التماثل في النشأة وتعبيراتها لدى التيارات الاسلامية الاصولية، في المنهج والسلوك منذ انهيار السلطنة العثمانية في مطلع القرن العشرين، جعل الفارق بين هذه الحركات او التيارات، ذات الجذور السنية او الشيعية، طفيفا. ولا يعود الامر الى التجربة الاسلامية الايرانية التي امتدت نحو خارجها، بينما تتجه اليوم اكثر فأكثر مع اخفاق مشروع “الصحوة الاسلامية” و”تصدير الثورة”، نحو مشروع الدولة الايرانية وتبنى ايديولوجية الدولة. هذا بما لا يتنافى مع سياسة تسخير الجماعات خارجها في سياق تعزيز الدولة القومية ونفوذها، والاستمرار في تصدير خطاب اظهر انه فاقم من الازمات الاثنية، ومن التأزم الاقتصادي، والدولة الفاشلة.
التماثل بين التيارات السنية والشيعية لم يبدأ مع الثورة الاسلامية في ايران، بل يعود الى مرحلة صعود حركة الاخوان المسلمين في مصر، والذي قابله في خمسينيات القرن الماضي صعود حزب الدعوة في العراق، متأثرا بالبنية الفكرية والتنظيمية لحركة الاخوان. وتأثر الطرفان بالحركة هذه، وان من موقع الصدام والعداء مع الحزب الشيوعي السوفياتي كنموذج تنظيمي جرى استلهامه وتبني ادواته وآلياته لكن بثوب اسلامي.
على ان المشترك في صعود الاسلام السياسي في القرن العشرين انه كان ردة فعل على واقع متعثر في ادارة المجتمعات وانظمة الحكم فيها، وردة فعل على ازمة الهوية الضائعة، بين الهوية القومية والهوية الوطنية والدينية، والاسلام الذي رسَخ في وعي هذه التيارات انه حامل للحلول السحرية، في الاجتماع السياسي، وفي الاقتصاد وعلى مستوى التحدي الحضاري.
وفي ما يطرحه اليوم صعود التيارات السلفية الجهادية لدى السنة في بلاد الشام، وبما تقدمه من ادبيات وسلوك غير قابلين للاعتراف بالآخر، ومن عقلية اقصائية انتحارية تتسلح بعناوين دينية تكفيرية، لا يبدو بعيدا، بل يتماثل مع التجربة التي مثلتها بدايات تشكل حزب الله في نهاية العام 1982 من مجموعات اسلامية، منها ما كان ينتسب الى حزب الدعوة، او من بعض المنقلبين على حركة امل من المشككين بشرعيتها الاسلامية.. وغيرهم من مجموعات اسلامية نشأت وارتبطت بالثورة الاسلامية في ايران. وكان الاحتلال الاسرائيلي التحدي المباشر لهذه النشأة، لكنه لم يخف تلك النزعة الاقصائية التي ترجمت في بداية هذا الصعود ومع انتشاره بمواجهات امنية طالت المؤسسات العسكرية الرسمية. وكان اولها احتلال ثكنة الشيخ عبدالله التابعة للجيش اللبناني في بعلبك عام 1983، ومواجهات عسكرية وامنية مع الاحزاب العلمانية (القومي – الشيوعي) وصولا الى الصدام الشهير والممتد على طول الجغرافيا الشيعية مع حركة امل.
في تلك الفترة وتحديداً منذ العملية الانتحارية التي استهدفت السفارة العراقية في العام 1980 وبعده بعامين وثلاثة تفجير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي ومقر المارينز والقوات الفرنسية والسفارة الاميركية في بيروت وانطلاق عمليات خطف الاجانب. بدا هذا النوع من العمليات محل افتخار واعتداد في هذه البيئة الاسلامية الشيعية، ووجد تبريره الديني، رغم سقوط مدنيين كان معلوما انهم سيسقطون بسبب تواجدهم في المواقع المستهدفة. هذا النوع من العمليات جرى تقديمه – من دون اعتراض – على انه احد ثمار التجربة الاسلامية الشيعية داخل حزب الله، لابل ردد الكثيرون مقولة ان هذا النموذج هو نتاج المدرسة الجهادية الشيعية التي افتتحته وابدعت فيه بالمقارنة مع التيارات الجهادية السنية وغيرها.
العقلية الاقصائية داخل التيارات الاصولية والسلفية الجهادية تكمن في بنية العقل الديني الذي تحكمه وتحوله الى عقل دوغمائي. اي ان الحالة اليقينية لديه لايتسرب اليها الشك، وتنظر هذه التيارات الى نفسها بصورة نرجسية، وتتعامل مع سواها بذهنية وسلوك الفرقة الناجية. وهي اذ تنتمي الى بنية فكرية واحدة، تتبادل الادوار. ففي مرحلة كان العمل الانتحاري عمل ممجدا لدى بعضها، ووفق المصالح الجديدة صار مرفوضا، كما كان مرفوضا لدى البعض الآخر في مرحلة ما وصار اليوم ممجداً. وهذا، في النموذجين السني والشيعي، يعكس تماثلا بنيويا في النظر الى حق الاختلاف. اذ ان كل حزب سياسي يقوم على اساس اعتقاد ديني لديه مشكلة، لأن الاعتقاد الديني يتمحور على فكرة الحق والباطل.. اي اذا كنت على حق من منطلق ديني فالآخر على باطل. فيما الحياة السياسية تقوم على لعبة تتزاحم فيها الآراء السياسية من اجل الوصول الى السلطة، من دون ان يتبع هذا التزاحم اي تبعات دينية.
alyalamine@gmail.com
البلد