كم مرة ، منذ الاستقلال ، طرح العلمانيون قضية الغاء الطائفية والطائفية السياسية، وباءت كل محاولاتهم بالفشل؟ وكم مرة طرح المحاصصون القضية نفسها على عين” العلمانيين، ثم سرعان ما كانوا يطوونها بعد حوار زجلي قصير تارة بين أنصارالنصوص وأنصار النفوس وأخرى بين أنصار العلمانية الكاملة وأنصار العلمانية الناقصة(إلغاء الطائفية السياسية فقط) وثالثة بين الإصلاح التدريجي والإصلاح الفوري، ورابعة بين القرار والمسار، وكان مسك الختام بين الديمقراطية التوافيقة والديمقراطية العددية،الخ.
النص السياسي الرسمي ، أي الدستور ، ليس نصا طائفيا ، ولا ذكر فيه لا تصريحا ولا تلميحا لدين الدولة ، لذلك كان يظهر دوما أن شعار إلغاء الطائفية السياسية هو بمثابة دعوة إلى إلغاء شيء غير موجود في النص. غير أن الطائفية موجودة في المجتمع والثقافة والعادات والتقاليد ، الخ. لذلك كان يبدو الشعار كأنه دعوة لإلغاء الطوائف، ما أباح للمحاصصين من السياسيين والدينيين تصويره مرادفا للإلحاد أو قريبا منه ، وجعلهم مطمئنين دوما إلى أن معركة إلغاء الطائفية السياسية أومعركة العلمنة لن تكون أكثر من زوبعة في فنجان.
من موقع الإصرار على إلغاء الطائفية السياسية، شحذ العلمانيون عقولهم فدخلوا في اللعبة الطائفية ، من غير أن يدروا ، ولووا عنق الدستور وتصوروا أن الصلاحيات الدستورية منوطة بالطوائف لا بالمحاصصين من ممثلي الطوائف، فطالبوا بأن يأخذوا من رئيس الجمهورية الماروني الذي “يحكم ولا يحاسب”( بفتح السين) ويعطوا لرئيس الوزراء السني الذي يحاسب(بفتح السين أيضا) من غير أن يحكم. وظنوا في حينه أنهم اكتشفوا البارود ( أو بالأحرى قانون الجاذبية) فصرخوا : “وجدتها وجدتها” ، الحل في المشاركة… لكنهم ، في الحقيقة ، ساهموا في نقل البلاد من السلم الأهلي إلى الحرب الأهلية إلى أن خرج إلى النور اتفاق الطائف، الذي انطوى على جزء كبير من أوهامهم الثورية التقدمية.
ثم ظهر محاصصون جدد ، ووجدوا أن هذا التوزيع هو أيضا غير عادل، فراحت الشيعية السياسية تخيم في قلب المدينة وتعطل الحياة فيها ، وتطالب، هي الأخرى ، بالمشاركة . كان من الطبيعي أن تنتقل شعارات العلمانيين ، بسبب حمولتها الطائفية، إلى من هم أولى بحملها، حتى لم يعد للعلمانيين دور يلعبونه ، فخلت الساحة السياسية لممثلي المذاهب من الذين لهم مصلحة في تأبيد نظام المحاصصة ( وليس النظام الطائفي) ، الذين لايرغبون في إلغاء الطائفية ولا يقدرون على ذلك ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فظهر النظام اللبناني في أجلى صوره ، أي على حقيقته، نظام محاصصة بالمعنى الدقيق للكلمة، وصارت الشراكة والشركة والمشاركة خبز اللغة السياسية وملحها وعاد الوطن إلى ما كان عليه قبل الحداثة ، مقاسمة ومغارسة ومخامسة ومرابعة ومزارعة ، في الإدارة والوزارة والاقتصاد والصفقات وفي كل شيء ، الى آخر مصطلحات الاقتصاد الريعي أو الاقطاعي العثماني والمملوكي ، وعاد المواطنون رعايا والراعي واليا أو أميرا أو سلطانا أو على الأكثر زعيم ميليشيا مسلحا يشبه “زميلا ” له في زمان الملل التركي المملوكي ، الذي كان فيه على رأس كل ملة قبضاي .
