على الرغم من الجدل المثار حول الإسلام و المسلمين منذ جريمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 فان ما يعرف بالمصارف الإسلامية أي تلك التي تقول أنها تزاول أعمالها وفق ضوابط الشريعة، تشهد نموا كبيرا و تمددا في كل الاتجاهات، و جذبا لمدخرات المسلمين وغير المسلمين، الأمر الذي أغرى حتى المصارف التقليدية بفتح وحدات أو منافذ تعمل طبقا للشريعة على نحو ما بدأه مصرف سيتي الأمريكي حينما أطلق في عام 1996 “مصرف سيتي الإسلامي للاستثمار” من البحرين. وطبقا لإحدى الدراسات الحديثة، فان مثل هذه الأنشطة تزاول اليوم في نحو مائة بلد من خلال مصارف إسلامية مستقلة أو من خلال وحدات تابعة للبنوك التجارية التقليدية، و أن ما يتم التعامل فيها من أموال يزيد على 400 بليون دولار مع معدلات نمو سنوية تتراوح ما بين 10 و 15 بالمئة، و أن قيمة مجمل أعمال هذه المصارف مع أصولها يصل إلى نحو تريليون دولار مع احتمال صعودها إلى 2.8 تريليون في عام 2010 .
و هذا المشهد يختلف بطبيعة الحال عما كان سائدا قبل عقدين حينما كان الكثيرون من المسلمين أنفسهم يترددون في التعامل مع مثل هذه الأجهزة والأدوات من منطلق ارتباطها بأيديولوجيات متشددة و ساعية إلى إحلال النظام الديني مكان النظام المدني، الأمر يمكن معه القول بوجود علاقة طردية ما بين المد الإسلامي السياسي و المد الإسلامي الاقتصادي.
ويقال أن الفكرة انطلقت من إحدى البلدات المصرية في عام 1963 على يد المصري احمد النجار، و تجسدت ابتداء في مؤسسة كانت تعنى حصريا بجمع المدخرات واستثمارها في التجارة والصناعة مباشرة أو من خلال الشراكة مع آخرين، ثم توزيع الأرباح المتحققة على أصحاب المدخرات، دون مزاولة الخدمات البنكية الأخرى المعروفة. و لم ينعطف عقد الستينات إلا و كان في مصر 9 مصارف من هذا النوع الذي لا يدفع ولا يحتسب فوائد، من بينها بنك ناصر الاجتماعي المؤسس في عام 1971 و الذي زاول نفس الوظيفة رغم عدم وصف نفسه بالإسلامي أو ادعائه بتطابق معاملاته مع أحكام الشريعة.
بعد ذلك طبقت الفكرة على المستوى القطري في دول مثل السعودية و باكستان و السودان وإيران، لاسيما و أن بعض هذه الدول كانت قد بدأت مشروع اسلمة مظاهر الحياة. غير أن وقتا طويلا مر كانت خلالها المصارف الإسلامية تكتفي بالجلوس في انتظار قدوم المستثمرين لطرق أبوبها، أو حصر أنشطتها على المستوى القطري، أو تجاهل تطوير نفسها باستحداث و خلق أفكار جديدة، و هو ما تغير في العقد الأخير حينما بدأت تلك المصارف، ولا سيما الخليجية منها، في القيام بحملات شرسة للاستحواذ على أسواق المال والأعمال و جذب العملاء و المستثمرين على نحو ما قامت و تقوم به مؤسسات مثل دار المال الإسلامي و بنك التنمية الإسلامي ومجموعة البركة و بيت التمويل الكويتي و مجموعة الراجحي المصرفية. و هناك من المراقبين