إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(نُشِرَ هذا الموضوع على “الشفاف” لأول مرة في 28 يناير 2009)
قبل 4 سنوات، نشر “الشفّاف” ترجمة عن “سيرة” لعمر سليمان كانت جريدة “معاريف” الإسرائيلية قد نشرتها (اعتمدنا على ترجمة إنكليزية لها). وكان سبب النشر هو اعتقادنا بأن من حقّ الرأي العام المصري (والعربي) أن يمتلك أكبر قدر ممكن من المعرفة عن “مسؤوليه”. و بعد 8 أشهر من نشر تلك “السيرة”، وردنا أنها أثارت إستياء عمر سليمان لأنها تضمّنت أقوالاً غير صحيحة منسوبة له. وقد يكون ذلك صحيحاً، فجريدة “معاريف” ليست الأكثر دقّة بين الصحف الإسرائيلية. وقد وافق “الشفاف” على “سحبها” في حينه بعد أن وصلتنا تهديدات مبطنة بإمكانية تعرّض مراسل “الشفاف” في مصر لمضايقات..
“السيرة” التالية هي الثانية فقط التي وَقعنا عليها في الصحافة الأجنبية، وهي بقلم “الرهينة” السابق في العراق، “جورج مالبرونو (الصورة: عمر سليمان مع الأمير نايف بن عبد العزيز)
*
إنه “أمير الظلّ”. وهو عيون وآذان الرئيس حسني مبارك. وهو الشخص الذي يضطر الصحفي لإرسال المقابلة التي يجريها مع الرئيس مبارك إليه بواسطة “الفاكس” لكي يتحقّق، قبل النشر، من أنها لا تتضمّن أية أِشارة إلى عدوّه الأصولي، “الإخوان المسلمين”. “إن شعره الذي يمشّطه إلى الوراء، وجلسته المستقيمة جداً، وأناقته التي تتّسم بالذوق، والتي تخفي قدراً معيناً من القسوة، هذه الصفات كلها تذكّرني بالممثل الذي لعب، إلى جانب “ليوناردو دي كابري”، دور رئيس إستخبارات عربي في فيلم “أكاذيب دولة”، حسب ما يقول محاور سابق له في جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي لا يخفي أنه “مسحور” به!
متذ أكثر من 3 أسابيع، يسعى عمر سليمان، من مكتبه في “هليوبوليس”، على أبواب القاهرة، لاستئناف الحوار المستحيل بين الأعداء: الإسرائيلييين من جهة، وإسلاميي “حماس” الفلسطينيين من جهة أخرى. عدوّان لا يعترفان سوى بوساطة مسؤول التجسّس المصري. وكان عمر سليمان قد أخفق في فرض وقف لإطلاق النار يوافق عليه الجانبان في شهر يناير، ولكنه لم ييأس. فالرجل يعرف أن “الصبر جميل” في الشرق. وحينما توقّفت الحرب، استأنف عمر سليمان وساطته بين المفاوض الإسرائيلي، عاموس غيلاد، وممثّلي الحزب الإسلامي الفلسطيني الرئيسي. أما هدفه فهو رسم خطوط هدنة تستمر لأطول فترة ممكنة، وإيجاد السبل الكفيلة بوقف أعمال التهريب إلى قطاع غزة- عبر مصر. وهذا ملفّ حسّاس جداً في نظر القاهرة، التي تتحمل مسؤولية ما في أعمال التهريب المتنوعة التي نشأت خلال الثلاثين عاماً الماضية إنطلاقاً من سيناء. وإذا كان عمر سليمان مقبولاً من الجانبين، فذلك بالدرجة الأولى بسبب صفته المزدوجة: فهو رجل مخابرات معروف، ولكنه، كذلك، مستشار سياسي مسموع الكلام، في مصر وفي بلدان أخرى, ويقول الجنرال الفرنسي “فيليب روندو” أنه “بفارق كبير الأفضل إداء بين جميع مدراء أجهزة المخابرات العربية” (الذين يعرفهم “روندو” جميعاً)، “وهو يعمل بلا ملل، ويثير الإعجاب والخوف معاً في جهازه، كما أنه يثير إعجاب الناس بانفتاحه”.
