للقصير السورية صداها في اشتباكات طرابلس التي تجددت مع بدء الهجوم الاخير عليها منذ الأحد، من قبل الجيش السوري وبدعم من حزب الله. لكن طرابلس لا تتطلب جهدا كبيرا كي يتلاشى الهدوء القلق على جبهتي جبل محسن وباب التبانة. فرجال الاحياء والزواريب لم يبحثوا عن عمل جديد (على ندرة الاعمال) بعد آخر وقف اطلاق للنار قبل اسابيع، وهم يستعدون اصلا لفصل جديد من التفجير بعدما صارت خطوط التماس مصدر رزق وموت في آن. والفقراء عادة هم وقود الحرب وذخيرتها، وفي طرابلس يتحول هذا الفقر، والظلم الاجتماعي والانمائي، الى طاقة زائدة عن الحد، مفخخة بالغضب وبكل تراكمات الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي ينوء تحته ابناء طرابلس عموما وتحديدا ابناء منطقتي جبل محسن وباب التبانة.
ثمة سبعون مقاتلا خرجوا من منطقة باب التبانة في طرابلس واتجهوا نحو القصير لدعم المعارضة السورية، لا يعرف ذووهم ان كانوا احياء او امواتا. هذا وحده كفيل بأن يفجر الغضب على وقع الهجوم الذي تتعرض له القصير، لينفجر في الجهة المقابلة، اي في جبل محسن. لكن مجموعة اخرى من باب التبانة توجهت الى الحدود الشمالية وقامت بتنفيذ عملية عسكرية على موقع للجيش السوري النظامي عبر منطقة وادي خالد. لن تكون الاخيرة كما يؤكد بعض الذين يؤيدون مثل هذه العملية من جهات مؤثرة في المدينة. فقد تحول الجيش النظامي السوري الى هدف لعمليات عسكرية، بعدما وضع في خانة الجيش العدو، عداء حاسما ولا جدال فيه.
وهناك تطور نوعي حدث قبل يومين في المواجهات الداخلية تمثل في اطلاق ثلاثة صواريخ 107، وهي المرة الاولى التي تستخدم مثل هذه الصواريخ كما تؤكد مصادر امنية رسمية. التفاصيل الامنية والعسكرية في الميدان كلها تشير الى ان وجهة التصعيد والاقتتال هي الاقوى. الجيش اللبناني مطلب الجميع ومحل تشكيك في الوقت نفسه، لا احد يتحدث صراحة عن خصومة مع الجيش، لكن تهمة انحيازه حاضرة لدى بعض مجموعات باب التبانة. وفي جبل محسن ثمة طرف سياسي وعسكري واحد هو الحزب العربي الديمقراطي برئاسة رفعت عيد، لكن في المقلب الآخر مجموعات الأحياء في باب التبانة تتعدد ولاءاتها وقياداتها، فليس من طرف سياسي او جهة واحدة تدّعي او قادرة على تمثيلهم او النطق باسمهم. هي صورة اشبه بواقع المعارضة السورية والنظام السوري. المعارضة متعددة ومتنافسة ومتصادمة احيانا، اما النظام السوري، ورغم تراجعه وتضعضعه بعد الثورة، الا ان عنوانه الرسمي والميداني واحد.
يصف الشيخ ابراهيم الصالح، ابن مدينة طرابلس والقريب من الرئيس نجيب ميقاتي، ان ما يجري سيئ، وهذا السوء سيبقى ضمن حدود المواجهات المرسومة على خطوط التماس كصدى لما يجري في سورية وفي القصير تحديدا، لكنه لن يصل الى تطورات دراماتيكية. ويجزم الصالح ان السلاح في المدينة مازال محدودا، مؤكدا ان قرار تدفقه الى المدينة لم يصدر بعد، وهو قرار دولي اقليمي وليس محلياً. ويتابع الشيخ الصالح ان هذا المنع هو عامل اطمئنان نسبي، مشيرا الى ان ما يصل الى ايدي المقاتلين اليوم هو الذخيرة ليس اكثر، لافتا الى ان الاطراف السياسية في المدينة تحاول الاستثمار في المواجهات لتخوض معارك سياسية ضيقة.
المواجهات في طرابلس ستستمر تغذيها عوامل المواجهة الداخلية أابعادها الاجتماعية الاقتصادية والانتخابية، رغم الرايات السورية التي يرفعها المتقاتلون على ضفتي المواجهة. لكن هذه المواجهات تدفع باتجاه تبلور ميليشيات على الارض، بدأت مؤشرات نفوذها برفضها الاستجابة لدعوات اللقاء سواء تلك التي صدرت من قبل الرئيس ميقاتي مساء امس او النائب محمد كبارة.
ربما لان رئيس حكومة واربعة وزراء من المدينة لم يحققوا لمدينتهم ما يمكن ان يذكر خلال عمر الحكومة سوى العجز، طرابلس بدأت تشهد ظهور قوى جديدة مرشحة الى ان تتفوق في نفوذها على الزعامات التقليدية. وفي هذا السياق يمكن تفسير مواقف اللواء اشرف ريفي امس، الذي فاجأ الكثيرين بتبنيه الصارخ والعلني لمقاتلي باب التبانة، ووصف المقاتلين في جبل محسن بالعصابة. وهي خطوة تعكس محاولة سياسية من قبل ريفي وتيار المستقبل لحماية وتحصين حضور شهد تراجعا منذ تشكيل حكومة ميقاتي قبل عامين وزاد عليه تقدم موقع ونفوذ التيارات الدينية والسلفية والنزعة الميليشيوية في المدينة مع انفجار الثورة السورية.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد