الإسلاميون في حالة صعود، وهاهم يحصدون المقاعد في الانتخابات البرلمانية بعد الثورات العربية. كيف نفكر في هذا الأمر؟
الحكمة الشائعة تقول: فشل القوميون واليساريون وجاء دور الإسلاميين. وهذا القول ينطوي على قدر هائل من التبسيط وعلى قدر مشابه من المغالطات. حكمة أخرى تقول: اتفق الأميركيون مع الإسلاميين على تمكينهم من الحكم في البلدان العربية. وهنا، أيضاً، تبسيط ومغالطات.
تتفرّع عن الحكمة الأولى تأويلات كثيرة، منها أن “الجماهير” تعود إلى هويتها الأصلية، وأن الأنظمة العلمانية لا تنسجم مع هوية وتاريخ وتطلعات المجتمعات والشعوب العربية، وأن “الجماهير” في حالة الأزمة تعود إلى الأصل، سواء تمثلت الأزمة في أنظمة قمعية، أم في هزائم خارجية وإخفاقات داخلية.
هذه التأويلات أحادية ومغايرة للحقيقة التاريخية وإن كانت قادرة على توظيف جانب منها. وإذا شئنا الكلام عن حقيقة مغايرة فلنقل إن سياسات الهوية بدأت على يد النظم “القومية والعلمانية” في فترة ما بعد الاستعمار، وأن مناهج التعليم الجديدة بعد تأميمها هي التي زرعت بذور الإسلاموية، واجتهدت في تسييس الدين.
ولكي يتم القفز على هذه الحقيقة يُصوّر أشخاص مثل عبد الناصر كعلمانيين، وتُصوّر الأنظمة القائمة في العالم العربي (ما عدا السعودية والمشيخات النفطية) باعتبارها أنظمة علمانية.
والصحيح أن العالم العربي لم يعرف أنظمة علمانية بالمعنى الحرفي للكلمة إلا في اليمن الديمقراطي، وفي شطر من حياة تونس البورقيبية، بينما لم تعمّر الشطحات العلمانية السورية والعراقية والمصرية سوى فترات قصيرة جداً في عمر الأنظمة المعنية. من المضحك أن نصف نظام حسني مبارك بالعلماني، وكذلك نظام صدّام حسين في طوره المتأخر، ونظام بشّار الأسد، الذي ورثه عن أبيه. في عبارة واحدة: الأسلمة بدأت مع الأنظمة الموصوفة بالعلمانية عن طريق مناهج التعليم ووسائل الإعلام.
وإذا عدنا إلى الحكمة الشائعة الثانية، والقائلة إن الأميركيين اتفقوا مع الإسلاميين..الخ ففي هذا القول ما يعيد التذكير بنظرية المؤامرة، التي تلغي الفعالية الإنسانية، وتختزل الحراك الاجتماعي والسياسي في تأويلات مريحة.
والصحيح أن الأميركيين مهما امتلكوا من وسائل القوة والنفوذ لا يستطيعون حشد هذا القدر من التأييد للإسلاميين أو غيرهم. والصحيح، أيضاً، أن ما يستحق الانتباه في هذا الشأن يتمثل في الدعم المادي والمعنوي والإعلامي الذي يتلقاه الإسلاميون من السعودية ومشيخات النفط.
في هذه النقطة بالذات مربط من مرابط الفرس. هذا الدعم ليس وليد اليوم، فقد بدأ منذ أواسط السبعينيات، وتسنده في الوقت الحاضر شبكات رجال الأعمال والمستثمرين، ويقوم على بنية تحتية تبلغ مليارات الدولارات، تتكوّن من مستشفيات وعيادات، ورياض أطفال، وجمعيات تعاونية، ومدارس وجامعات، ومؤسسات ثقافية وتربوية وسياحية وإعلامية. الشبكات، كما البنية التحتية، عابرة للحدود.
