث أجراه معه تيسير علوني عبر قناة (الجزيرة) أثناء الحرب؟!!
على الصعيد نفسه أعلن أمير الحرب قلب الدين حكمتيار من منفاه في طهران آنذاك انحيازه إلى جانب قوات “طالبان” التي سبق أن أخرجته من أفغانستان بعد وصولها إلى السلطة وقيامها ببسط نفوذها في معظم أراضي أفغانستان عام 1996م.. ولم يتردد حكمتيار ـ كعادته دائماً ـ عن إضفاء طابع القداسة الدينية على المعارك التي يخوضها، حيث وصف انحيازه الى جانب (طالبان) بأنّه جهاد مقدّس في سبيل الله.
ثمة من وصف موقف حكمتيار ـ آنذاك ـ بالوطنية، وبالغ في القول إنّه المعارض الوحيد الذي اثبت أنّه “وطني أفغاني” في مواجهة “العدوان الأمريكي”، على غرار ما جاء في التحية الشهيرة التي وجهتها صحيفة (الثوري) لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني الى حكمتيار في ذروة تلك الحرب قبل سقوط نظام (طالبان)!!. لكن طرحاً كهذا إذا صدقناه في ذلك الحين، سوف يجبرنا على إلغاء عقولنا وان تكون سذجاً في السياسة. وقد كتبت أثناء الحرب على نظام (طالبان) مقالا ًانتقدت فيه الموقف اليساري الطفولي لصحيفة (الثوري) ومواقف الأحزاب القومية والإسلامية من التحالف الذي أقامه (حكمتيار) مع (طالبان) خلال تلك الحرب، مشيرا ُ الى أن هذا المنطق اليساري الطفولي من شأنه أن يقود الى اتهام قوات وقيادات تحالف الشمال بالخيانة الوطنية.. بل أنّ الأمر سيمتد الى أبعد من ذلك بتوجيه الاتهام نفسه إلى قادة الدول العربية والإسلامية بخيانة مبادئهم، خصوصاً وأنّ معظم القادة العرب والمسلمين أعلنوا مباركتهم وموافقتهم وتفهمهم لتلك الحرب.. فيما اكتفى بعضهم بمناشدة القوات الأمريكية توخي الدقة في التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية، والإسراع في تنفيذ أهداف تلك الحرب خلال فترة قصيرة؟!!
باسم الاسلام يتآمرون على بعضهم
تشير وقائع سيرة المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفيتي الى أنّ حكمتيار كان واحداً من أبرز أمراء الحرب الأفغانية الذين يتحكم طموحهم للسلطة وحبهم للتسلط بمواقفهم السياسية ناهيك عن أنّه واحد من أخطر تجار المخدرات في العالم، وأكبر ملاك مصانع الهيروين في أفغانستان قبل سقوطها تحت سيطرة قوات حركة (طالبان) وهروب حكمتيار الى طهران؟!!
وفي مذكراته القيمة التي نشرها المهندس عبدالله آنس أحد قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، الذي شارك مع المجاهدين الأفغان في القتال ضد السوفييت، أوضح العديد من خفايا وأسرار الصراعات والانقسامات الداخلية التي استشرت بين فصائل المجاهدين بسبب نزوع بعضهم ـ وفي مقدمتهم حكمتيارـ للاستبداد والتسلط، وطموح كل واحدٍ منهم لأن يكون الآمر الوحيد في القيادة بدون منازع!!
روى عبدالله آنس ـ الذي كا ن مرافقاً لأحمد شاه مسعود في المناطق الشمالية التي كان يقاتل فيها الاحتلال السوفيتي ـ أنّ أنصار حكمتيار أوعزوا لبعض المجاهدين العرب بأن يكتبو تقريرا ً للشيخ عبدالله عزام يتهمون فيه أحمد شاه مسعود بالعمالة للسوفييت وخيانة المجاهدين العرب الذين قُتلوا في المعارك على أيدي القوات السوفيتية، بالإضافة إلى السماح للفتيات الأفغانيات والأجنبيات بالسباحة ـ وهنّ شبه عاريات ـ داخل المناطق الشيعية التي يسيطر عليها في وادي بانشير!!
كان التقرير يستهدف تحطيم صورة وسمعة أحمد شاه مسعود الذي لمع اسمه كمقاتل شجاع استحق بجدارة لقب “أسد بانشي”، وتحريض الدول العربية على إيقاف الدعم العسكري والمالي عنه، بالنظر الى العَلاقة الوثيقة التي كانت تربط الشيخ عبدالله عزام بدول الخليج.. ولما عرض الشيخ عزام هذا التقرير على عبدالله آنس نفاه بشدة، واستدعى الذين كتبوا التقرير واستحلفهم بالله على المصحف الشريف أن يقولوا الحقيقة التي شاهدوها بعيونهم أثناء جهادهم تحت قيادة مسعود.. فانهاروا.. وألمحوا إلى أنّ أشخاصاً نافذين في الحزب الإسلامي الذي يقوده حكمتيار هم الذين ضغطوا عليهم وأجبروهم على كتابة هذا التقرير!!
في هذه المذكرات أيضاً، نشر عبدالله آنس ترجمة باللغة العربية لوثيقة النص الكامل للاتصال اللاسلكي الذي تمّ بين القائد الراحل أحمد شاه مسعود وحكمتيار قبل سقوط العاصمة الأفغانية “كابول” في أيدي المجاهدين عام 1992م.. ومن وقائع هذا الاتصال يستطيع المحلل المحايد أن يتعرف على طبيعة شخصية حكمتيار، والدوافع الحقيقية التي تتحكم في تصرفاته ومواقفه.
قبل أن نتناول بالتحليل مضمون ذلك الاتصال اللاسلكي الخطير ـ الذي سنعرضه في الجزء الثاني من هذا المقال ـ ينبغي التعريج قليلاً على شخصية أخرى لعبت دوراً مهماً في مسار الأحداث التي شهدتها أفغانستان منذ وصول المجاهدين إلى السلطة، كما لعبت هذه الشخصية دوراً مهماً آخر في المسار اللاحق للأحداث التي شهدتها أفغانستان.
هذه الشخصية هي القائد الشيوعي الأوزبكي الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي كان مسؤولاً عن جهاز الاستخبارات الأفغانية وقائداً للقوات الخاصة، والمنسق العام للعمليات الحربية بين الجيش الأفغاني والقوات السوفيتية، خلال فترة الوجود العسكري السوفيتي وحتى عام 1992م، عندما قام بحركة إنقلابية ضد الرئيس السابق نجيب الله، وأحبط محاولة لهروبه بعد ان استولى على المطار، ومنع الأخير من الوصول الى الطائرة التي كانت تنتظره، الأمر الذي أجبر نجيب الله على اللجوء الى مقر الأمم المتحدة في كابول، حيث عاش فيه لمدة أربع سنوات، حتى اقتحمت قوات “طالبان” المقر عند دخولها كابول عام 1996م وألقت القبض على نجيب الله وشقيقه وأعدمتهما رمياً بالرصاص.
كانت حكومة نجيب الله مطالبة بالدخول مع المجاهدين في مفاوضات استهدفت تحقيق السلام والمصالحة في أفغانستان تحت رعاية الأمم المتحدة تنفيذاً لوثيقة “مينسك” التي وقع عليها كل من وزير الخارجية السوفيتي إدوارد شيفارد نادزه، ووزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر عام 1990م، احيث تضمنت تلك الوثيقة نصوصاً واضحة ومحددة قضت بأن يلتزم الطرفان بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وترك مستقبل هذا البلد للأطراف المتنازعة ممثلة بالحكومة الأفغانية من جهةٍ، وفصائل المجاهدين المسلحة من جهةٍ أخرى، على أن تتولى الأمم المتحدة رعاية المفاوضات بين الأطراف المعنية.
منذ ذلك الحين انتقل الملف الأفغاني من أيدي اللاعبين الكبار إلى أصحابه الحقيقيين في داخل أفغانستان.. ومع انتقال هذا الملف إلى طرفي النزاع الرئيسيين برزت تناقضات خطيرة وجديدة داخل كل طرفٍ على حدة.. وظهرت أدوار جديدة للعديد من رموز الطرفين، غير أنّ مسار التطورات التي شهدتها أفغانستان منذ عام 1992م وحتى وقوع الحرب على نظام (طالبان) وقواعد في تنظيم (القاعدة) في أفغانستان عام 2001 أشار بوضوح الى شخصيتين بارزتين لا يمكن قراءة المشهد الأفغاني بكل ما انطوى عليه من أحداث درامية ومأساوية بدون التوقف أمامهما وهما الجنرال عبد الرشيد دوستم والشيخ قلب الدين حكمتيار.
في عام 1989م انسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان بقرارٍ من طرفٍ واحدٍ اتخذه المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي في إطار سياسة البيرويسترويكا التي قادها الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف.
