بيروت – “الشفاف”، خاص
ما زالت مسألة زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الى دمشق تثير العديد من التساؤلات على الساحة اللبنانية خصوصا ان مواعيد ضربت وتم التراجع عنها لتكثر التحليلات بشأن التأجيل الى أجل غير محدد. هذا، في حين قال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في جلسة مجلس الوزراء إنه سوف يزور دمشق في الاسابيع المقبلة.
وفي هذا السياق أثارت مسألة تأجيل، أو رفض، دمشق إستقبال وفد من المدراء العامين اللبنانيين لبحث مسألة الإتفاقات اللبنانية السورية والغبن الذي يلحق بلبنان جراء بعض بنود هذه الاتفاقات التي أبرمت في زمن الوصاية السورية، أثارت جدلا وتفسيرات وإستغراقا في التحليلات على الطريقة اللبنانية من دون ان يقارب اي تحليل الحقيقة التي تقف وراء طبيعة تشكيل الوفد وسبب الرفض السوري له.
المعلومات الواردة من العاصمة اللبنانية تشير إلى أن الرئيس سعد الحريري ضاق ذرعاً بالطلبات السورية التي لا تنتهي والتي كلما بادر الى حل عقدة منها بادر نظام دمشق الى تجاهل الطلب الذي تم تنفيذه للمطالبة بسواه. وهكذا، وصولا الى إفراغ الزيارة الاولى للحريري الى دمشق من مضمونها الرئيسي الذي حرص الحريري على تأكيده وهو العمل على تكريس علاقات حسن جوار وممتازة ومميزة بين دولتين وبين مؤسسات.
تهميش السنيورة وإبعاد ميرزا وريفي
وإزاء الاستكبار السوري في التعاطي مع الشأن اللبناني ومع الرئيس الحريري وفريقه، وصولا الى فرض استبدال مقربين من الحريري وفكفكة تحالفاته السياسية على المستوى المحلي، خصوصا التحالف الذي يجمع الحريري برئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، والعمل على تهميش رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة وتعيين مدعي عام بديلا من المدعي العام الحالي سعيد ميرزا واستبدال اللواء اشرف ريفي الى سلسلة لا تقف عند حد من المطالب السورية.
دمشق طالبت الحريري بإدانة المحكمة الدولية!
وإضافة الى ما سبق تمثلت “ذروة” المطالب السورية بمؤتمر صحفي يعقده الحريري ليدين فيه قيام المحكمة ذات الطابع الدولي بذريعة استجواب شهود زور وإدانة هذا الامر! فكان هذا الطلب كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
فالرئيس الحريري ابلغ المعنيين سلفا ان سقف التنازلات عنده ليس من دون أفق، خصوصا عندما يتصل الامر بالمحكمة ذات الطابع الدولي. ويشير مقربون منه الى انه اتفق مع الرئيس الاسد على علاقة بين دولتين وليس كما كان في السابق بين قيادة سورية موحّدة خلف رئيسها و”أتباع” وقيادات لبنانية محلية ورؤساء احزاب وحتى اللواء جميل السيّد. وعلى الرغم من ان الأسد قال إنه لا يريد التدخل في الشأن الداخلي اللبناني ولا الغرق في التفاصيل، فهو يمارس عكس ما يقول ويفتح ابواب مقره الرئاسي للمسؤولين اللبنانيين من كل حدب وصوب.
والى ما سبق تشير المعلومات الى ان لعبة عض الاصابع بين الرئيس الحريري والرئيس الاسد أُفُقُها اقليمي، حيث تحاول سوريا الاستفادة من الوقت الضائع لكسب اكبر قدر ممكن المنافع في لبنان على اي مستوى كان، في حين يسعى الحريري الى تكريس مبدأ التعامل بين دولتين في معزل عن المتغيرات الاقليمية مهما كان نوعها.
وتضيف المعلومات ان الحريري قرر ايضا الاستفادة من الوقت الضائع في لعبة عض الاصابع وبيع السوريين كلاما ومواقف من بضاعتهم. فأصر على اللحاق بالسوريين الى آخر مقولاتهم معتصما بالصمت والعمل، وطلب استبدال زيارته بزيارة وفد من الخبراء والمدراء العامين للتحضير لزيارته كرئيس حكومة. ولكن ما حصل، حسب المعلومات، ان الوفد تم تشكيله على عجل وضم ثلاثة من المستشارين القانونيين في الوزارات المعنية الى المدراء العامين او من ينوب عنهم في حال كان المنصب شاغرا. فرمى الحريري طعما للقيادة السورية بحيث انه لو تم استقبال الوفد لكان السوريوين ابتلعوا الطعم وفي حال رفضوا استقباله، كما حصل، يكونون هم من يعرقل عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين انطلاقا من المؤسسات ذات الصلة.
وتضيف المعلومات ان الحريري لا يريد في العلاقة المستجدة مع دمشق ان يبدو هو المتسبب بأي ارباك او عرقلة. فهو التزم بالجانب المتعلق به لجهة جعل العلاقة بين دولتين، وألزم انصاره ومحازبيه بمواكبة مواقفه من دمشق ويسعى لدى الحلفاء الى ان يواكبوا ايضا حركته، خصوصا ان المملكة العربية السعودية تحتسب النقاط بين الحريري وسوريا وفق الاجندة المرسومة بين الطرفين برعاية سعودية. ولكن لصبر الحريري حدوده وهو لن يتنازل عن ثوابته السياسية كما يقول المقربون منه. وهو حريص على “العلاقات الندية” مع دمشق وليس اقل من ذلك. كما ان المحكمة ذات الطابع الدولي خارج إطار اي بحث بالنسبة له، خصوصا انه اعلن مرارا انه سيقبل اي حكم تصدره المحكمة واعلن ثقته المطلقة بالقضاء الدولي وحياديته في معزل عن اي تجاذبات وحسابات سياسية محلية كانت ام اقليمية.
ويشير اللبنانيون الى ان الرئيس سعد الحريري يظهر يوما بعد يوم قدرته على إدارة شؤون الدولة وفق منطق رجل الدولة انطلاقا من الشعار الذي اعلن التزامه به: “العبور الى الدولة” و”لبنان أولا”.