ومع ذلك، ما يزال كل ما قلناه في باب التمهيد للتفكير بطريقة موضوعية في ظاهرة صعود الإسلاميين. صعدوا، بصرف النظر عن الأسباب، وماذا بعد؟
سيهيمن هذا السؤال على النصف الأوّل من هذا القرن. ولا ينبغي أن نأخذ على محمل الجد ما يقوله ممثلو الإسلام السياسي عن الوسطية والاعتدال..الخ. الصحيح أن قضايا البطالة والانفجار السكاني والبنية التحية والتشغيل والتنمية والاستثمار تحتاج إلى ما هو أكثر من الكلام عن الوسطية والاعتدال، ولا علاقة لها في واقع الأمر بالوسطية والاعتدال.
والصحيح أكثر وأكثر أن الترسانة الأيديولوجية للإسلام السياسي غنية جداً في موضوع الأخلاق، لكنها فقيرة في موضوع إدارة الدولة والتنمية وحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وما يستحق الانتباه في هذا الصدد أن الوصول إلى سدة الحكم في انتخابات ديمقراطية، لا يعني أن الصاعدين سيحترمون شروط وقواعد اللعبة الديمقراطية، بل يعني قولبة الحقل السياسي بطريقة تضمن هيمنة الإسلاميين على مقاليد الحكم، كما فعل “القوميون” من قبل.
وليس من السابق لأوانه القول إن هذا وغيره سيجري تحت شعار “هذا ما تريده الأغلبية” و”هذا ما يريده الشعب”، هنا الرافعة الأيديولوجية لديمومة الهيمنة وتأبيد البقاء في السلطة. وعمّا قريب سيخرج متطرفون من “يمين” و”يسار” معسكر الإسلام السياسي بشعارات أكثر تطرفاً، في محاولة للحصول على جزء أكبر من كعكة السلطة والثروة، على طريقة صاحب الإمارة في رفح الذي قتلته حماس.
في المرحلة الأولى سيكون الميل إلى المساومة والتفاوض والتدرّج عنوان اللعبة السياسية، ولكن في المرحلة الثانية بعد الاصطدام بمشاكل الخبز والبنية التحية والمجاري والعاطلين عن العمل والاختناقات المرورية والتكاثر السكاني والمشاكل الصحية والإدارية والتنظيمية، عندئذ سيصبح التشدد الأيديولوجي بديلاً للحلول العملية.
مهما يكن من أمر، وهنا أعود إلى ما كتبه محمد أركون ذات يوم عن الإسلام السياسي باعتباره أكبر عملية علمنة في تاريخ الإسلام. صعود الإسلاميين جزء من عملية العلمنة.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بالمستقبل فإن بحث الشعوب العربية عن العقد الاجتماعي الجديد يُجابه الآن باقتراحات جديدة من جانب الإسلاميين. هذه الاقتراحات ستفشل في تحرير العقد على أسس ديمقراطية، والسؤال كم سيمضي من الوقت قبل اتضاح الفشل، وهل سيكون الثمن باهظاً مثلما حدث عندما استولى العسكريون على السلطة؟ أسئلة مفتوحة.
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
Khaderhas1@hotmail.com
صعد الإسلاميون، وماذا بعد؟
هل يتكرم الكاتب بتقديم مايثبت قوله بأن دول الخليج تدعم الاسلام السياسي خصوصا واننا نعرف ان ذراع الاسلام السياسي الحربي وهي الجماعات الجهادية التكفيرية استقصدت دول الخليج في عقر دارها بالارهاب فكيف يدعم ذراعهم السياسي الا اذا كان الكاتب لايفرق بين العمل الخيري ودعم الشعوب العربية المحتاجة -الذي اخترق هو الاخر بواسطة الارهاب الاسلام السياسي- والدعم السياسي للأنظمة السائدة او التي كانت سائدة بحكم اتفاقات الجامعة العربية.