بداية أبهجنا المعتصمون المنافحون عن حرية التعبير، عندما أطلقوا ساحة الحرية على المساحة الكائنة بين مقر رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الإعلام، وكنا بحاجة لفسحة نظر تتمعن صلاحية النية التحتية للمكان وتنفتح على اقتراح غيره بأفق مأسسة وعقلنة وتأطير الساحة المناسبة للاجتماع المدني، ولكنهم -ربما بعضهم– سارعوا إلى مصادرة الفضاء المأمول لممارسة التعبير الاحتجاجي السلمي، المدني، وأجهزوا على وعد الاجتماع المدني بـ”انقلاب” أسفر عن تحويل موضع الاجتماع إلى جامع، وتلبيس المدني بالديني، وختموا على الاعتصام السلمي بصلاة جمعة .
وقبل أن نناوش وكر المصيبة، لا بأس من التنويه إلى أننا لسنا في وارد الاعتراض على الصلاة، ومعاذ الله أن نكون على الضد من إقامة صلاة الجمعة في أي مكان كان وفي سبيل الله وحده ولوجهه وليس بقصد المناكفة والنكاية والتوظيف الغوغائي واللعب الصبياني المكشوف.
واستطراداً سنلفت الزملاء الذين اقترحوا تدعيم الاعتصام بصلاة الجمعة إلى أنهم سيفتحون على أنفسهم وعلينا جميعاً أبوب جهنم من نافذة الاجتهاد الذي لا يضمن أحد أن لا تتلفت أشرعته وتسمح بأن يطل علينا في قابل الأيام من يشترط تأمين دوام الاعتصام بالتزام الصيام لكي تتواصل المسيرة المظفرة إلى أن تصدم بنقطة انقطاع الشعرة الفاصلة بين الاجتهاد والجهاد وترجح كفة الأخيرة وتنهار عتبات ذاكرة الافتتاح: التعبير السلمي!
والمحنة أنا بإزاء من يقدح بتلاعب السلطة بورقة الدين ولا يأبه لنفسه وهو يلعب بذات الورقة بانكشاف سافر يشير إلى انحشار معظم اللاعبين في مأزق خانق، ويفيد بأن الساحة لم تتأهل بعد لممارسة السياسية العقلانية، كما لم تتأثث بالمفردات والأجواء لمطلوبة لتبرير اكتسابها لاسم ساحة الحرية.
ذلك أن ساحة الحرية ليست محض اعتباط ولا شطحة، ولن تكون منصة للاستعراض وخطف الأضواء وتسجيل الحضور “المايكروفوني” وتوثيق التسطيح والخفة والهتفية ببيانات من طماش تستعجل الانتصار وتنطق بالدمار.
وإذا كانت التفاعلات الجارية في البلاد ترهص بساحة للحرية، كما لا تخلو من عثرات ونواقص فإن ذلك يلزمنا بأن نعترف بأننا بحاجة إلى ساحة نتأهل معها وبها لنمارس الاعتراض النقدي المتدرج والمتنامي والمنظم والمتصاعد على سلطة الفساد والاستبداد، بالتوازي على الانفتاح على الحوار العقلاني والرهان على تنميته كيما نتحرر من أثقال الفساد والاستبداد في أنفسنا إذ ينطوي كل واحد منا على مشروع مستبد، وساحة فساد غير منظورة!
بهذا المعنى نعتقد أن الساحة المرجوة ينبغي أن تكون نظيفة من أدران الأيدلوجيا، ومتحررة من كافة أشكال الوصاية، ومن مآرب الاستحواذ، ومن كافة أشكال استثمار المقدس، والتنازع على السماء في سبيل اختطاف الأرض والساحة!!
* كتب هذا المقال بمناسبة تصدر بعض القيادات الإسلاموية لإعتصامات أنطلق بالأساس للدفاع عن الحريات .
اليمن