من يعتقد أن هذه المصارف وصلت إلى نقطة من النضوج و القوة تسمح لها بامتلاك هوية خاصة مستقلة تماما عن الأطر و المعايير التنظيمية المتبعة في البنوك التقليدية. لكن في المقابل هناك من يقول باستحالة تحولها إلى ند أو منافس خطير للبنوك التقليدية. فبدائل الاستثمار أمامها محدود في ضؤ التزامها المفترض بالحلال و الحرام، مما يعيق مثلا دخولها في صناعات الفندقة و المنتجعات والسياحة والترفيه التي تتوسع عالميا و تدر عوائد ضخمة. كما أن شفافية أعمالها والمعايير التي تدير بها أنشطتها غير واضحة و مصدر لتساؤلات كثيرة طبقا لمقال نقدي نشرته مجلة “فوربس” الأمريكية مؤخرا. هذا ناهيك عن وجود قطاع لا باس به من المسلمين المتشددين الذين يتخذون موقفا سلبيا منها، بل يستندون إلى مظاهر و مسلكيات عديدة كدليل على الشك بالتزامها بضوابط الشريعة بدقة. و مما يثار أيضا في هذا السياق تباين موقف المدارس الإسلامية من هذه الصناعة. إلى ذلك يقول المحلل المالي الآسيوي “ابهيشيك كومار” إن الامتحان الحقيقي لمدى صمود هذه الصناعة هو كيفية تعاملها مع الأزمات المالية الكبرى على شاكلة الانهيار النقدي في جنوب شرق آسيا في عام 1997، و هو ما لم يحدث بعد.
وما يعنينا هنا هو اكتساح ظاهرة المصارف و الأدوات الإسلامية في السنوات الأخيرة لمنطقة آسيا و الباسفيكي التي يبدو أن مستقبل هذه الصناعة فيها واعد، بدليل استقطابها المتصاعد لأموال المستثمرين غير المسلمين، و تنافس دول عدة مثل ماليزيا و سنغافورة و اندونيسيا و بروناي على التحول إلى مركز رئيسي لمثل هذه الأنشطة. و الحقيقة أن كل واحدة من هذه الدول تملك مزايا نسبية تجعلها مؤهلة لهذا الغرض.
فماليزيا مثلا لديها خبرة أطول و موارد بشرية أكثر تأهيلا في هذا المجال بحكم أسبقية دخولها قطاع المصارف الإسلامية، ناهيك عن تميز نظامها المصرفي بقاعدة صلبة من القوانين، وتمسكها بمواقف ليبرالية تجاه عمل المؤسسات المصرفية الإسلامية. و هي اليوم تحتضن عددا من بنوك ومؤسسات المال الإسلامية التي تستحوذ على أكثر من 10 بالمئة من مجمل الأنشطة المصرفية مع احتمال ارتفاع هذه النسبة إلى 20 بالمئة في نهاية العقد الجاري، فيما أكثر من 50 من عملائها هم من غير المسلمين و إجمالي أصولها يصل إلى 3.5 بليون دولار. غير أن هذا البلد الذي دخل صناعة المصارف الإسلامية في شكله الواسع ابتداء من عام 2003 حينما منح ثلاثة تراخيص لمستثمرين أجانب (بيت التمويل الكويتي و مجموعة الراجحي السعودية و بنك قطر الإسلامي) لا يبدو انه في وارد منح المصارف الإسلامية العاملة في أراضيها أي استثناءات أو مزايا تنافسية تجعلها أطول ذراعا من المؤسسات المصرفية التقليدية. فأنشطتها المصرفية خاضعة لقانون مدني هو قانون المصارف و المؤسسات المالية، و الخلافات التي قد تحدث في القطاع المصرفي تحكم فيها محاكم مدنية.
أما سنغافورة فتنافس انطلاقا من مصداقية نموذجها الاقتصادي، و استقرارها السياسي، وقوانينها الواضحة ذات الجذور البريطانية، و نظامها المصرفي الشفاف، و كلها عوامل سمحت لها باقتحام عالم الأدوات المالية الإسلامية بقوة في السنوات الأخيرة، و لاسيما بعد جولة رئيس حكومتها السابق “غوه تشوك تونغ” في الخليج و الشرق الأوسط قبل عامين و التقائه هناك بأرباب المال والأعمال، ثم نجاحها في العام الماضي في اجتذاب أكثر من 175 ممثل للمصارف الإسلامية والتقليدية إلى مؤتمر نظمته بقصد اتخاذ أراضيها كمركز عالمي رئيسي للمعاملات المالية الإسلامية. و في مايو من العام الجاري قام “بنك التنمية السنغافوري”، الذي كان أول مصرف سنغافوري يدخل أسواق الشرق الأوسط و يحصل في ابريل 2007 على ترخيص للعمل في مركز دبي المالي العالمي، بإطلاق “بنك آسيا الإسلامي” بالاشتراك مع مساهمين كبار ينتمون إلى عائلات معروفة في الخليج، و برأسمال مدفوع بلغ 418 مليون دولار.
وتأتي بعد ذلك اندونيسيا التي تحتضن حاليا 23 مصرفا إسلاميا خالصا و أكثر من 450 مصرفا تقليديا بوحدات إسلامية، علما بأن أول مصرف إسلامي تأسس فيها كان في عام 1992 تحت اسم “بنك معاملات”، و هو المصرف الذي ارتفع عدد المتعاملين معه من 132 ألف في عام 2005 إلى 664 ألف في عام 2006 ، فيما البنك الأجنبي الوحيد الحاصل على رخصة تسويق الأدوات والمنتجات المالية الإسلامية هو “مصرف هونغ كونغ و شنغهاي” الذي افتتح وحدة باسم “أمانة الشريعة”. و تحاول سلطات هذا البلد الذي لديه ميزة وجود قاعدة سكانية ضخمة في حدود 240 مليون نسمة (90 بالمئة منهم مسلمون)، تطوير قوانينها و أنظمتها المصرفية المتعثرة لاستقطاب مستثمري الخليج و لمواجهة التوسع الهائل في هذه الصناعة و التي يقال أنها تنمو في اندونيسيا بنسبة 70 بالمئة من عام إلى آخر.
*محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
elmadani@batelco.com.bh
ظاهرة البنوك الإسلامية تجتاح آسيا“ويقال أن الفكرة انطلقت من إحدى البلدات المصرية في عام 1963 على يد المصري احمد النجار، و تجسدت ابتداء في مؤسسة كانت تعنى حصريا بجمع المدخرات واستثمارها في التجارة والصناعة مباشرة أو من خلال الشراكة مع آخرين، ثم توزيع الأرباح المتحققة على أصحاب المدخرات، دون مزاولة الخدمات البنكية الأخرى المعروفة. و لم ينعطف عقد الستينات إلا و كان في مصر 9 مصارف من هذا النوع الذي لا يدفع ولا يحتسب فوائد، من بينها بنك ناصر الاجتماعي المؤسس في عام 1971 و الذي زاول نفس الوظيفة رغم عدم وصف نفسه بالإسلامي أو ادعائه بتطابق معاملاته مع أحكام… قراءة المزيد ..
ظاهرة البنوك الإسلامية تجتاح آسياإن ظاهرة البنوك الأسلاميه كانت فكره أسلاميه أبتدعها الأخوان المسلمون في مصر بهدف أجتذاب أموال البسطاء والذين لايؤمنون بمبدأ الربا ، ويفضلون العمل بالمرابحه ، ولكن ضيق الأفق لهذه البنوك في مجال الأستثمارات والقائمه الطويله من الأستثمارات المحرمه ، جعل هذة البنوك عديمة الفائده وتحولت إلى صندوق حديدي لأيداع الأموال وبدون فائده ، بعض هذه البنوك قبل أن يلعب دورا مزدوجا ، فهو من جهه مصرف أسلامي يقبل الودائع من دون فائده ،ومن جهة أخرى يتعاون مع بنوك أخري عالميه ليضخ إيداعاته لها ويتم الأستفاده من الفوائد وعمليات المضاربه التي تجريها البنوك الأخرى بالنيابه عن البنك… قراءة المزيد ..
ظاهرة البنوك الإسلامية تجتاح آسيا
بودي ان اعرف بماذا تتميز خدمات البنوك الاسلامية عن البنوك العادية؟