بلانش: موسكو تحيي فرص إقامة دولة علوية على الساحل
واشنطن –
فيما التزمت إدارة الرئيس باراك أوباما ترداد الموقف الرسمي القائل إنها لا تزال تجهل الأهداف الروسية في سورية، والتي دفعت موسكو إلى إرسال قوات عسكرية ومقاتلات ودبابات ومستشارين إلى مدينة اللاذقية الساحلية في شمال سورية الغربي، تردد في كواليس الإدارة الأميركية حديث عن قيام الروس بدعم الأسد لتفادي سقوط اللاذقية في أيدي الثوار.
ويلفت المراقبون الأميركيون إلى أن موسكو لم تعزز وجودها في مرفأ طرطوس، ذات الغالبية العلوية الساحقة وحيث تحتفظ روسيا بمنشأة بحرية بسيطة. ويقول هؤلاء إنه على عكس الاعتقاد السائد، فإنه منذ استولى «جيش الفاتح» من الثوار السوريين على كامل محافظة إدلب وجسر الشغور، الذي يؤدي إلى سهل الغاب جنوباً، تدور المعارك بين الثوار وقوات الرئيس بشار الأسد للسيطرة على هذا السهل.
ويعتقد المراقبون الاميركيون أن الأسد استعان بأفضل قواته للدفاع عن السهل، وأرسل العقيد سهيل الحسن المعروف بـ «النمر» والذي قدم أداءً عسكرياً متفوقاً منذ اندلاع المواجهات العسكرية في العام 2011. ولكن حتى «النمر» وقواته واجهوا نكبات متعددة أجبرتهم على التخلي عن نقاط أساسية.
ويتابع المراقبون أنه في حال استولى الثوار على سهل الغاب، تصبح الطريق مفتوحة أمامهم نحو اللاذقية، التي يبلغ عدد السنّة فيها نحو نصف سكانها، وهؤلاء يعيشون في حالة حصار فرضتها عليهم قوات الأسد منذ أن شاركوا في التظاهرات السلمية التي طالبت برحيل الأسد عن الحكم في الأيام الأولى للثورة السورية في ربيع العام 2011. كذلك، يقطن شمال اللاذقية عدد من السوريين التركمان من السنّة. وتعززت أعداد السنّة في الجيب العلوي بوفود لاجئين من مناطق القتال في محافظتي إدلب وحماة المجاورتين.
ولطالما حاول الثوار اختراق شمال سورية الغربي، وهو معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وفي مارس 2014، شنت فصائل إسلامية معارضة ما أسمته «حملة الانفال»، واستولت على نقاط حدودية مع تركيا. وأدت المعارك الى مقتل هلال الأسد قريب الرئيس السوري، فيما اتهمت دمشق أنقرة بمساندة الثوار بإسقاطها مقاتلة سورية كانت تشترك في المعارك. وفي وقت لاحق، وبمساندة من «حزب الله» وميليشيات أخرى تابعة لإيران، نجحت قوات الأسد في استعادة المواقع التي خسرتها في محيط كسب الحدودية.
ويقول الخبراء إن معركة كسب والاشتباكات الدائرة في سهل الغاب دفعت عدداً كبيراً من العلويين الى ترك اللاذقية والاحتماء بما يعرف بجبال العلويين، وهو ما يشكل تهديداً لقوات الأسد ومقدرة دفاعها عن اللاذقية. ويتابع المراقبون الأميركيون ان إيران و«حزب الله» يساندان الأسد في الدفاع عن دمشق والمناطق المحيطة به، وكذلك الممر الممتد من العاصمة شمالاً عبر حمص ونحو الجيب الشمالي الغربي. لكن مقدرة القوات الايرانية على مساندة الأسد تراجعت، يقول خبراء، ما دفع الروس الى التدخل عسكرياً لحماية اللاذقية ومنع الثوار السوريين من الاستيلاء على منفذ بحري.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة فابريس بلانش، التي تعمل في «جامعة ليون» وتشغل مركز باحثة زائرة في «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى» ان اللاذقية عند إيران لا تتمتع بالأهمية الاستراتيجية نفسها التي تتمتع بها دمشق أو الجولان. وبما أن روسيا ما زالت تحتفظ بقاعدة بحرية في طرطوس و«تعمل على إعادة بناء قاعدة غواصات سوفياتية في بلدة جبلة الواقعة نحو 32 كيلومترا جنوب اللاذقية»، ستعمل موسكو – حسب الباحثة الفرنسية – «على إحياء فرص إقامة دولة علوية على الساحل السوري، بغض النظر إن كانت هذه الدولة العلوية متصلة بدمشق أم لا». وتتابع القول ان «روسيا تحصن مواقعها على الساحل السوري جنوب الحدود التركية مع هدف رئيسي هو منع السنّة من الوصول إلى البحر».
وتقول بلانش: «بالنظر الى حملة الثوار الربيع الماضي، هناك إمكانية حقيقية ان تصل الحرب الاهلية الى اللاذقية، حيث سيجد الثوار دعماً قوياً من السكان السنّة الذين لطالما حلموا بالانتقام من النظام الذي سيطر عليهم لعقود».
ولأن الأسد لم يعد بإمكانه الدفاع عن اللاذقية، لم يكن امامه غير خيار قبول الدخول العسكري الروسي على غرار قبوله الدفاع الإيراني عن دمشق، حسب الخبراء.
هكذا، فيما اعتقدت واشنطن يوما أن ضعف الأسد سيجبره على التفاوض مع معارضيه للتوصل الى تسوية سلمية، يبدو أن تقهقر الأسد دفعه الى تسليم مناطقه الى الروس والإيرانيين. ويتابع المعنيون في واشنطن انه سيكون مثيراً للاهتمام مراقبة كيفية تفاعل القوات الروسية مع الإيرانية على الأرض السورية في وقت رحبت موسكو برئيس حكومة إسرائيل، قبل أسبوع، فيما طهران تتوعد إسرائيل باستمرار.
“الرأي“
إقرأ أيضاً: