إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لعل ابدع ما كشفته جريمة اغتيال منسق حزب القوات اللبنانية في جبيل، باسكال سليمان، والسيناريوهات الباهتة التي رافقت ما قيل عن “الكشف عن الجناة والقاء القبض عليهم”، هو “العقيدة القتالية والامنية” للجيش للبناني ومخابراته، فضلاً عن تَعددُّ ولاءات الاجهزة الامنية الاخرى بين القوى السياسية على اختلافها.
منذ اتخاذ قرار حل الميليشيات بداية تسعينيات القرن الماضي، وصدور قرار ملاحقة عناصر ميليشيا “القوات اللبنانية” دون سواها، وسجن قائدها 11 عاما، توجَّهَت العقيدة القتالية والامنية للجيش اللبناني ومخابراته، نحو ما يسمى “المجتمع المسيحي”! وتخصَّصت مخابرات الجيش في ملاحقة “القواتيين”، وسَجنهم والتنكيل بهم، بإيعاز وأوامر واضحة من نظام الوصاية الامني اللبناني-السوري، الذي أداره ضباط المخابرات السورية، غازي كنعان ثم رستم غزالة وجامع جامع وغيرهم، بالشراكة الكاملة مع جهاز الامن العام، الذي تولاه الضابط اللبناني جميل السيد، وقائد الجيش، رئيس الجمهورية لاحقا لتسع سنوات، اميل لحود.
تخصص جهازا “الامن العام” و”مخابرات الجيش”ـ وآداتهما “المحكمة العسكرية” ـ في ملاحقة عناصر “القوات” وتلفيق التهم لهم، مع أن حزب “القوات” أيَّد اتفاق الطائف، وحلَّ الميليشيا العسكرية التابعة له، وكان على اهبة الاستعداد للانخراط في العمل السياسي أسوةً بباقي الاحزاب.
منذ تلك الايام، وحتى اليوم، لم تتغير “العقيدة القتالية والامنية” للجيش اللبناني ومخابراته وجهاز الامن العام، الذي تولاه ضابط شيعي بدلا من ضابط ماروني، كما كان الوضع في السابق.
مخابرات الجيش والامن العام يعرفان الشاردة والواردة في ما يعرف ب ـ”المجتمع المسيحي”، ولا يفوتهما اي تفصيل مهما كان صغيرا. وينتشر المخبرون السِرّيون والمعروفون في كل مكان، يكتبون تقاريرهم في كل تفصيل، من خلاف عقاري الى سياسي وما بينهما حتى.. الخلافات الزوجية، ما راكم كماً من المعلومات لدى قادة الجهازين يستخدمانه في تطويع المسيحيين. فلا يستطيع هؤلاء الخروج في مظاهرة، ما لم تكن بغطاءٍ امني! ولم يخرج المسيحيون في تظاهرات الا في عهد الرئيس ميشال عون، لتماهي الاخير سياسيا مع عقيدة المخابرات والامن العام الامنية. فكان يُسمح للعونيين بالتظاهر بحماية المخابرات وعناصر الجيش! وحين سمح الجيش لمتظاهري 17 تشرين بالنزول الى الشراع لحسابات القائد” الرئاسية، اغتاظ منه الرئيس عون واصبح يطالب بعزله وتعيين بديل له لانه “خان الامانة”،” حسب ما قال رئيس التيار العوني جبران باسيل.
مع منعهم من التظاهر، مُنِعَ المسيحيون من حمل السلاح حتى الفردي في حين يتولى عناصر الجيش حماية مواكب سلاح حزب الله من دون اي مسوغ.
هذه “العقيدة” التي تولى إعادة صياغتها نظام الاحتلال الايراني، بعد العام 2005، ما زالت تعمل على نفس الوتيرة: تلفيق تهم، وملاحقات امنية تطال المسيحيين دون سواهم،! ولم يعمل على تغييرها، اي قائد للجيش منذ تركه اميل لحود ليجلس على كرسي الرئاسةعلى تغييرها، والسبب ان لوثة الانتقال من مقر وزارة الدفاع الى مقر رئاسة الجمهورية تضرب جميع قادة الجيش بعد ان استمات ميشال عون في تحقيق حلمه الرئاسي، وانتقال ثلاثة من قادة الجيش الى القصر الرئاسي، وهم اميل لحود، ميشال سليمان، وميشال عون. والحديث يدور حاليا عن ان قائد الجيش الحالي العماد جوزف عون هو من المرشحين الاوفر حظا لتولي رئاسة الجمهورية، في سابقة لم يعرفها اي نظام ديمقراطي في العالم.
مع اختطاف باسكال سليمان، بدات ماكينة مخابرات الجيش بضخ اخبار ملفقة عن العملية، وصولا الى اعتقال العصابة المنفذة، واتهام سوريين بتنفيذ الخطف، بهدف السرقة، ثم الاعلان عن اكتشاف مكان سليمان، وانه حي وان العمل جار على تحريره! وصولا الى اعلان وفاته في سوريا في منطقة تقع تحت سيطرة حزب الله!
وجاهدت مديرية المخابرات في تلفيق الاخبار، طوال يوم الاختطاف وقبل الاعلان عن وفاة المغدور، من دون ان يرف جفن لكل مُرَوِّجي التلفيقات على اختلافها.
وبدا واضحا ان مديرية المخابرات ما زالت تعمل بنفس هدي “العقيدة الامنية” التي ورثتها عن زمن الوصاية السورية، وهي الامعان في ملاحقة المسيحيين وإرغامهم على القبول بتلفيقات لا تخضع لعقل ولا لمنطق.
وخلافا لما صرح به وزير داخلية لبنان اليوم، عن ان الاجهزة الامنية كانت تنسق في ما بينها، فإن أي تنسيق لم يظهر الى العلن بين “فرع المعلومات”، ومخابرات الجيش، حيث ان الفرع المذكور، محسوب على الطائفة السنية، وتم تأسيسه على يد الشهيد الضابط وسام الحسن، وتخصص في ملاحقة عملاء سوريا واسرائيل على حد سواء، وحماية شخصيات قوى 14 آذار، فغاب الفرع عن التحقيق في جريمة باسكال سليمان!
كما غاب ايضا عن المشاركة في التحقيقات، ربما لعدم الاختصاص، جهاز أمن الدولة، المحسوب على التيار العوني، وهذا لفرع متخصص في حماية الشخصيات السياسية.