عمر سليمان من مواليد “قينا” في مصر العليا، في 1934، وسحنته سمراء مثل سحنة الرئيس الراحل أنور السادات. وقد شارك كضابط في حرب 1967 وفي حرب 1973 التي فاجأت الدولة العبرية. ويقول ديبلوماسي مصري أن سليمان “بعد مرور 40 عاماً، ما يزال حانقاً حينما يروي النكات عن المستشارين العسكريين الروس الذين كانوا يحرصون بالدرجة الأولى على عدم تعريض حياتهم للخطر من أجل الدفاع عن مصر”. ومع أن سليمان درس في الإتحاد السوفياتي الشيوعي حينما كان شابّاً، فقد اختار معسكره لاحقاً، وهو المعسكر الغربي. ويقول أحد زملائه العسكريين: “لقد عاد من موسكو معادياً بعنف للشيوعية“.
في سنوات الثمانينات، استبدل عمر سليمان البدلة العسكرية بالبدلات المدنية المخطّطة، كمدير للإستخبارات العسكرية أولاً، ثم، إبتداءً من 1993، بصفة مدير الشرطة السرية للنظام المصري التي تتمتع بسلطات شبه مطلقة. وبفضل سليمان، الذي يتمتع بعقلية خادم الدولة، فقد تم ضبط المخابرات: فقد توقّفت العمليات القذرة التي شهدتها سنوات الستينات، حينما كان ضبّاط ناصر يرسمون المكائد بدون علمه. وفي يوم 21 يونيو 1995، أنقد سليمان الرئيس مبارك من الموت حينما نصحه بأن يرسل سيارة مصفّحة قبل وصوله إلى أديس أبابا لحضور مؤتمر قمّة إفريقي. فقد تعرّضت سيارة مبارك لإطلاق النار من كمين على الطريق نصبه إسلاميون مصريون جاؤوا من السودان. وقتل سائق السيارة على الفور، في حين لم يصب الرئيس. وبعدها طلب سليمان وساطة الأجهزة الفرنسية التي أقنعت الخرطوم بتسليم الذين قاموا بالعملية لمصر. وبعد 4 سنوات، ردّ سليمان الجميل لفرنسا حينما نجح بصعوبة في إطلاق سراح رهائن فرنسيين كان الإرهابي “أبو نضال” يحتجزهم في ليبيا. ويضيف “خبير” فرنسي أن “سليمان ساعدنا كثيراً في العملية الإرهابية الليبية ضد طائرة “دي سي 10” التابعة لشركة “يو تي أي”، وفي ملف الإسلاميين المتطرفين بالجزائر”.
إن سليمان يتمتع بميّزة لا تقدر بثمن: فبقاؤه لسنوات طويلة على رأس جهاز مكافحة التجسّس المصري سمح له ببناء بعض من أفضل شبكات العملاء في العالم العربي والإسلامي. وينشط عملاؤه في غزة، في حين أن معظم الأجهزة الغربية لم تعد تملك عملاء في هذا القطاع (إضافة من “الشفاف”: تقول مصادر أصولية أن الإعتقالات بالمئات التي قامت بها الأجهزة المصرية في صفوف “حماس” في السنوات الأخيرة سمحت لها بامتلاك معلومات دقيقة، وربما بتحقيق “إأختراقات” مهمة داخل حركة “حماس” في غزة!). وينشط عملاء عمر سليمان في بلدان الخليج، وفي العراق حيث يمتنع الديبلوماسيون المصريون عن السفر بعد سقوط صدام حسين في العام 2003. بل، وتصل شبكات عمر سليمان إلى باكستان، حيث يطارد “أيمن الظواهري” الذي أقسم على إسقاط نظام القاهرة لأنه “حليف الغرب الكافر”.
إن “إحساسه الحاد بمصالح مصر” هو الذي يجعله يعتبر أن أعداءه هم نفس أعداء زملائه الغربيين: إيران المالكة للسلاح الذري؛ وشبكات الإخوان المسلمين المنتشرة في أنحاء العالم؛ وطبعاً “القاعدة”، بما تضمّه من عناصر مصرية، والتي سبق لها أن قامت بعمليات إرهابية في سيناء. ولا يتردّد سليمان عن إضافة سوريا وقطر إلى هذه القائمة السوداء بسبب “لعبتهما المزدوجة”.
وحتى العام 2000، لم يكن أحد في مصر يعرف إسم مدير المخابرات المصرية. على غرار هوية خصمه الإسرائيلي،الذي كانت السلطات الإسرائيلية تمتنع عن كشفه. ولكن الرئيس مبارك دفعه للظهور في يونيو 2000، حينما شارك في تشييع الرئيس حافظ الأسد. وبعدها بأشهر، عهد إليه بتولّي “الملف الإسرائيلي-الفلسطيني” الذي كان وصل إلى مأزق بسبب الإنتفاضة الثانية. ومن غير أن يحمل اللقب رسمياً، فقد أصبح عمر سليمان، منذ ذلك الحين، مستشاراً سياسياً للرئيس مبارك.
في تلك الفترة، أكثر سليمان الزيارات إلى تل أبيب ورام الله وغزة للإجتماع مع ياسر عرفات وأرييل شارون اللذين كانا يخوضان حربهما الأخيرة. وكان هدفه، حتى في ذلك، هو انتزاع هدنة بين الطرفين المتحاربين. ونجح في إبرام هدنة في 2001، ثم في 2003، وفي 2005. غير أنه، في 2006، أخفق في تامين إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط”، الذي أسرته “حماس”- وهذا، أيضاً، أحد “الملفّات” التي يتابعها سليمان. كما أخفق في مصالحة “السلطة الفلسطينية” مع “حماس”، بعد أن قام الإسلاميون بإبعاد خصومهم الوطنيين من قاطع غزة بالقوة في يونيو 2007. ومنذ ذلك الإنقلاب، لم يعد أحد في الغرب يقبل بالتحدث مع “حماس”. وهذا ما عزّز دور سليمان كوسيط لا سبيل إلى تجاوزه. ويتمتع سليمان بالمصداقية، وبالتالي فهو يحوز إحترام الجميع، بما فيهم حركة “حماس”. ومع ذلك، يقول ديبلوماسي مصري أن “سليمان ليبرالي يعبّر صراحة عن مواقفه المناوئة للإسلاميين”. ويعترف له جميع محاوريه بأنه “يتحدث بوضوح، وأفكاره منظمة جداً، ولا تشعر معه بأنك تضيّع وقتك”.
في السنوات الأخيرة، أوفده الرئيس مبارك في مهمات سرية إلى ليبيا، والمغرب، والسعودية، ومصر. وذلك ليس للإجتماع مع مدراء أجهزة المخابرات، بل للقاء مسؤولي البلدان المذكورة. ويقول أحد الديبلوماسيين أن “ميّزته هو أنه لم يعطِ يوماً الإنطباع بأنه راغب في العمل بالسياسة”، وهذا مع أن الصحافة العالمية (وحتى قسم من المعارضة المصرية- “الشفّاف) تداولت إسمه في وقتٍ ما كخليفة محتمل للرئيس مبارك. أنه أنه رجل ظل لا يلقي ظلّه على رئيس.
Souleiman, l’homme qui sait parler à Israël et au Hamas
عمر سليمان: الرجل القادر على الحديث مع إسرائيل ومع “حماس”
معلومات قيمة وجهد قيم.