أكّدت مصادر أوروبية لـ”الشفّاف” أن إدارة أوباما اتخذت قراراً نهائياً بتوجيه ضربات جوّية، خلال الأيام القليلة المقبلة، ضد “داعش” في العراق. ويشمل القرار استخدام صواريخ “كروز” وربما طائرات “خفية”، مع مراعاة حصر الضربات في مناطق لا تعرّض مدنيين عراقيين للخطر.
وقالت المصادر أن فرنسا ستشارك في توجيه ضربات جوّية، وأنها يمكن أن تستخدم طائرات “رافال” في هذه العمليات.
وقالت المصادر أن عدد موظفي السفارة الأميركية في العراق كان ٦٠٠٠ شخصاً في مطلع الأزمة، الأمر الذي يفسّر إرسال حوالي ٣٠٠ جندي أميركي لحماية مجمّع السفارة.
من جهة أخرى، قالت المصادر الأوروبية أن عملية اعتقال إرهابي متّهم بالتخطيط للعملية التي أسفرت عن اغتيال سفير أميركا في بنغازي يكشف النقاب عن وجود قوات أميركية خاصة في ليبيا رغم التكتّم على الموضوع!
وتعتقد المصادر أن هنالك قوات خاصة من دول أوروبية أخرى في ليبيا حالياً، وهذا عدا وجود قوات جزائرية خاصة داخل الشريط الحدودي مع ليبيا حيث توجد قواعد إرهابية كثيرة بعضها بقيادة “مختار بلمختار” الذي انسحب إلى ليبيا بعد عملياته العسكرية في مالي والجزائر.
أخيراً، تتوقّع المصادر الأوروبية أن يفتح توجيه ضربات جوية ضد “داعش” في العراق الباب لتوجيه ضربات جوية مماثلة ضد أهداف إرهابية في ليبيا، علماً أن الخطط جاهزة منذ فترة لتنفيذ مثل هذه العمليات في الجنوب الليبي.
بيار عقل
*
من هي الجماعات المسلّحة التي تقاتل المالكي؟
منذ استيلائه على الموصل، وتقدّمه السريع حتى ضواحي بغداد، فإن تنظيم “داعش” لم يكتفِ بتسجيل إنتصارات متلاحقة، بل ونجح في ضم أعداد جديدة من المقاتلين إلى صفوفه. وحسب أقوال أحد الناطقين بلسان “داعش”، فقد تم تجنيد “١٢٠٠٠ عراقياً” للقتال تحت راية الجهاد السوداء. وحسب بعض التقديرات، فإن تعداد التنظيم ربما يصل الآن إلى ٢٥٠٠٠ مقاتل.
إن عنصر المفاجأة الذي استفاد منه تنظيم “داعش” في بداية حملته، في ٦ يونيو، والجاذبية النسبية التي يمارسها على الجمهور السنّي، يحول دون تقدير دقيق لقوة هذا التنظيم. وفي نهاية المطاف، فإن “الدولة الإسلامية” التي تعرض نفسها في فيديوهات عنيفة جداً، والتي يطلق عليها نوري المالكي تسمية “جحافل الإرهابيين” ليست في الواقع سوى إئتلاف سنّي واسع يضم جماعات كثيرة ذات إيديولوجيات مختلفة.
ويمكن تقسيم هذا التجمّع المتنافر إلى ٤ فئات، أولها الضباط البعثيين القدامى في جيش صدام حسين، الذين أسّسوا مجموعات مسلّحة في أعقاب الغزو الأميركي في العام ٢٠٠٣، ولم يتخلّوا عن سلاحهم منذ ذلك الحين. إن هؤلاء الضباط السابقين الذين يحنّون إلى عهد صدام حسين، يعتبرون السلطات الجديدة في بغداد غير شرعية، وظلوا ناشطين حتى بعد انسحاب آخر جندي أميركي من العراق في ديسمبر ٢٠١١. وقد انضمّ أكثرهم تطرّفاً إلى جيش الطريقة النقشبندية الذي يتزعّمه عزت ابراهيم الدوري، وهو أعلى مسؤول بعثي نجا من الإعتقال.
وكان عزّت الدوري صديقاً حميماً لصدام حسين الذي عيّنه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كما أنه عضو في “الطريقة النقشبندية”، وهي طريقة صوفية يزعم أتباعها أن صحابة النبي وأول الخلفاء الراشدين اتبعوها. وهنا تجدر ملاحظة أن تعبير “الطريقة” مضلل: ففي حين يُعتبر الصوفيون مسالمون نظرياً، فإن الطريقة النقشبندية في العراق خرّجت ضباط مخابرات، مدنيين وعسكريين، شرسين في عهد صدام حسين.
وبعد سقوط صدّام، قام هؤلاء بعمليات مشتركة، بصور منتظمة، مع “القاعدة”.
واستمر هذا التحالف الذي فرضته الظروف، والذي تمّ نسج خيوطه أحياناً في ظلمة السجون التي كانت تضم قادة بعثيين وجهاديين، حتى ظهور “داعش”. وعلى غرار “داعش”، فإن “جيش الطريقة النقشبندية” يملك معرفة جيدة بالأراضي السورية، التي كان يستخدمها كقاعدة خلفية منذ سنوات. وتتّفق مصادر مختلفة على أن هذه الجماعة هي أول، وأقوى، حلفاء “داعش” في العراق.