“نجح ” العلمانيون حين أدخلوا إلى اتفاق الطائف تعديلات كانت قد وردت في البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي لأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية في منتصف السبعينيات.لكن ما عدته الأحزاب “العلمانية” نجاحا ودخلت بفضله إلى جنة السلطة السياسية ، كان هزيمة منكرة لكل طروحاتها العلمانية، ذلك أن إعادة توزيع الصلاحيات أدخلت النظام اللبناني في أزمة جديدة ، تماما مثلما أن المحاصصة الأولى قبل الطائف ولدت حربا ، والمحاصصة الجديدة ولدت حربا ، ومثلما تنذر محاصصة الشيعية السياسية بفتنة أكثر تدميرا من سابقاتها .
لقد آن لنا ، نحن العلمانيين ،أن ننتبه إلى أن الصراع على توزيع الصلاحيات الدستورية والمالية والإدارية والعسكرية ، الخ. على أساس المحاصصة أو المشاركة ، بكل صيغها وأشكالها، لا ينتهي بغير الحرب، وأن رجحان كفة الحصص لصالح الرئيس الماروني لم تنقذ الموارنة من الانفجار المدوي في نيسان 1975، ولا رجحانها لصالح الرئيس السني حمى الوطن من حوادث 7 أيار وآثاره التدميرية ، ولا رجحانها لصالح رئيس شيعي” منتظر” سيحمي الشيعة من الانعزالية أومن خسائر أين منها خسائر الموارنة . آن للعلمانيين أن ينتبهوا إلى أن شعارهم صار بين أيدي المحاصصين يستخدمونه لتثبيت نظام المحاصصة لا لإلغاء الطائفية السياسية ولا لإقامة الدولة العلمانية.
المحاصصون يعرفون (وليسوا في حاجة لأن يتعلموا) أن الصراع على العلمنة وإلغاء الطائفية يفضي في نهاية كل معركة من معاركه إلى مجرد تنازع على الحصص، وتختزل القضايا الكبرى المتعلقة بمستقبل الوطن في حفنة مكاسب يجنيها المتعاركون وتتناسب طردا مع أحجامهم العسكرية والسياسية . أما ترجمتها العملية فستتجلى في إصرار كل طرف على حصة يزعم أنها حصة طائفته ،بينما هي في الحقيقة حصته الشخصية ، الشخصية المحض ، تعزيزا لنفوذه السياسي من خلال توظيف أزلامه ومحاسيبه في الإدارة العامة وتوظيف موقعه داخل السلطة في تحاصص المشاريع والصفقات وتقاسم المال العام . ومع كل محاصصة جديدة يسقط في فخ الفساد من لم يبل بلاء حسنا بالتستر على أسياد الفساد الميامين ، هذا إذا لم تسقط ضحايا ونفوس بريئة وتتعطل حياة الوطن ليأتي في كل قرن من يدعي أنه باعثه من جديد
المحاصصون يعرفون أن الشعارات العلمانية جسر عبور آمن إلى تكريس محاصصاتهم، لأن الزجل الطائفي الذي يتقنه محترفو تسييس الدين وتديين السياسة جاهز دوما حينما تدعو الحاجة، ومدجج بأفضل أدوات البلاغة والفصاحة ، ليتناغم رافضو العلمنة ورافضو إلغاء الطائفية السياسية. قال سيادة البطرك يوم طرحت مسألة القانون المدني الاختياري للأحوال الشخصية: نحن نوافق على ما يوافق عليه المسلمون، وقال الشيخ محمد مهدي شمس الدين في حينه: نحن لا نوافق إلا على ما يوافق عليه المسيحيون. سبحان الموفق… العلمانيون وحدهم هم الأغبياء لأنهم لم يتعلموا بعد أن شعاراتهم سرقت منهم وأفرغت من مضامينها وباتت سلاحا فتاكا في يد من لا مصلحة “شخصية” ولا وطنية لهم في إعادة بناء الوطن والدولة.