حاولت القيادة السوفيتية بعد انسحابها من أفغانستان إقناع الرئيس نجيب الله بإجراء إصلاحات سياسية داخلية تمهد الطريق لتحقيق المصالحة والسلام في أفغانستان، خصوصاً وأنّ القيادة الشيوعية الأفغانية كانت ـ شأنها في ذلك شأن فصائل المجاهدين المسلحة ـ تُعاني بشكل حادٍ من الصراعات العرقية والقبلية التي أضعفت وحدتها، ابتداءً من الانقلاب الدموي الذي قاده حفيظ الله أمين (طاجيكي شيعي) ضد الرئيس الأسبق نور الدين محمد تره قي (بشتوني سني) مروراً بالانقلاب الذي قاده الدكتور نجيب الله (بشتوني سني) ضد بابراك كارمال برعاية المخابرات السوفيتية التي خططت لذلك الانقلاب بهدف تطمين الغالبية البشتونية في حزب الشعب الأفغاني الحاكم على وجه الخصوص، والمجتمع الأفغاني بشكل عام.
استجاب الدكتور نجيب الله تحت ضغط المتغيرات الدولية لمقترحات القيادة السوفيتية، وشرع مع بعض رفاقه في وضع خطة للإصلاح السياسي. وقد تعززت ثقته بنجاح هذه الخطة بعد الانتصار الكبير والأخير الذي حققه الجيش الأفغاني ضد أكبر هجوم قام به عدد من فصائل المجاهدين الأفغان والمجاهدين العرب في صيف عام 1991م على مدينة جلال اباد حيث استهدف المجاهدون من خلال ذلك الهجوم دخول مدينة جلال اباد الواقعة في شمال شرق كابول بهدف إسقاطها والتحرك بعد ذلك نحو قاعدة بجرام الجوية شمال كابول.. وقد تكبّد المجاهدون بعد فشل ذلك الهجوم خسائر ضخمة اعترفت بها تصريحات صحفية وأحاديث تلفزيونية لعددٍ من قياداتها، كما أكد وقوع تلك الخسائرً الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودية في حديث إلى قناة mbc الفضائية تم توثيقه في وقت لاحق، وأكدها أيضا ً المهندس عبدالله آنس في مذكراته.
حاول الرئيس الأفغاني نجيب الله استثمار ذلك الانتصار لتحقيق برنامج للإصلاح السياسي من موقع المنتصر، يكون ضحاياه عدد من خصومه في الحزب الحاكم وعلى رأسهم الجنرال الأوزبكي عبد الرشيد دوستم بوصفه رئيس جهاز الاستخبارات المسؤول عن الجرائم التي ارتكبت بحق المعارضين والمجاهدين، بالإضافة إلى موقعه كقائدٍ للقوات الخاصة التي اضطلعت بمهام دعم العمليات الخاصة التي قامت بها قوات ” الكوماندوز” السوفيتية ضد المجاهدين في جبال وقرى أفغانستان.
في هذا السياق بدأ الدكتور نجيب الله من خلف قيادة الحزب الحاكم وبالتنسيق مع عددٍ محدود من رفاقه البشتون في قيادة الحزب، بإجراء اتصالات سرية مع وسطاء باكستانيين من حزب الشعب الذي تترأسه السيدة بنازير بوتو، بهدف التفاهم مع المجاهدين على صيغة حل سياسي يحقق المصالحة والسلام، من خلال تشكيل حكومة انتقالية موسعة تتم برعاية الأمم المتحدة وتستمر مدة سنتين، يعقبها استفتاء على دستور جديد للبلاد وانتخابات عامة يتم بموجبها ضمان حرية الصحافة على غرار التجرِبة الديمقراطية في باكستان.. وأبدى نجيب الله استعداده لإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، ومحاكمة كل الذين ارتكبوا جرائم بحق المعارضة، وكان يلمح بذلك إلى الجنرال عبد الرشيد دوستم.
اختلفت ردود فعل فصائل المجاهدين الأفغان إزاء تلك المبادرة التي عمقت الخلافات القديمة بين الفصائل الجهادية.. حيث انقسم المجاهدون الى ثلاثة أجنحة إزاءها. الجناح الأول و كان يمثله أمير الحرب قلب الدين حكمتيار رئيس الحزب الإسلامي المتطرف، الذي يتكون مقاتلوه من طائفة البشتون والمجاهدين العرب والباكستانيين.. حيث رفض حكمتيار بحزم أي شكلٍ من أشكال المصالحة مع الحكومة الأفغانية والرئيس نجيب الله، وأصر على مواصلة (الجهاد) حتى إسقاط نجيب الله ومحاكمته مع جميع أعضاء الحكومة الأفغانية والحزب الحاكم بموجب الشريعة الإسلامية وإقامة دولة إسلامية تمهد لنظام الخلافة على مناهج النبوة بحسب تعبيره !!!.
أما الجناح الثاني فقد تمثل في عددٍ من القيادات الميدانية المعتدلة وعلى رأسها القائد عبد الحق ارسلاي (الذي أعدمته حركة طالبان بعد أن اعتقلته أثناء الحرب التي شنتها القوات الأميركية على نظام طالبان في شهر أكتوبر 2001م)، وسيد أحمد جيلاني ورشيد قرضاوي وحامد كرزاي وآخرون من البشتون، حيث أبدى هذا الجناح موافقة مشروطة على مشروع المصالحة والسلام، واشترط أن يتحقق ذلك تحت رعاية الأمم المتحدة إلى جانب عودة الملك ظاهر شاه على رأس الحكومة الانتقالية، نظراً لإنعدام الثقة بحكومة نجيب الله، بالإضافة إلى أنّ هؤلاء القادة كانوا يصرحون علناً بأنّ أحزاب المجاهدين السبعة والمتناحرة لن تكون قادرة على تحقيق الوحدة والانسجام في حالة وصولها إلى الحكم، فيما كان الجناح الثالث ممثلاً بقيادات جبهات القتال في الأقاليم الشمالية وعلى رأسها القائد الطاجيكي أحمد شاه مسعود قد وافق من حيث المبدأ على إقامة حكومة ائتلافية تلتزم بالشريعة الإسلامية ويشارك فيها أشخاص مختارون من الحكومة الأفغانية بشرط إلغاء حزب الشعب الحاكم، واستقالة نجيب الله وعدم تطبيق الديمقراطية لأنّها تخالف الشريعة الإسلامية!!!
أدرك الجنرال عبد الرشيد دوستم خطورة توجهات نجيب الله على حياته الشخصية فسارع بحكم سيطرته على جهاز المخابرات والقوات الخاصة، وعَلاقاته القوية بقيادات سلاح الطيران والفرق العسكرية المرابطة في الأقاليم الشمالية، إلى تدبير انقلاب مفاجئ ضد نجيب الله الذي حاول بدوره الهروب الى الخارج عبر مطار العاصمة كابول، غير أنّ الجنرال عبد الرشيد دوستم تمكن من إرسال قوة محمولة جواً من قاعدة باجرام الجوية إلى مطار كابول بهدف إغلاقه، الأمر الذي اضطر الرئيس نجيب الله إلى العودة من المطار واللجوء إلى مقر الأمم المتحدة.
أعلن راديو كابول نبأ عزل نجيب الله في منتصف ابريل 1992م وتعيين إدارة مؤقتة برئاسة وزير الخارجية عبد الوكيل أحمد، فيما كان مركز القوة والقيادة بيد الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي أجرى اتصالات مع قادة فصائل المجاهدين في جبهات المناطق الشمالية التي ينحدر منها وعلى رأسهم أحمد شاه مسعود. وقد توجت تلك الاتصالات بعقد صفقة سياسية وعسكرية سرية، تركت آثارها على مسار الأحداث اللاحقة.. بيد أنّ حكمتيار أدرك الأبعاد الخطيرة لتلك الصفقة، على الرغم من أنّ أحمد شاه مسعود حاول بذكاء إخفاءها أثناء الاتصال اللاسلكي التاريخي الذي أجراه مع حكمتيار قبل يومين من سقوط العاصمة كابول على أيدي قوات أحمد شاه مسعود بالتنسيق مع الجنرال الشيوعي الشيعي عبد الرشيد دوستم.
من الأمور المثيرة للتساؤلات، أنّ حكمتيار كان يتحدث عبر اللاسلكي مع أحمد شاه مسعود، والى جانبه أستاذه ومرجعه الفقهي والسياسي، والمدافع العنيد عنه الشيخ قاضي صاحب، المعروف باسم (قاضي حسين أحمد) أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، والذي أصبح فيما بعد مفتي المجازر الدموية في أفغانستان، وعرّاب ومخترع حركة (طالبان)، وقائد ائتلاف الجماعات الباكستانية الأصولية المتشددة التي تعارض الرئيس برويز مشرف بسبب تعاونه مع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي في الحرب العالمية على الإرهاب عموماً، وعلى طالبان ونتظيم القاعدة خصوصا ً !!
ماذا جرى في ذلك الاتصال اللاسلكي ؟..هذا ما سيتناوله الجزء الثاني من هذا المقال في الاسبوع القادم بإذن الله.
ahmedalhobishi@hotmail.com
* رئيس تحرير جريدة “14 أكتوبر” الصادرة في عدن