“الربيع العربي والنهايات غير السعيدة؟” نقاش سياسي جرى مؤخرا في بون قدم فيه كل من المفكر السوري الكبير صادق العظم والباحث الألماني كارستن فيلاند والصحفية الألمانية هَنا فيتيغ توقعاتهم عن ما ستؤول إليه الأمور في دول الربيع العربي. وبهذه المناسبة التقت DWعربية العظم لإلقاء الضوء على “الربيع السوري الطويل”، وكان الحوار التالي:
DWعربية: ثمة مخاوف لدى البعض من وصول الأحزاب والتيارات الدينية للسلطة في سوريا، على غرار ما حصل في تونس ومصر، ما مدى واقعية هذه المخاوف؟
صادق جلال العظم: تعتمد القراءة اليومية للوضع السوري على ذكائنا كمراقبين، إذ نجد اليوم أن التيارات الدينية في سوريا هي تيارات قوية ومنظمة جيدا. زد على ذلك أن النظام السوري عمل في السابق على إفساح المجال أمام تلك التيارات، بل واستفاد منها أكثر مما استفادت هي منه. فظهر النظام بمظهر المراقب والضابط لهذه التيارات وبنفس الوقت كسب مشروعيته من خلالها. كما وقف النظام في وجه العلمانيين وكان أكثر قسوة عليهم، خصوصا في محاولاتهم لمناقشة مسألة التيارات الدينية مع رموز السلطة، أو حتى الرد على الأطروحات الإسلامية لخلق سجال عام بين العلمانيين وبين التيارات الإسلامية. لقد كانت مطالب العلمانيين أحياناً تزعج النظام بالفعل أكثر من مطالب الإسلاميين.
وبرأيي أن التيارات الإسلامية مجتمعة لا تشكل أكثر من 40 بالمائة، وهذا بناء على التقديرات في ظل غياب الدراسات المتخصصة في هذا المجال. وبناءً على طبيعة المجتمع السوري المتنوع بمكوناته، أجد أنه من الصعوبة بمكان أن تأخذ التيارات السلفية والأصولية موقعا رئيسيا في سوريا. في الجهة المقابلة يوازن علمانيو سوريا المشهد، ولهم أيضاً وجهات نظرهم الخاصة، حيث تتسع قاعدتهم في أوساط الأقليات، بالإضافة إلى العمانيين من السنة.
هل يوجد في سوريا إسلاميون وعلمانيون فقط؟
يوجد أيضاً المتدينون من الطبقة الوسطى التجارية في المدن، أي الإسلام المتوازن والمعتدل. وهذا ما يفسر جاذبية النموذج التركي في بعض الدول العربية، وخاصة الأحزاب السياسية الإسلامية المعتدلة، بل حتى إن التسميات متقاربة كحزب النهضة في تونس الذي أعلن صراحة نهجه على النموذج التركي. ويضيف ضاحكاً: أنا أطلق على هذا الشكل الجديد من الإسلام السياسي بالإنكليزية “Good for business Islam” أي “الإسلام الجيد للأعمال”.
ورغم ذلك تطالب الأقليات، خاصة المسيحيون والعلويون والدروز بمزيد من التطمينات، ما هي تلك التطمينات التي يجب على الإسلاميين أن يقدموها؟
الثورة صيرورة، والمعارضة صامدة ومستمرة بتقديم تطمينات للأقلية، لكن هل تطمئن الأقليات؟. أعتقد أن الأقليات، في هذه المرحلة أي قبل الانتقال لمرحلة تطبيقية، أي مرحلة وضع الدستور مثلاً، لن تطمئن لأن ما تحصل عليه هو كلام فقط. من هنا أجد أن أهم عناصر الاطمئنان هو مشاركة أكبر للأقليات في الثورة. فكلما زادت مشاركتها كلما زادت أهمية دورها في المرحلة القادمة وهي الأهم للبلد. وتبقى المحاولات التي يقدمها الأفراد من الأقليات مكان احترام وتقدير بدون شك، وخاصة أنهم يتعرضون لأشكال عديدة من التخوين على المستوى الطائفي والوطني من أبناء طوائفهم.
وكأن الثقة معدومة بين الطرفين، أقصد الأقليات والمعارضة؟
الإصرار على طرح الموضوع وكأن هاجس السنة هو الاعتداء على الأقليات المسيحية والعلوية والدرزية والإسماعيلية، وحتى الأكراد وغيرهم، لا تدعمه الأدلة. بالطبع قد تتطور الأمور وتزيد احتمالية وقوع صراع طائفي في البلد. لكن لنكن أكثر واقعية، هنا لابد من الإشارة إلى أنه قد تحدث حالات انتقام على أساس طائفي. والمبالغة في القول إن الشعب السوري كله محب بشكل مطلق لبعضه البعض، ما هي إلا رومانسية زائدة عن حدها.
هل تجد أن هناك حلا لإنهاء الأزمة في سوريا؟
يصمت المفكر السوري للحظات ويضيف قائلاً: هناك توقعات للحل، أولها في حال أوقف النظام القتل، سيخرج للشارع ما يقارب من ثلاثة ملايين سوري كطوفان بشري لإزاحة النظام، ويتم بذلك اقتلاعه سلمياً.
وفي اجتهاد آخر، يُبني على أن النظام أخذ الحل العسكري لإنهاء الثورة في سوريا، وفي حال إيقافه للعمليات العسكرية سيكون ذلك بمثابة إعلان هزيمة بالنسبة إليه، وبالتالي لن يوقف العنف. وفي هذه الحالة لا بد من حرب عصابات يشنها الجيش الحر والمسلحون من المعارضة لاقتلاع النظام، باعتباره متشبثا جداً بالاستمرار. ويبقى الحل الأسلم برأيي هو الطريقة اليمنية، مع الإشارة إلى أن الحل في اليمن جاء بعد الاعتداء على الرئيس علي عبد الله صالح. ولولا هذه الحادثة أشك بأن صالح كان سيقبل بالرحيل.
حوار: رولا أسد
مراجعة: أحمد حسود
صادق جلال العظم: “المفاجأة السارة أن الثورة السورية لم تنقلب كلياً للعسكرة”
رولا أسد؟ بنت الرئيس ؟