على الصعيد السياسي لا تشكل الطائفية عطلا في النظام أو في نصوص الدستور والقوانين وبالتالي فليس من المنطقي أن نطالب بإلغائها من المكان الذي ليست موجودة فيه، وإذا كان وجودها يقتصر هنا على توزيع الرئاسات الثلاث على المذاهب الثلاث الكبرى، فهل هو مكسب لكل الموارنة والمسيحيين كون رئيس الجمهورية مسيحيا ؟ إن تجربة ما بعد الطائف على الأقل تثبت أنه ما من موقع كان محل تنازع بين المسيحيين دون سواهم مثل موقع الرئاسة الأولى. أما الرئاسة الثانية فلا تقدم الدليل على أنها مكسب لجميع الشيعة على حد سواء ، وكذلك هي الحال في رئاسة الحكومة. فضلا عن ذلك ، إذا كان وجود رئيس جمهورية من المسيحيين يشكل عنصر اطمئنان لهم في هذا الشرق ، فإن من واجب اللبنانيين عموما ، والعلمانيين على وجه الخصوص، أن يحافظوا على لبنان الرسالة ، لبنان الذي لن يبقى من رسالته شيء إذا ما واصلت الأصوليات الإسلامية استئصال غير المسلمين من هذا الشرق ، على غرار ما تفعله “المقاومة” في العراق أو ما فعلته طالبان في أفغانستان ، أو على غرار ما فعلته القوى الطائفية المسيحية والإسلامية خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
لكن التنوع الطائفي موجود في بنية المجتمع وعاداته وتقاليده ، ويمكن لهذا التنوع أن يكون مصدر غنى واساس ثروة ثقافية وفكرية واجتماعية، كما يمكن أن يستخدم في عملية فرز لا بين مسيحيين ومسلمين فحسب ، بل بين كل المذاهب والطوائف والمناطق والقرى والأحياء ، حيث لاحدود ثابتة للتنوع ، ولا حدود للعنف المذهبي ، تشهد على ذلك أحداث السنوات التي تلت اغتيال الرئيس الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، كما سبق أن شهدت على ذلك الأحداث التي تلت خروج قوات الاحتلال الاسرائيلي مدحورة من جبل لبنان .
نعم ، ينبغي أن يسحب من التداول المشبوه شعار الغاء الطائفية السياسية و شعار العلمنة ، بعد أن صار الأول كأنه شعار إسلامي ضد المسيحيين ، والثاني كأنه شعار مسيحي ضد المسلمين ، وبعد أن صار يبدو طرحهما كأنه مناورة يعرف أصحابها أنها لذر الرماد في العيون ، ثم تعود أمور المحاصصات إلى مجاريها.
إذن ، من اين يبدأ الإصلاح؟ من بناء الدولة. ويسارع المحاصصون إلى القول ، ما من أحد لا يريد الدولة !
هذا صحيح ولكن ! دولة المحاصصة هي الأخرى دولة ( وإن سميناها في لغتنا الثورية مزرعة) . وقد تتعدد تسمياتها وأوصافها ، فهل نريدها دولة إسلامية ، أو دولة الوطن القومي المسيحي، أو الدولة القومية العربية أو السورية أو الشامية أو الأممية أو الاشتراكية أو الدولة القوية القادرة العادلة ، أو دولة المهدي المنتظر؟ هذه الأصناف من الدول ومشاريع الدول هي التي صنعت حروب لبنان ( إلى جانب أسباب أخرى للحرب لسنا الآن بصدد البحث عنها)، ولم يتواضع اصحابها ويعترفوا بمسؤولياتهم وبنقد تجاربهم ، بل اكتفى كل منهم بتبرئة نفسه وبتوجيه تهمة تخريب الدولة إلى سواه ، وراح البعض يرجئ عملية بناء الدولة إلى ما بعد إنجاز المهمات القومية ، أو يتخلى عما يخصه من واجب ويرميه على عاتق سواه ، أو يتذرع بغياب الدولة أو بضعفها ليبني على حسابها دويلة ، الخ. إلا دولة واحدة أجمع عليها أصحاب النفوذ ، وأحاطوها بالرعاية والاحتضان والحماية، وكلما تقاتلوا عادوا وتفاهموا وتحابوا وتفانوا في حب بعضهم بعضا تحت رايتها وخيمتها، تماما كما فعلوا في الدوحة باسم الطوائف والطائفية، إنها دولة المحاصصة والشراكة والمشاركة والديمقراطية التوافقية والتوافق الوطني والتعايش الوطني والتكاذب الوطني ، وإن اختل توازن الحصص المأمول ،لا سمح الله، ستنفجر حروبهم ، أو يأتي من يساعدهم على تفجيرها لتنتهي بمحاصصة جديدة .
الحل بسيط جدا : أنها دولة القانون ، من غير أي نعت آخر، من قانون السير حتى قانون الانتخاب، المهم وجود القانون ووجود الجميع تحت خيمته. المواطن في حاجة إلى حماية القانون لا إلى حماية زعيم الطائفة السياسي أو الديني، ولا إلى حماية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أومقاومة الوجود السوري،ولا إلى حماية أميركا والأم الحنون أو حماية سوريا و إيران، أو حماية إسرائيل؟! القانون الذي لا سيادة لسواه على كل الأرض الوطنية ، في المخيمات وعلى الحدود وداخل المربعات الأمنية والسياسية والطائفية ، أو في مربعات النظام من الإيمان، و في الحارات والأزقة وجرود المخدرات النائية ، وبشكل خاص سيادته على الجيوش الخاصة ومعسكرات تدريبها ضد الدولة لا ضد العدو. ليس في هذا الكلام تجديف على أحد ولا إهانة لأحد، فالحروب التي تدور رحاها في كل أرجاء الأمتين العربية والإسلامية هي حروب ضد دولة القانون ، منذ تلك الحروب والانتفاضات المجيدة( أدهم خنجر مثلا) التي قامت قبل قيام الدولة الحديثة في الولايات التركية حتى آخر الحروب الراهنة في اليمن والعراق والسودان والجزائر وأفغانستان ، مرورا بسلسلة الحروب اللبنانية الممتدة من حرب 1975 حتى اعتصام الخيم واجتياح السابع من أيارالتي اندلعت كلها وفي لاوعيها الجمعي هدف واحد هو القضاء على الدولة بالقضاء على القانون، وانتهاك سيادة الدولة بانتهاك سيادة القانون، ذلك أن انتهاك السيادة لا يتم فحسب من قبل العدو على الحدود ، بل كذلك من قبل أصحاب مشاريع الدويلات داخل الدولة وعلى حساب الدولة والقانون.
قبل الدولة الحديثة كانت دولة المحاصصة (المرابعة والمخامسة والمزارعة الخ.) . في لبنان قام الرجعيون والتقدميون ضد دولة القانون التي تعززت أيام الرئيس فؤاد شهاب ، وبدأوا بهدم بنيانها قبل الحرب الاهلية واستمروا خلالها وبعدها، وأول ما هدموه هو سيادة القانون ، حيث صار القوي، طائفة أو ميليشيا أو عمامة أو قلنسوة ، يقتطع من سلطة القانون لنفسه مساحة يحكم عليها بقوته الخاصة وقانونه الخاص ،فتوزعت سيادة الدولة ( أي سيادة القانون) على سيادات أو سادات الطوائف والمذاهب ، وتعددت القوانين ونشأ ما أطلق عليه دويلات الأمر الواقع التي لم تكن في الحقيقة سوى مناطق نفوذ لأصحاب النفوذ من المتسلطين على الطوائف.
ينبغي أن تطوى صفحة إلغاء الطائفية السياسية وصفحة العلمنة ، وأن ترفع في وجوه المتاجرين بالطوائف والأديان مهمة بناء دولة القانون التي لم تصل إلى الحضارة الحديثة إلا بنسخة واحدة وحيدة وإن تعددت أسماؤها : دولة المؤسسات و الحريات الديمقراطية و الفصل بين السلطات (وعلى رأسها السلطة القضائية) والكفاءة وتكافؤ الفرص والتناوب على السلطة. هذه الدولة وحدها هي الدولة التي لا يهم فيها من أي طائفة يكون الرئيس ومن أيها يكون النائب والوزير والمدير العام.
