الغموض المقصود ام الغموض الغامض؟ ذاك الذي يكتنف طبيعة اعمال امنية ذات سمة جديدة راح لبنان يشهدها بين صيدا والبقاع في الأيام الأخيرة.
في صيدا تعددت الروايات حول ما جرى فيها وعلى مداخلها مساء الاحد: هل هي عملية انتحارية استهدفت الجيش اللبناني ام هو صدام غير محسوب بين مجموعة مسلحة والجيش اللبناني على مدخل صيدا الشمالي ثم في مجدليون شرق المدينة؟ الثابت ان هناك شهيدًا من الجيش، واربعة قتلى اثنان من مدينة صيدا وواحد فلسطيني يعمل ممرضاً في مخيم عين الحلوة، والثالث الذي قتل عند حاجز الاولي مجهول الهوية. فيما نقلت بعض وسائل الاعلام عن مراجع امنية انه خليجي. والثابت ان بعض عناصر المجموعة، ان لم يكن كلهم، يشكلون في ما بينهم خلية امنية تربط بين اعضائها مصاهرات. ويرجح احتمال الخلية ما قاله بيان الجيش عن اكتشاف حزام ناسف لدى المجموعة، وبعض القنابل التي عثر عليها في السيارة ذات الدفع الرباعي التي كان يستقلها المسلحون قبل ان يقتلوا في مجدليون.
مدينة صيدا، التي ادانت فاعلياتها الاعتداء على الجيش وشجبت ما جرى عشية الاحد الماضي، لا تتبنّى مصادر دينية وسياسية فيها رواية انّ هناك عملا انتحاريا، ولا تميل الى مقولة انّ ما جرى كان مخططا له لجهة استهداف الجيش. وتشير الى انّ التحقيقات التي جرت من قبل الجيش لم تقدّم الرواية الكاملة لما جرى حتى الآن، وهي تنتظر استكمال التحقيقات لتوضيح حقيقة ما حصل.
وتشير هذه المصادر ايضا الى انّ ابناء المدينة غير مقتنعين بما يجري تداوله. إذ ثمة تشكيك بالروايات “غير المقنعة”، من دون ان يعكس هذا التشكيك اهتزازا في القناعة الصيداوية بأنّ المؤسسة العسكرية هي الحامي لهم والامل بثباتها وقوتها قائم ومصدر تطلع لمدينة آمنة لا يعكر صفو الامن سلاح غير شرعي فيها من هنا او هناك.
لكن ثمة ما يعكر صفو هذا الالتفاف حول المؤسسة العسكرية، هو شعور يمكن ان تسمعه همساً حيناً وعلناً في بعض الاحيان، بأن هناك من يؤثر ويتلاعب بدور هذه المؤسسة وسلوكها في التعامل مع قضايا المدينة ومشكلاتها.
اما في البقاع فوقع انفجار في سيارة رباعية الدفع عند الثالثة من فجر امس على الطريق بين بلدة صبوبا ووادي ابو موسى. تعددت الروايات أيضا كما في صيدا، وهذه جديدة في أدبيات الإعلام والتحقيقات في لبنان. وزاد الغموض صمت حزب الله.
فهل ما حصل كان هجوما عسكرياً ام مجرد سيارة مفخخة حرص اعلام حزب الله على التأكيد ان حزب الله كان يرصدها ولاحقها وكشفها قبل تفجيرها. مصادر امنية تحدثت في رواية اخرى عن عملية امنية مخطط لها باحتراف، استهدفت مركز تبديل مقاتلي حزب الله المتوجهين من لبنان الى سورية وبالعكس. الغموض يطال اسماء المنفذين للعملية ضد حزب الله، وان اشارت مصادر الى انهم من الجوار، في ايحاء الى بلدة عرسال، التي قيل ان السيارة المفخخة جاءت منها، او على الاقلّ عبرها.
بين انفجار البقاع واعتداء صيدا المزدوج ثمة حبل، وليس خيطاً، يربط بين الحدثين: من ذهب حزب الله الى سورية لمنع قدومهم الى لبنان، تبين انهم لا يحتاجون الى ان يأتوا اليه. اذ في سياق هذا المنطق الذي يعتبر ان القتال في سورية هو دفاع عن لبنان والمقاومة، تبيّن أنّ في لبنان من هم مستعدون للقيام بالمهمة. فهم ابناء البلد، واهل مكة ادرى بشعابها.
ليس الموضوع والكارثة هنا فقط، بل هي في انّ مؤيدي التدخل في القتال داخل سورية، والمنخرطين فيه، لا يريدون ان يربطوا بين هذا القرار وبين توفر بيئة حاضنة باتت مولدة لجيل من الانتحاريين اللبنانيين. اولئك الذين، وان عبثت بعقولهم وخياراتهم مظاهر التحريض والتعبئة المذهبية المنتشرة بشكل خبيث لدى الشيعة والسنة، الا انّهم لا يختلفون عن مقاتلي حزب الله في سورية. هؤلاء الذين يباهي حزب الله بانّهم مؤمنون بما يقومون به، وان الراغبين بالقتال من انصاره هم اكثر من الذين يُسمح لهم. فلماذا لا يكون المشهد مماثلا في المقابل؟ خصوصا انّ “المقدّسات” التي يقاتل جنود الحزب للدفاع عنها لا تقلّ عنها قدسية “كرامة أهل السنّة” لدى أبناء الطائفة السنّية.
لكم مقدساتكم ولنا مقدساتنا، والحرب كرّ وفر، حسبي لسان الآلاف من الشبّان السنّة. التعامي عن الاسباب الحقيقية التي جعلت من البيئة السنية في لبنان مولدة لهذا الاستعداد للانتحار لم يعد مفيدا اخذه بالاعتبار، لأنّ ما كان ممكنا تلافيه قبل عام، صار اليوم حقيقة قاتلة يصعب محاصرتها وتفكيكها.
alyalamine@gmail.com
البلد