..ما نفع الابيات إن لم تكن ضد هذا الليل الذى يخترقنا كخنجر مُر….؟
(بابلو نيرودا)
…وبعد ألا يحق لنا أن نتساءل عن جدوى الكتابة إن لم تكن ضد هذا الليل الذى يخترقنا كخِنجر مُر كما قال بابلو نيرودا…؟ ألا يحق لنا أن نقول حتى متى ستتواصل الطعنات فى خاصرة مشهدنا الثقافى المصاب بالدوار أصلا…؟ وألا يجوز لنا فى عام الإفتاء بمصادرة رواية “الجنقو مسامير الأرض” للروائى عبد العزيز بركة ساكن تحت فرضية أنها تناولت الجنس دون مواربة، كما زعم المجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية فى خطابه الصادر فى السابع من أبريل من هذا العام (عام مصادرة الجنقو) والمعنون إلى إدارة المطبوعات والنشر ومدير شرطة المصنفات وإلى جمارك مطار الخرطوم وإلى وحدة التفتيش والرقابة الميدانية، إستهدافا لعمل روائى كان فى مجمله عبارة عن غوص أدبي رفيع فى الواقع الإجتماعي السودانى وعبر تقنيات فى قمة التماسك الفنى. قُلت ألا يجوز لنا أن نمحص فى المصادر التى يستمدون منها الجرأة للإفتاء بمصادرة عمل أدبى رفيع المستوى متكامل البنيان، وعن الأرضية التى توفر لهم قوة (الشكيمة) فى فى تمرير قراءتهم المتوجسة للأعمال الأدبية. أسئلة رغم بساطتها إلا أنها عندى بمثابة المفتاح والمدخل العقلانى لدراسة ظاهرة الحجب والمصادرة والمحاكمات و(نفاج) لمقاربة البناء المِعمارى للفكر الذى يخول للبعض محاكمة الأدب كيفما أتفق ومن خلال ميزان الحلال والحرام.
وكالعادة عند كل غارة حجب ومصادرة، اليافطة واحدة وإن تعددت فيها المفردات والعبارات والأكلشيهات مجترة ومستهلكة، وان تعددت الأسباب. والثيمة الأساسية التى يستندون عليها فى فتاوى الحجب والمصادرة والإخضاع للتحقيق هى فرضية ان النص أو الرواية غاصت عميقا فى بنية المسكوت عنه، ولامست أبقاراً مقدسة محرمة على (الجس) الأدبى وضمنيا ممنوعة من المقاربة الأدبية. هم هكذا حُراس فضيلة غائبة، يدلل على غيابها ماتطفح به عناوين ومانشيتات الصحف الصفراء من حالات إغتصاب وحالات تحرش جنسى بمعدلات متصاعدة وتردى فى مستودعات الضمير الأخلاقى. والمفارقة المضحكة لحد البكاء أنهم بازدواجية معايرهم تلك يتقبلون أن تصبح هذه “التابوهات” مواداً دسمة للصحف الصفراء وفى الأن نفسه يتمترسون ضد المحاولات الجادة والمحترمة التى تقارب ذات التابوهات فى الحقل الادبى، مع ان الميدان الثانى يتناولها دونما إبتذال أو متاجرة رخيصة.
وهم، للقصور البائن فى وعيهم التخيلى، وللخطل الذى يلتبس زائقتهم الجمالية، تجدهم باستمرار فى حالة عجز دائم من إستيعاب المعانى الكامنة خلف أبنية النص الأدبى الروائى، وتاليا لذلك يختارون بدون عناء أن يشهروا سيوف الحجب والمصادرة والمحاكمة كأبسط الخيارات التى ينتجها إنسان يعانى من أزمة ما فى وعيه التخيلى. وهو خيار، رغم انه يتناغم تماما وحالة الوعى الذى يلتبسهم، وهو خيار، رغم بساطته وتبسيطاته عندياتهم، إلا أنه عندنا يكشف عوزهم للإتساق مع الحدود الدنيا لقضية الأدب التى من ضمنها التحرك فى مساحة القضايا الوجودية، وكل ذلك لأن البديهيات فى الحقل الثقافى بصورة عامة والحقل الروائى بصورة خاصة هو أن مشروعية محاكمة اى عمل ادبى سواء كان شعرا أو سردا أو رسماً، لابد أن يقوم ويستند على النظريات النقدية، ومن غير البديهى حسب الأعراف الثقافية أن تتم محاكمة الفعل الأدبى وفق أسس ومعاير سياسية أو أخلاقية أو دينية لأن هذه المعاير عرضة للتباين والإختلاف. لان ما يراه زيد من الناس أخلاقياً قد يراه الآخر غير أخلاقى، وما يراه زيد من الناس خادشاً للحياء العام قد يراه عبيد من الناس غير ذلك، وعلى ذلك قِس.