إذن تعالوا نبدأ من حيث انتهى الرئيس فؤاد شهاب ونكمل ما بدأه .من دولة المؤسسات والفصل بين السلطات والكفاءة وتكافؤ الفرص ( وهو ما كفلته مؤسسات الرقابة ومجلس الخدمة المدنية) ، ونستأنف العمل في الفجوة التي لم تكن تجربته فيها ناجحة، أي من الحريات و الديمقراطية اللتين تدهورت حالتهما من بعده ( كثير من الحرية والقليل من الديمقراطية)، إذ تحولت الحرية إلى فلتان وفجور وخروج على كل قواعد اللياقة وآداب العلاقات الاجتماعية والأخلاقية ، خصوصا في العقدين الأخيرين ، حين فاضت المنابر الإعلامية عن حاجة السبابين والشتامين ؛ أما الديمقراطية فقد أخذ المحاصصون يشحذون عقولهم لإفراغها من مضمونها، بدءا من شعار المشاركة الأول الذي رفعته القوى “الوطنية والإسلامية ” في وجه الرئيس الماروني ، حتى شعار المشاركة المستعاد المرفوع في وجه رئيس الحكومة السني، مرورا بالديمقراطية التوافقية ! التوافق على ماذا؟ إنه توافق على الحصص بعيدا عن الديمقراطية ، بل توافق على إلغاء الديمقراطية ! أية عبقرية فريدة ، وأية شطارة لبنانية هذه التي زجت في المعركة المذهبية ، أي معركة المحاصصة، كلاما في العددية والتوافقية نجم عنه كلام عن النوعية وآخر عن القطيع ، كلام لا يكون مآله غير شحن النفوس وتحضيرها لحرب أهلية جديدة.
الديمقراطيةهي الأخرى يحميها ويحصنها القانون، قانون جديد للتمثيل السياسي يعتمد النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة مع الحفاظ على القيد الطائفي .الدائرة الواحدة للتأكيد على أن النائب يمثل الشعب اللبناني وعلى أن المواطن اللبناني يختار كل نواب الوطن. والحفاظ على القيد الطائفي من أجل الحفاظ على لبنان الرسالة وعلى الوجود المسيحي في وجه الأصوليات والتطرف وحتى يبقى اللبنانيون وحدهم أيا يكن توزعهم الطائفي ، هم أسياد في وطنهم ولا ينازعهم على تحديد هوية وطنهم العربية أحد من العالم العربي ولا من العالم . أما النسبية فلأن تجدد الإجماع عليها في أعقاب الدوحة حصل بأشد مما كان قبل الدوحة . لكن، تداركا لتملصهم المرتقب من هذا الإجماع ، لا بد ، لاعتمادها، من تبديد المخاوف والتحفظات التي تثيرها.
هي مخاوف من طغيان العدد وتحفظات على الآليات. الدائرة الواحدة مع القيد الطائفي تكرس الاتفاق على المناصفة ، وتكرس الانتماء الوطني للناخب والنائب على حد سواء ، وتوجه اختيار المواطن نحو البرنامج لا نحو المرشح ، وتفرض تحالفات وطنية الطابع تتجاوز الانتماء الطائفي والمذهبي والمناطقي ، وترتقي بدور النائب في البرلمان من معقب معاملات إلى مشرع ومراقب لعمل الحكومة ومحاسب لها. أما الخوف من طغيان دور الطوائف الكبرى على الصغرى فأمر يمكن تفاديه ببساطة كلية من خلال آليات الفزر و/أو آليات الانتخاب ، والاقتراحات في شأنها عديدة جدا . فضلا عن ضمانة أخرى لتبديد المخاوف تتمثل في تنفيذ ما ورد في اتفاق الطائف عن مجلس الشيوخ ، وضمانة وطنية هي في أساس كل الضمانات، ألا و هي اتفاق اللبنانيين على أن لبنان هو وطن نهائي لهم ، لهم وحدهم ، لا يفرطون بسيادته ولا ينازعهم عليها أحد .
moukaled47@hotmail.com
كاتب وجامعي لبناني