ليس من قبيل المجازفة القول: إن رئاسة مصر لم تكن جزءاً من أحلام الدكتور محمد مرسي، حتى أكثرها جنوحاً وطموحاً. وإذا شئنا رسم صورة جانبية ( profile) للرجل الذي يُحاكم، الآن، فلا يمكن أن تغيب عنها عناصر من نوع:
أن الريفي المولود قبل العهد الناصري بعام واحد، الذي استفاد من قانون الإصلاح الزراعي، ومجانية التعليم، وأظهر تفوقاً في الدراسة، اختار الوظيفة الجامعية باعتبارها طريق الوظيفة المضمونة، والمأمونة، وتدرّج في مراتبها، كما يفعل العاملون في بيروقراطية الدولة، والمؤسسات العامة.
وإذا افترضنا أن البيئة الريفية تمثل حاضنة طبيعية للأفكار المحافظة، وأن الجامعة، عموماً، هي الحقل الذي تتبلور فيه التحيّزات الأيديولوجية للطلاب والطالبات، وهم في مقتبل العمر، فلن نجد في السنوات الجامعية الأولى لمحمد مرسي ما يدل على انخراط في الشأن العام، رغم أن سبعينيات القرن الماضي، كانت الأكثر راديكالية في علاقة الجامعة، والطلاّب، بالحياة السياسية في مصر.
وإذا صدقنا المعلومات المتداولة حول سيرته الأولى، والتي تشير إلى انتمائه “فكرياً” إلى جماعة الإخوان، في العام 1977، وتنظيمياً” في العام 1979، فهذا يعني أن اهتمامه بالشأن العام بدأ بعد المرحلتين الجامعيتين الأولى والثانية، وعلى أعتاب المرحلة الثالثة، التي حصل فيها على الدكتوراه من جامعة أميركية. وهذه فترة متأخرة، عموماً، في حياة النشطاء، وكوادر الأحزاب. بمعنى آخر: كان طالباً محايداً ومجتهداً، وكانت الجامعة، والوظيفة، نصب عينيه.
ولعل في هذا ما جعل منه مرشحاً طبيعياً للاستقطاب زمن السبعينيات، الذي شهد صعود الإسلام السياسي، وحرص الإخوان (في مصر وخارجها) على استقطاب جيل جديد، خاصة من أصحاب التخصصات العلمية، لما تضفيه تخصصات كهذه على أصحابها، وعلى الجماعة، من “برستيج” في مجتمعات كثيرة، وبحكم أن التخصص في العلوم الطبيعية لا يطرح على أصحابه تساؤلات كثيرة وشائعة في العلوم الإنسانية.
وهذا ما ترافق، أيضاً، مع إنشاء الإخوان في بلدان سيطروا عليها، كالسودان، وفي بلدان كان لهم كبير النفوذ في جهازها التعليمي، كالسعودية، كليات وجامعات تمنح شهادات المرحلة الثالثة (الدكتوراه) في العلوم الدينية.
إذاً، فلنقل إن محمد مرسي، استُقطب على أعتاب المرحلة الجامعية الثالثة، واقترب من الإخوان، وانخرط في صفوفهم، في وقت لم تشهد فيه الجماعة ضغوطاً حكومية تهدد المستقبل الأكاديمي، أو الوظيفي لكوادرها، كما كان الحال في عقود سبقت. بل، والصحيح، أيضاً، أن عضوية الجماعة كانت المفتاح الذهبي للوظيفة في بعض بلدان المنطقة.
المهم أن الريفي، المتفوّق، والمُتدرج في مراتب الوظيفة الجامعية، صعد مرتبة إضافية ولامعة، عندما حصل على الدكتوراه في الولايات المتحدة، ودرّس هناك. ولا يصعب القول إن العلاقات والشبكات الإخوانية، هناك، مكنته من تعزيز مكانته في صفوف الجماعة من ناحية، ولكنها حرمته من الإطلال على، والاستفادة من، الثقافة الأميركية، أو حتى اللغة الإنكليزية وآدابها.
ففي الأشرطة المصوّرة القليلة، التي ظهر فيها مُتحدثاً بالإنكليزية، لم تكن لغته طليقة، ولا كانت عبارته دون أخطاء في اللفظ والمبنى. وهذا لا يتناقض، في الواقع، مع التدريس في الجامعة، فلكل علم من العلوم الإنسانية، أو الطبيعية، لغته ومفرداته الخاصة، التي تمكّن صاحب الاختصاص من عرضها، وشرحها، والتعليق عليها، دون الحاجة إلى الكثير من المهارات اللغوية.
ورغم ما يبدو من صعوبة في إضافة المهارات اللغوية (أو التفكير المنظّم، حتى بالعربية) إلى مؤهلات الدكتور محمد مرسي، فلا يصعب العثور وراء وجه الريفي الملتحي، الذي يرتدي نظارات طبية، ويتكلّم بلغة خطيب في مسجد، على الكادر الحركي الحاذق، والمصمم، والطموح. لا يصعد أحد في جماعة شبه سرية، ويصل إلى مراتبها القيادية، دون التدليل على إخلاص غير منقوص، وعلى كفاءة البقاء، في ظل علاقات سمتها التنافس، والتآمر، والمناورة، كما يحدث في كل الجماعات والأحزاب. وبهذا المعنى، كان الصعود الوظيفي، والإخواني، لمرسي قصة نجاح باهرة، أضافت إليها ما تستحق من توابل عضوية مجلس الشعب، والعلاقة الإشكالية بالسلطة في عهد مبارك.
بيد أن هذه الأشياء، كلها، لم تكن تكفي حتى للتفكير في رئاسة مصر. القدر، وحده، وضعه على طريق الرئاسة، عندما فشل المرشح الحقيقي للجماعة في استيفاء شروط الترشيح. وليس من قبيل المبالغة القول إن مفارقة بهذا الحجم، بقدر ما تمنح الفائز فيها إحساس المنذور لعظائم الأمور، لأسباب تفوق طاقة البشر على التفكير والتدبير، بقدر ما تصيبه بالدوار، أو تعطيل الحواس.
فالمناضل الحركي قد ينجح في قيادة جماعته. والأستاذ الجامعي قد ينجح في إلقاء محاضرة، حتى بلغة لا يجيدها، لكن رئاسة الدولة أعلى، وأكثر تعقيداً، من مؤهلات الحركي، والجامعي معاً. وما أدراك، إذا أغواه إحساس المنذور لعظائم الأمور، بصلاحية ما مكّنه من البقاء والصعود في الجماعة والجامعة، لتمكينه من البقاء والصعود على هرم الدولة، وقد أصبحت، أو ينبغي أن تكون، من غنائم “الأهل والعشيرة”.
وبهذا المعنى، فإن ما لا نراه من لعبة القدر إلا بأثر رجعي، يتجلى في ما انطوت عليه من كوميديا سوداء، وتمثيلات تربوية، وشخصيات تراجيدية ثانوية، تبدو وكأنها خرجت من قصة شعبية رديئة، اختلط فيها الإنسي بالجني، وكلام التقوى بسلاح الإرهاب، والتيه ثمانية عقود في صحراء الأوهام الأيديولوجية، بفنتازيا خداع المصريين، ونجاح المثابرة في الجماعة، والجامع، والجامعة، بالفشل المدوي، والسريع، في حكم مصر المحروسة.
وهذه كلها عناصر، لا غنى عنها، في كل محاولة لرسم صورة جانبية لمحمد مرسي.
khaderhas1@hotmail.com
صورة جانبية لمحمد مرسي..!!
هذه هي تعريفات profile في صيغة الاسم والفعل كما جاءت في قاموس أكسفورد.
1- an outline of something, especially a person’s face, as seen from one side.
2- a short article giving a description of a person or organization
3- the extent to which a person or organization attracts public notice
4- describe (a person or organization) in a short article
5- represent in outline from one side
وهذه التعريفات مفيدة للقارئ العربي بالتأكيد، أما إذا كانت لدى الغلبان “المدافع” عن الثقافة من مدعيها معرفة تتجاوز ما جاء في القاموس، فهذا يحتاج الدليل والبرهان.
صورة جانبية لمحمد مرسي..!!
“صورة جانبية”؟؟؟؟؟ ههههههه.
يبدو أنّ الكاتب لا يفهم معنى المصطلح “بروفايل” في هذا السياق.
هذه هي حالة مدّعي الثقافة من العرب. خسارة.