حسب تقديرات متداولة منذ سنوات أن القوات المسلحة المصرية تسيطر على أكثر من ٣٠ بالمئة من الإقتصاد المصري. ولكن المعلومات المتداولة الآن حول إيران ترفع نسبة سيطرة المؤسسات العسكرية والأمنية من جهة، و”البونياد” الدينية من جهة أخرى ربما إلى نسبة تتراوح بين ٤٠ و٥٠ بالمئة! وهذه نسبة قد تكون غير مسبوقة إلا، ربما، في الإتحاد السوفياتي البائد!
وإذا صحّ أن “البونياد” التابع لـ”خامنئي” مباشرةً (عدا “البونيادات” الأخرى) يملك ١٥ بالمئة من إقتصاد البلاد، فليس صعباً أن يفهم المرء لماذا رفع متظاهرون إيرانيون شعار “الموت لخامنئي”!
*
وأعطت مثلاً أنه “من بين المبادرين للإيداع رجل أعمال ايراني صغير يدعى “مهرداد أصغري” أودع ما قيمته 42 ألف دولار أميركي في حساب توفير، وذلك في كانون الأول من عام 2016 طامعا في مردود أفضل مما يحصل عليه من أعماله الخاصة المتعلقة بتأجير معدات البناء. لكن هذا البنك قرر منع سحب “الودائع”، ثم توقف عن دفع الفوائد، وذلك قبل أن يعلن في نهاية المطاف عن انهياره وإغلاق أبوابه في مايو/ أيار الماضي، وذلك ليصبح أحد أكبر المؤسسات المالية الإيرانية الفاشلة”.
ولفتت الى أن “إغلاق البنك أدى إلى دمار مدخرات آلاف الإيرانيين وتعريض النظام المصرفي الإيراني برمته للخطر، بل إن الأمر ساعد في اندلاع الاحتجاجات العارمة الأخيرة المناهضة للحكومة الإيرانية”.
وأضافت أن “خبراء الاقتصاد يرون أن الفشل الذي تشهده المؤسسات المالية في إيران لا يُعتبر ناتجا عن ممارسات مصرفية محفوفة بالمخاطر فقط، ولكنه أيضا نتيجة للفساد الرسمي المتفشي في البلاد. وكانت السلطات الإيرانية سمحت للعديد من المؤسسات المالية، بما فيها تلك التي اندمجت في 2016 لتشكيل “بنك كاسبيان“، سمحت لها بالمقامرة بالودائع أو الاعتماد على “مخططات بونزي” الاحتيالية (نسبة إلى المحتال الشهير تشارلز بونزي الذي ظهر في أوائل القرن العشرين) وذلك من دون عقاب لسنوات”.
وأوضحت الصحيفة أن “سماح السلطات الإيرانية لهذه المؤسسات للقيام بهذه العمليات يعود لكونها مملوكة للنخبة، بما فيه المؤسسات الدينية، أو الحرس الثوري، الإيراني أو صناديق الاستثمار شبه الرسمية الأخرى في البلاد”.
ويقدّر الإقتصادي الإيراني “بيجان خاجيبور“، المقيم في فيينا، أن مئات الألوف من الإيرانيين خسروا أموالهم بسبب انهيار المؤسسات المالية. ويقول أن الإيرانيين يستخدمون تعبير “الذين خسروا عقاراتهم”“mal-baakhtegan ”للإشارة إلى الزبائن المغبونين.
ويقول إقتصاديون أن نسبة تصل إلى ٤٠ بالمئة من الديون المقيّدة في حسابات البنوك الإيرانيين قد تكون”ديوناً هالكة”.
ويقول بورغان ن. ناراجاباد”، وهو اقتصادي مقيم في واشنطن أن “كل النظام المالي في إيران هشّ للغاية”.
وكان “صندوق النقد الدولي” قد حذّر في الشهر الماضي من أن بنوك إيران وأصحاب القروض “ينبغي أن يقوموا بعمليات إعادة هَيكَلة وإعادة رَسمَلة على وجه السرعة”، ودعا إلى إلغاء الأصول المُبالَغ في قيمتها وإلى قمع عمليات “الإقراض إلى الخواصّ”! وحذّر “صندوق النقد الدولي” من أن الأموال المطلوبة لتعزيز أوضاع البنوك “يمكن أن تتسبّب بارتفاع كبير جداً في مديونية الدولة الإيرانية وفي مدفوعات الفوائد”!
“الحرس الثوري” و”البونياد” الدينية يملكون إقتصاد إيران
وتضيف “نيويورك تايمز” أن إفلاسات البنوك كانت سرّاً شائعاً في إيران منذ سنوات. وفي شهر ديسمبر، نشر عضو البرلمان، “محمود صادقي”، وثيقة تتضمن أسماء أكبر ٢٠ مقترضاً امتنعوا عن سداد ديونهم إلى “سرمايه بنك”، علماً أن ذلك البنك مملوك جزئياً من “صندوق تقاعد المدرّسين”. وبلغت قيمة الديون التي لم يتم سدادها ١،٩ مليار دولار، معظمها في ما يبدو من “الخواص”.
وكان بين “الخواص” الذي امتنعوا عن سداد ديونهم “حسين هدايتي”، وهو أحد اكبر رجال الأعمال كما أنه عضو سابق في الحرس الثوري! وكان غناه السريع قد أثار تساؤلات في مواقع الإنترنيت الإيرانية حول مصادر ثروته المفاجئة! وكشفت وثيقة عضو البرلمان “محمود صادقي” أن السيد “هدايتي” كان مديناً بمبلغ ٢٨٥ مليون دولار. وفي برنامج تلفزيون تم تخصيصه لنقاش القروض، كشف عضو آخر في البرلمان، هو “محمد حسن نجاد” أن السيد “هدايتي” كان يستخدم مجموعة من الشركات الوهمية من أجل الإحتيال للحصول على قروض، وبغية إخفاء دوره في الموضوع!
وأثناء البرنامج التلفزيوني، اتصل السيد “هدايتي” حانقاً، نافياً أن يكون حصل على قروض من بنك “سرمايه”، وهدّد بأن “يرفع دعاوي ضد الجميع”.. ولكنه لم يفعل حتى الآن!
“البونياد” الخاضعة لخامنئي مباشرةً: ١٥-٢٠ بالمئة من الإقتصاد!
وكانت الجمهورية الإسلامية قد أمّمت كل البنوك وصناعات كثيرة بعد ثورة ١٩٧٩. كما أنشأت شركات قابضة شبه رسمية يسيطر عليها “المرشد”، أو كبار رجال الدين، أو كبار القادة العسكريين. وبمرور الوقت تحوّلت تلك الشركات إلى مجموعات إقتصادية تلعب أدواراً مهمة جداً حتى ما يُعتبر من حيث المبدأ “القطاع الخاص”.
وقد سيطر رجال الدين على المؤسسات الدينية، التي تُسمّى “بونياد”، والتي باتت تملك مصالح تجارية. إن “البونياد” الأكبر حجماً في إيران، أي تلك التي يسيطر عليها “المرشد” خامنئي، تمثّل ١٥ إلى ٢٠ بالمئة من الإقتصاد الإيراني، وفقاً لتقدير الإقتصادي”هوشانغ أمير أحمدي”، الذي يعمل في “جامعة روتجيرز”.
أما “الحرس الثوري”، فإنه يسيطر على إمبراطورية تجارية مستقلة عن المؤسسات التابعة لـ”المرشد”.
وتضيف “نيويورك تايمز”:
تملك الشركات القابضة شبه الرسمية ميزات كبرى بالمقارنة مع الشركات الخاصة، مثل تيسير الحصول على رساميل، وإعفاءات ضريبية، وعلاقات سياسية. ولكنها، بمعظمها، تعرّضت في السنوات الأخيرة لاتهامات بعدم الكفاءة، وسوء الإدارة، علاوة على التعاملات الداخلية المحظورة، وغيرها من أشكال الفساد.
وقامت السلطات الحكومية بفتح القطاع المصرفي في اواخر التسعينات ومطلع القرن الحالي، عبر السماح للمؤسسات الدينية (“البونياد”) بإنشاء مؤسسات إدخار وإقراض غير خاضعة لقيود متشددة من أجل “خدمة الفقراء” ظاهرياً. وأعقب ذلك بيع قسم من أسهم البنوك الحكومية.
وكشفت دراسة داخلية صادرة عن “البنك المركزي الإيراني” أن هيئات “شبه حكومية” تملك ٧ من أصل ١٧ بنكاً “خاصاً” في إيران. وبين الـ٧، فإن “الحرس الثوري” يملك ٢ من البنوك، في حين يملك الجيش، والشرطة، وبلدية طهران، و”بونياد” ديني عملاق واحد، البنوك الـ٥ الباقية.
وحتى في المؤسسات المالية غير الخاضعة مباشرةً لجهات شبه حكومية، فإن أكبرها تُدار عادةً من أفراد ينتمون إلى نفس النخبة الحاكمة، حسب ما يقول إقتصاديون وديبلوماسيون.
الحق على المودعين
تضيف “نيويورك تايمز” أن المسؤولين الإيرانيين أنحوا باللائمة على المقترضين، حيث أن المؤسسات المالية المشكو منها لم تكن رسمياً مرخصة من البنك المركزي أو مكفولة منه.
وقال ناطق بلسان الحكومة، هو “محمد باقر نوبخت”: “كم مرة ينبغي أن تُلدغوا من حيّة تخرج من الجحر نفسه؟” وأضاف أنه “قال ذلك للناس عدة مرات، ولكنهم استمروا في الإستثمار فيها”!
واعلن الشيخ “محمد باقر أولفت”، نائب رئيس السلطة القضائية، أن المودعين المغبونين يشاركون في تحمّل المسؤولية إلى جانب المقرضين والمشرّعين!
وقال لوكالة أنباء رسمية: “نعم، لقد خسروا أموالهم، لكن عليهم ألا يتوقّعوا أن تعوضهم الدولة عن خسائرهم”!
*