وصل عدد الطلعات الحربية السعودية والإماراتية في مطلع حرب اليمن إلى١٢٠ طلعة يومياً، وذلك عدد كبير جداً بالنسبة لأسلحة طيران غير مجرّبة في حروب فعلية- ولم يحققه سوى الإسرائيليون حتى الآن في الشرق الآوسط، علماً أن “النسق اللوجستي” الإسرائيلي للمقاتلات يُعتَبَر الأعلى في العالم. مشكلة “اللوجستيات” التي يعاني منها الروس- وعانت منها دائماً الجيوش العربية التي بُنِيَت على الطريقة الروسية- مؤشّر إلى أن روسيا، رغم تركيزها على التسلّح، ليست في مستوى الدول الغربية المتقدمة. إنها “قوة عسكرية متوسطة”، كما ثبت أيضاً من صواريخ “كروز” التي أطلقها الروس من “بحر قزوين” باتجاه سوريا (سقط ٤ منها في إيران) بعد ٢٥ سنة من استخدام الأميركيين لتلك الصواريخ ضد جيش صدام حسين!
الشفاف
*
انخفضت وتيرة العمليات الجوية الروسية في سوريا قليلاً عن الذروة التي بلغتها في الأيام الأولى. ففي حين قام الروس بمعدّل ٨٨ طلعة يومياً خلال أسبوعين، فقد انخفض عدد الطلعات في الأيام الأخيرة- كما توقّع مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية.
وحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية، بتاريخ ٢٦ أكتوبر: ”في غضون ٢٤ ساعة الأخيرة، قامت المجموعة الجوية الروسية بـ٥٩ طلعة ضد ٩٤ هدف إرهابي في محافظات حماه، وإدلب، واللاذقية، ودمشق، وحلب، ودير الزور. وفي غضون الأيام الثلاثة الأخيرة، قامت طائرات المجموعة الجوية الروسية بـ١٦٤ طلعة قتالية ضد ٢٨٥ هدف إرهابي”.
ويُفهَم من البيان أن الروس قاموا بما معدّله ٥٥ طلعة في اليوم بواسطة مقاتلات/قاذفات تشمل سوخوي “سو-٢٤” و”سو-٢٥” و”سو-٣٠ إس أم” و”سو-٣٤إس”- وتلك وتيرة أبطأ من السابق. ولكن الأرقام المنخفضة تظل في حدود ما توقّعه مسؤولو البنتاغون حول عدد الطلعات التي يمكن للروس القيام بها قياساً على عدد الطائرات التي نشروها في سوريا.
ويُعتَقَد أن الروس نشروا ما بين ٣٢ و٣٦ طائرة في قاعدتهم في اللاذقية، مما يعني أن بوسعهم القيام بما بين ٤٨ و٩٦ طلعة قتالية في اليوم إذا تأمنت اللوجستيات الملائمة.
ومع أن الروس كانوا قد أدهشوا كثيرين حينما نجحوا في تنفيذ ٨٨ طلعة حربية في اليوم، فإن مسؤولي البنتاغون توقّعوا أن يعجز الروس عن الإستمرار بنفس الوتيرة لفترة أطول. والسبب هو أن الروس لا يملكون أية خبرة حديثة في نشر المقاتلات خارج بلادهم، كما أنهم لا يملكون ”نسقاً لوجستياً” مجرّباً وسلساً يمكن له أن يؤازر وتيرة طلعات جوية مرتفعة لمدة طويلة.
والواقع أن مسؤولي البنتاغون الذين تحدثنا إليهم يتوقعون أن تكون ”اللوجستيات” هي ”مقتل الروس”.
وكانت مجلة ”يو إس توداي”، في يوم ٢٦أكتوبر، قد كشفت نقلاً عن مصادر في البنتاغون أن حوالي ثلث المقاتلات الحربية الروسية في سوريا، و٥٠ بالمئة من طائرات النقل، تكون على الأرض في أي وقت. ويبدو أن الظروف المناخية القاسية بدأت تؤثّر في طواقم الطائرات، وفي الطائرات نفسها.
وتؤكد مصادري المعلومات نفسها. ولكنها تقول أن اللوجستيات قد تكون السبب الأكبر في انخفاض عدد الطلعات، وذلك انطلاقاً من أن الطائرات الروسية مصنوعة بطريقة تسمح لها بتحمّل ظروف شاقة. وأيا كان الحال، فالحصيلة هي أن الروس يعجزون عن مضاهاة إداءات سلاح الجو الأميركي، أو طيران البحرية أو قوات المارينز الأميركية.
مع ذلك، ربما كان هنالك عامل آخر مؤثُر. فمعظم الطائرات الروسية التي تم نشرها في سوريا هي إما طائرات قديمة الهيكل وتعرّضت لعمليات ترميم وتحسين، أو موديلات جديدة لم تتم تسوية جميع مشكلاتها بعد.
إن الطائرات القديمة- حتى لو أعيد ترميمها- غالباً ما تُصاب بأعطال، كما أنها تتطلب قدراً كبيراً من الصيانة. وذلك أمر لا مفر منه- وهو أحد الأسباب التي تدفع سلاح الجو الأميركي لتسريع استبدال مقاتلاته القديمة (مثلاً، مقاتلات ”إف-١٤ دي” التابعة لسلاح البحرية).
وينطبق الأمر نفسه على الطائرات الجديدة. فبانتظار أن تتعرّف طواقم الصيانة اللوجستية إلى مشكلات الموديل الجديد، وأن تكتشف أية قطع تتطلب التبديل أكثر من سواها، فإن الطائرات التي تدخل الخدمة لا تحقّق سوى معدلات طلعات منخفضة. وقد حدث ذلك في حالة مقاتلات ”إف-٢٢” الأميركية لدى استخدامها لأول مرة. والحال كذلك، الآن، بالنسبة لمقاتلات ”‘إف-٣٥” الأميركية الجديدة.
إن قاذفة ”سو-٣٤” الروسية التي تم تصنيع كميات صغيرة منها، مثلها مثل معظم الطائرات الحربية الروسية الجديدة قد تعرّضت لمشكلات صيانة حادة في السنوات الأخيرة نجمت جزئياً عن بطء وتيرة تصنيعها.
ولا بدّ من الإنتظار لمعرفة ما إذا كانت روسيا سوف تستفيد من الفرصة لإعادة النظر في نظامها اللوجستي. وإذا ما فعلت، فمن الممكن أن تعود وتيرة العمليات الجوية الروسية إلى الإرتفاع بعد أن يتعلم الطواقم كيفية التعامل مع بيئتهم الجوية، وبعد تنظيم عملية نقل قطع الغيار المناسبة في مهل قصيرة.
وسيبيّن المستقبل كيف سيتعامل الروس مع هذه المشكلة.
لقراءة المقال بالإنكليزية، إضغط هنا.