دبي- – ما الذي يحدث في العراق؟ ولماذا لم توقع الاتفاقية الامنية بين الحكومة العراقية الحالية والادارة الاميركية واين تكمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة للاطراف العراقيين في ضوء التجاذبات السياسية بشأن توقيع الاتفاقية من عدم توقيعها.
من الواضح ان الكرة الآن في ملعب القيادات والتيارات السياسية الشيعية على اختلافها. فحكومة نوري المالكي بيدها موضوع الحل والربط خصوصا وان الاكراد، وهم من “مكوّنات الشعب العراقي” باللغة السياسية العراقية الحالية مستعدون للتوقيع، كيف لا وهم منذ تسعينيات القرن الماضي محمية دولية واميركية بموجب قانون الحظر. والسنّة، أي المكوّن الثاني، لا يبدون اعتراضاً، أقله علناً على الاتفاقية، ويتركون مسؤولية البت بشأنها للمكون الثالث والاكثري من الشيعة، وان كانوا يميلون اكثر الى توقيع الاتفاقية لان البديل بنظرهم سيكون وقوع العراق في فلك السيطرة الايرانية، وهم لو خيروا بين ايران وواشنطن فهم يفضلون واشنطن.
إذاً، الكرة اليوم في الملعب الشيعي بما يختزن من تناقضات يبدو انها آيلة للانفجار القريب لتحدث مزيدا من الانقسام الشيعي بين مؤيد لتوقيع الاتفاقية حتى من دون تعديلات وبين رافض للتوقيع من الاصل. وهذا الانقسام لا يعدو كونه مظهرا من مظاهر التجاذبات الشيعية بين مؤيد لاستقلال القرار الشيعي عن ايران او الحفاظ على تبعيته لها.
وفي هذا السياق لا بد من التوقف عند ما يحدث إزاء بداية ارتفاع اصوات شيعية تعلن تبرمها من عدم توقيع الاتفاقية وهي تستشعر ان المكتسبات التي تحققت خلال خمس سنوات من حكم الشيعة للعراق سوف تضيع ما لم يتم توقيع الاتفاقية، وستكون الخسارة اقسى وامر من تلك التي حدثت عام 1920.
يشير مراقبون متابعون لتفاصيل الوضع في العراق ان هذه الاصوات تعمل على تقديم مصالحها الوطنية على مصالح باقي الاطراف، آخذة في الاعتبار نبض الشارع العراقي الذي سوف يحاسبها اذا تسببت له بخسارة مكاسبه. وفي وعي الشيعي الفردي، انه لولا الجنود الاميركيين لم يكن ليحصل على حريته وتاليا هو يقف ضد اي تدخل ايراني في شؤونه يضيع عليه مكاسبه على مذبح النووي الايراني فضلا عن الاسباب العرقية والقومية.
ويستحضر هؤلاء موقف الشيعة العراقيين من الحرب العراقية الايرانية، حيث كانت نسبة الشيعة من عناصر الجيش العراقي تقارب الستين في المئة فكانوا يقاتلون الزحف الايراني وصدّوه طيلة ثماني سنوات من الحرب.
نبض الشارع العراقي هذا انعكس في المجلس الاسلامي الاعلى برئاسة عبد العزيز الحكيم حيث برز التباين بين القيادة المدنية للمجلس، والعسكرية التي تعرف بـ”فيلق بدر”، حيث اعتبر مقربون من المجلس ان القيادة المدنية انتبهت الى حجم الخسارة التي ستتكبدها في حال لم توقع الاتفاقية، وان اول تداعيات عدم التوقيع ستكون ضياع مكتسبات السنوات الخمس الماضية وسقوط القرار العراقي بيد الاستخبارات الايرانية.
المصادر المقربة من المجلس تضيف ان هذا الصوت بدا محرَجا وخائفا من الخروج الى العلن، ولكن النقاشات التي تدور في اروقة المجلس هذه الايام تشير الى ان الصراع بدأ يأخذ منحا مكشوفا داخل قيادات الصف الاول.
وتشير المعلومات الى ان سلسلة اجتماعات جرت بين هذه القيادات كانت عاصفة ونتج عنها تباين حاد في وجهات النظر، وهي تنذر بحدوث انقسام فعلي وان كان لم يخرج الى العلن بعد.
يمثل تيار الموافقة على الاتفاقية ويقوده عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي ومعه جماعة من المستقلين الشيعة ورموز من احزاب غير دينية. والمفاجأة ان الرجل الثاني في المجلس، “عمار الحكيم”، بعد والده عبد العزيز الحكيم، يقف الى جانب عبد المهدي في وجه المتشددين الذين يمثلهم هادي العامري قائد “فيلق بدر”، الجناح العسكري للمجلس والذي يسطر على معظم جنوب العراق.
وإزاء اشتداد حدة الخلاف يبدو ان المجلس الاسلامي الاعلى يتجه الى موقف من إثنين: الاول ان يحصل انقلاب سياسي في المجلس ويجهر بموقفه من توقيع الاتفاقية.
والثاني، يتمثل في حصول إنقسام داخل المجلس تسعى الاجهزة الايرانية على اختلافها الى تكريسه منذ نجاحها في الحؤول دون ان يصل عادل عبد المهدي الى رئاسة وزراء العراق.
وتضيف المصادر ان هناك ما فات هادي العامري ويبدو انه لم يأخذه في حساباته، وهو ان عملية استيعاب الميليشيات في الجيش العراقي اخرجت من صفوف منظمته، “فيلق بدر”، العناصر الشابة وجعلتهم من ضمن منظومة المصالح للقوات المسلحة العراقية حيث يشكل هؤلاء اليوم فرق النخبة وهم يقومون بعمليات عسكرية اثبتوا خلالها جدارتهم الميدانية وكفاءتهم القتالية. وولاءهم ينقسم بين السلطة الزمنية المتمثلة بالحكومة العراقية والسلطة الزمنية المتمثلة بمرجعية النجف، حسب ما ذكرت المصادر..
وهذه الوحدات العسكرية لن تسمح لأي ميليشيا بأن تتطاول من جديد على اي مرجع، ولن تسمح بتكرار ما حصل في النجف خلال الاحداث التي تسبب بها اتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
هذا على الجبهة الشيعية. ولكن ما الذي يحصل على الجبهة الكردية؟
رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني يجري محادثات في واشنطن لتظهير سيناريوهات ما بعد عدم التوقيع على الاتفاقية.
وتشير المعلومات الى ان البرزاني ابدى استعداده للتوقيع على اتفاقية باسم الإقليم مع الاميركيين، على ان يتم اعلان دولة كردية منفصلة عن العراق.
موقف البرزاني ارفقه بعرض للاميركيين يسمح لهم بنشر اربعين الف جندي اميركي ومنظومة صواريخ وضمانات امنية واقتصادية لتركيا، من ضمنها اتفاق مدته خمسة وعشرون عاما لاستخدام الموانئ التركية كمنفذ بحري للاقليم للاستيراد والتصدير، وخصوصا تصدير النفط..
موقف البرزاني اثار تحفظ القيادات السياسية العراقية ما استدعى عقد اجتماع عاجل للمجلس التنفيذي المؤلف من رئيس الجمهورية العراقية ونائبيه ورئيس الوزراء مساء الخميس 30-10-2008، في مقر اقامة الرئيس طالباني ببغداد لمناقشة الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية وكيفية التعامل معها.
وعقب الاجتماع الذي استغرق اكثر من ساعتين، اشار نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي الى ان المجلس التنفيذي اتفق على الطريقة التي يجب اعتمادها في التعامل مع الاتفاقية، خصوصا بعد ان وصلت التعديلات الى الجانب الامريكي، مؤكدا ضرورة “التفكير بكافة الطرق للتعامل مع هذا الموضوع”.
من جانبه، اشار نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي خلال تصريح صحفي، الى ان حوارا صريحا و جديا دار خلال الاجتماع، مؤكدا ان النقطة الاساسية التي تم الاتفاق عليها خلال الاجتماع “ان يستند اي قرار يتخذه العراق في هذا المسلك او ذاك على التوافق الوطني”، مضيفا “ان هذه المسالة تشكل تقدما حقيقيا في وحدة الصف وفي قراءة مصالح العراق”.
من جانبه اكد رئيس الوزراء نوري المالكي، ان المجلس التنفيذي نظر في الورقة المقدمة التي تضمنت التعديلات التي اقرها مجلس الوزراء، كما ناقش الخطوات اللازمة التي سوف تلي هذه الخطوة. وأكد ضرورة ضمان موقف وطني موحد بخصوص الاتفاقية من خلال عرض هذه التعديلات على كل القوائم والمسؤولين ليبدوا رأيهم فيها، مشيرا الى ان هناك اجواءً ايجابية من التفاهم الوطني واقتراب كبير في وجهات النظر، مضيفا “نأمل ان شاء الله الايام المقبلة ستكون فيها قرارات وتوجهات حاسمة للشركاء في العملية السياسية”.
richacamal@hotmail.com