ويضمّ “جيش الراشدين”، الذي ينشط في شمال بغداد وقرب الرمادي نفس النوعية من البعثيين القدامى، ولكن نفوذه أقل من نفود “جيش الطريقة النقشبندية”.
أما الفئة الثانية من المتمردين فتشمل جماعات مثل “كتائب ثورة العشرين” و”لجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية”، وهاتان الجماعتان قريبتان من “الإخوان المسلمين”، الذين يعيش زعيمهم “حارث الضاري” في الأردن. وكان “الإخوان المسلمون” العراقيون، الذين وقفوا ضد “القاعدة” منذ البداية، قد شاركوا في تأسيس ميليشيات “الصحوة” السنّية التي موّلها الأميركيون ودرّبوها لمقاتلة الجهاديين. ومن جهتها، لم تتردّد “القاعدة” في اغتيال إبن شقيق “حارث الضاري” في العام 2009. ورسمياً، فإن جماعة “الإخوان المسلمين” تحظر كل أنواع العمليات الإنتحارية,.
وتضمّ الفئة الثالثة من المتمردين مجموعات مسلحة صغيرة، بعثية أو إسلامية، تملك نفوذا محلياً وكانت قد حملت السلاح ضد الأميركيين بعد العام 2003. وكانت معظم هذه المجموعات قد التحقت بميليشيات “الصحوة” أو توقّفت عن القتال بعد رحيل القوات الأميركية.
باستثناء “جيش الطريقة النقشبندية” (الذي تحالف مع “داعش” منذ بداياتها)، فإن كل هذه الجماعات انضمت إلى الإئتلاف الذي تقوده “داعش” بعد المظاهرات الكبرى التي جرت في مطلع 2013 مندّدة بالتهميش والإضطهاد والمظالم التي تعرّض لها السنّة في عهد حكومة المالكي.
أما الفئة الرابعة والأخيرة من المتمردين فتتألف من رؤساء العشائر، الذي شكلوا “مجالس عسكرية ثورية” في جميع مدن العراق السنّية تقريباً بعد القمع الوحشي لمظاهرات 2013.
وفي نهاية المطاف، فإن تنوّع هذا الإئتلاف السنّي يصل إلى درجة أنه يصعب إيجاد قواسم مشتركة بين أعضائه باستثناء أنهم جميعاً من السنّة ومن الناقمين بشدّة على حكومة المالكي.
وسيكون صعباً على “داعش” أن تحتفظ بسيطرتها على المناطق الواسعة التي غرتها مؤخراً بدون مساعدة هذه الجماعات وبدون دعم قسم من السكان. كما أن الجهاديين بحاجة إلى كفاءات الضباط البعثيين القدامى من أجل استخدام آليات وأسلحة معيّنة غنمتها من الجيش. وبقدر ما يقترب مقاتلو “داعش” من بغداد، فسيكون بحاجة إلى المعرفة بتضاريس الأرض التي لا يملكها سوى السكان المحليون.
المالكي يستبدّ بالسنّة والأسد يستأصلهم!
هل عقد سنّة العراق “صفقة مع الشيطان”، كما يزعم تقرير صدر حديثاً عن “مجموعة الأزمات الدولية” وحمل هذا العنوان، وكان موضوعه مدينة “الفلّوجة”، وهي أول مدينة عراقية سقطت في يد “داعش” في مطلع يناير 2014؟ يقول أحد سكان الموصل: “كثير من الناس يخافون من “داعش”، ولكنهم لا يقومون بشيء ضدها، لأن وضعنا أصبح غير مقبول. فقد وجدنا أنفسنا مطوّقين بين رئيس حكومة عراقي يستبدّ بسنّة العراق ويسعى لإذلالهم، من جهة، وبين رئيس سوري أخذ قراراً باستئصال سنّة سوريا. وهذا ما دفع سكان المناطق السنّية نحوالتطرّف”!
إن سنّة العراق يستفيدون حالياً من القوة الضاربة المخيفة لـ”داعش” للقيام ما يمكن اعتباره عملية “إعادة فتح” المناطق السنّية. ولكن، أين سيتوقّف هذا الغرو؟
لا “جهاد” ضد الشيعة!
في اتصال بالهاتف، قال الشيخ (العشائري) رافع الجميلي، الذي يحمل السلاح قبل الفلوجة، أن الإئتلاف السنّي يشعر بالقلق لأن “داعش” نقلت قسماً من الغنائم العسكرية التي استولت عليها إلى سوريا. وأضاف أن هنال نقاطاً أخرى يرغب الإئتلاف بالتفاوض حولها مع “داعش”.
وقال إن الإئتلاف “يرغب في حصر تعاونه المسلّح مع “داعش” ضمن الحدود العراقية، كما يرغب في الحدّ من أعداد المقاتلين الأجانب لإبراز أن حربه تستهدف الحكومة العراقية وحدها”! وأضاف أن “على “داعش” أن يفهم أن فكرة تأسيس دولة إسلامية يمكن أن توفّر للمالكي دعماً من دول العالم كلها. كما إن الإئتلاف يطالب بالتراجع عن الدعوة للجهاد ضد الشيعة”!
وقال أن مسؤولين من “داعش” وافقوا على دراسة هذه المطالب: “وهذا إيجابي بحد ذاته”، حسب الشيخ الجميلي.
كتبت التقرير “سيسيل إينيون” لجريدة “لوموند” الفرنسية.