ولكن دعنا هنا نفترض جدلا ان الرواية بها مشاهد خادشة للحياء(بحسب إفتراضاتهم). األيس الأحرى معرفة إن كانت تلك المشاهد هى “الثيمة” المركزية للنص، أم انه تم التطرق لها من خلال سرد موضوعى لأحداث النص بحيث تصبح مجرد فكرة تم توظيفها موضوعيا ضمن أفكار اخرى تعج بها الرواية. وهل المشاهد الخادشة للذوق العام بحسب (معايرهم) تم زرعها إعتباطا فى جسد الرواية، أم تُراها جاءات فى تناغم مع الفكرة العامة للسرد…؟ فى ظنى ان هذه هى الأسئلة التى يجب ان تطرح لإستجلاء بنية النص، وهذه هى الأسئلة التى تكشف تقنيات وتماسك النص. وما دون ذلك فى ظنى محض إجتزاء نقدي وخطوة أولى لتقديم قراءة نقدية خاطئة للرواية تقدمها فى خلاصتها النهائية على انها مادة رخيصة لإثارة غريزة ما لدى القُراء. وهذا لعمرى ما لم يهدف إليه الروائى “بركة ساكن” ولم تسعَ إليه أهداف الرواية ذاتها.
إذاً، ثم ماذا من بعد ان اصبحت ثقافة الحجب والمُصادرة والمحاكمات حاضرة بقوة فى الفضاء الثقافى خاصتنا؟ ألا يحق لنا أن نطرح تساؤلاً أخيراً عن دور المؤسسات والكيانات الثقافية عن هذا الإرتباك الثقافى وعن هذه الفوضى والتعدى الواضح على مكتسباتهم..؟ إلا يحق لنا ان نتساءل عن دور إتحادات الكتاب السودانيين عن هذا العبث..؟ أخاف أن يكون سكوتهم وسكونهم به شبهة التواطؤ الضمنى. وأشد خوفى أن يكونوا غير مستوعبين لحقيقة أن السكوت عن مصادرة عمل أدبى هي أولى مراحل السكوت عن مصادرة الإبداع نفسه.
cafo999@hotmail.com
* كاتب سوداني
حواشي:
* عبد العزيز بركة بركة ساكن روائى سودانى له العديد من الاعمال الروائية منها الطواحين, إمراة من كمبو كديس,والجنقو مسامير الأرض وقد فازت هذه الرواية بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائى فى عام 2009
* الجنقو/ لقب يطلق على عمال المشاريع الزراعية فى السودان
* نشر موقع “سودانيات” الفصل الأول من الرواية على الرابط التالي
طعنة أخرى فى خاصرة مشهدنا الثقافى
د. هشام النشواتي
قانون الطوارىء اذا مدد اكثر من فترة محددة قصيرة كما نلاحظ التمديد الشيطاني في الدول المتخلفة العربية فان التمديد لسنوات فهذا يعني ارهاب الدولة ضد شعبها والاعتماد على مافيات مخابراتية ارهابية لتوليد اجنة مشوهة مستضعفة حاقدة ونهب الشعب وتفقيره واذلاله بحيلة الارهاب والمخدارات والظروف تاو المقاومة وغيرها من الاعذار الشيطانية لتدمير البلد وخنقه واذا سنحت لهذه الاجنة الفرصة اصبحت مستكبر ودمرة الاخضر واليابس كما نلاحظ ذلك في العراق والصومال وغيرها فاول من سيدمر نفسه هي السلطة المافياوية لانه كما تدين تدان. ولهذا الحل الوحيد هو تطبيق علم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان